أحيل الجواب إلى القراء من خلال تقييمي لهذا الكتاب الذي غالطني بعنوانه نظرا لإهتمامي بفكر النهضة العربية، وحركات المقاومة للاستعمار في القرن التاسع عشر، وما تلاها من الثورات العربية في القرن العشرين، والانتفاضات، والحراكات السياسية المدنية في بداية هذا القرن الحادي والعشرين ...
ولعل الجامع بين موضوع هذا الكتاب عن الانتفاضات العربية، او الثورات المضادة، او الربيع الأمريكي الدموي، هو أن أفكار الكاتب كانت ضد الثورات، باعتبارها عنفا، وتمردا، ويرى أن البديل لها، هو الديمقراطية، الشعار الكاذب للعولمة، والتعددية السياسية للاحزاب القبلية، والجهوية، كما في موريتانيا وغيرها من اقطار الوطن العربي، وقد ذكرني الكتاب الدكتور السيد ولد اباه بالمحاضرة عن " العولمة " التي ألقاها الدكتور" علي أمليلي " الاستاذ الزائر من المغرب في جامعة نواكشوط في العام 1999م، وكان الدكتور السيد ولد اباه مستقبلا، لا مناقشا، ولا قابلا - حتى - لمناقشة المحاضر من طرف الاساتذة والجمهور الذي حاول مناقشة المحاضر عبثا ،، ولعله أجل موقفه من العولمة، حتى يبثه في كتابه هذا الذي روج للدعاية التي كانت غسيل الاعلام الغربي منذ التسعينات قبل ان يطبعها في كتابه عن الثورات العربية..
لقد حاول الكاتب التأريخ للواقع السياسي العربي الذي أدى إلى الانتفاضات المذكورة، فذكر (( أن الاقطار العربية في مجموعها تعيش راهنا سباقا بين نموذج الإصلاح التوافقي المحسوب والمتدرج، وخيار الثورات العنيفة الجارفة - 73- ))
وفي تصنيف الكاتب للانتفاضات، آثر الحل الذي توقف عنده طويلا في حديثه عن الحراك المغربي الذي جلب (( الاصلاح التدريجي، )) بدلا من العنف ضد الأنظمة الشرعية التي التي كانت قائمة عبر انتخابات في كل من تونس، ومصر، واليمن، حيث (( الانتفاضات العمياء، وحركة الشارع المدمرة .. - ص 74 -)).
ويظهر الكاتب اتجاهه الموالي للأنظمة الملكية على الجمهورية في الوطن العربي، وذلك باعتبار (( الأنظمة الملكية الوراثية أكثر قدرة على القيام بالاصلاحات السياسية، من الجمهورية - 72 - ))
ويبرر الكاتب التدخل الامبريالي الذي يصفه (( بالمظلة الخارجية ، تصبح في بعض الأحيان ضرورية قصوى، إما لحماية الشعب من بطش حاكمه في بعض الحالات التي يصل فيها القمع إلى حد المذابح والابادة الجماعية ليبيا مثلا - ص 73 - ))
وقد يسألني القارئ - الذي لا وقت يضيعه في قراءة الكتاب الذي يسجل يوميات الكاتب التي نشرها في مجلة " الاتحاد الظبانية " - على حد تعبيره - الإماراتية، خلال سنوات الانتفاضات العربية - فما هو الجديد التوعوي في الكتاب الذي عنونه مؤلفه بالثورات العربية المسار والمصير، وان كان الكاتب لم يتتبع المسار، ولم يعرض للنتائج، ولا ربطها بالمنطلقات علما أنه استاذ للفلسفة، والمفترض أن يتأثر بالاستدلال الارسطي في ربط النتائج بالمقدمات…؟!
أولا /
الإجابة الصريحة، لن تفرض علي عدم احترامي لكل كتابة فكرية مهما كانت قيمتها النسبية، وذلك تشجيعا للثقافة المكتوبة ، فهي تشكل ابداعا مطلوبا في مواجهة الثقافة الشفوية السائدة في مجتمعنا، وليس هذا تشجيعا لكاتب "رجعي"، يصدق عليه هذا الوصف الذي أعطاه باستحقاق " غالي شكري" للكاتب التونسي " محمد مزالي" الذي نجد تمجيده في هذا الكتاب، وغيره من الشخصيات التافهة التي استغرق الكاتب في وصفها مثال : (( الأديب الفصيح المتفلسف محمد مزالي))، والسيدة : (( وسيلة عمار سليلة البرجوازية التونسية العريقية ))، و (( ليلى بن علي، وقد أصبحت تلقب من الجميع بصاحبة الفخامة، السيدة الفاضلة ))، و ((" الماطري" الذي أنشأ إذاعة إسلامية حققت نجاحا كبيرا، كما أنشأ أول بنك اسلامي في تونس باسم بنك الزيتونة))، و (( احمد نجيب الشابي الرجل الستيني طويل القامة))..
لقد استغرق الكاتب في تقديم نظام بورقيبة وعرض لأسماء رؤساء الوزارات الأولى، الذين كان كل منهم يدعي خلافة بورقيبة، ثم يعاجله رئيسه بالإقالة، كما عرض لعدائية بورقيبة ل "زين العابدين بن علي"، وكون الأخير بادر بإسقاط رئيسه بالتقرير الطبي…
ولا جديد في هذا السرد التقريري اطلاقا، لا بالنسبة للقارئ المغاربي، او العربي عموما ، كما لا قيمة تذكر لما تعرف عليهم السيد ولد أباه من الشخصيات التي سنقتصر على واحد منها (( تعرفت - إلى - على الشيخ راشد الغنوشي، بدا لي الرجل خلال اللقاء ذكيا، لبقا، ودودا.. ))
وحين عرض الكاتب لبلادنا في علاقتها التاريخية بتونس، فنسب " أبو عمران الفاسي" للقروان، في حين أنه شيخ ثائر على الحكم في فاس ، المغرب ، ولما عرض لنظام حكم ( المرابطون)، فكرر خطأ "ابن خلدون "الذي كتب مغالطات بعد خمسة قرون من نهاية حكمهم،، لذلك نسب نظام الحكم الى "الرباط" على نهر صنهاجة،، والصحيح، هو النسبة التي ذكرها القاضي عياض في كتابه طبقات فقهاء المالكية، حيث ارجع الاسم إلى " الزاوية" التي كانت تسمى بهذا الاسم، وانطلق منها عبد الله بن ياسين، فأسس حركته الاصلاحية تيمنا باسمها..
واللافت للانتباه، أن الدكتور السيد ولد اباه روج للخديعة التي قام بها النظام الملكي المغربي في العام ٢٠١٢م. حين اجهض الحراك المغربي المعروف ب"حركة عشرين فبراير" بما اسماه بالاصلاح الدستوري الذي قارن الكاتب بينه، وبين " ثورة الملك، والعرش، والشعب "، ولعل الكاتب خدع هو الآخر بتلك الدعابة الكاذبة التي روج لها الإعلام الرسمي للمخزن المغربي، فتلقفها باعتبرها حقيقة، ولذلك قام بالمقارنة بينها، وبين الخديعة التي اجهض بها " محمد الخامس" نضال حركة المقاومة المغربية ضد الاستعمار الفرنسي، بقيادة المهدي بن بركة ، واحمد بلافريج، وغيرهما، من القادة الذين انتدبهم المستعمر قبيل الاستقلال، وحاورهم ، واتفق معهم على مشروع الاستقلال قبل ان يطلق صراح محمد الخامس، وحين ارجع الأخير من منفاه الذي لم يختلف عن المنفي الصوري الذي جرى مع " بورقيبة"،، و قد تم الاتفاق معهما على برامج خادعة لكل من المغاربة، والتوانسة، وحين رفض قادة المقاومة مشروع المليك، وفرنسا، فقع في صراع معهما، ليصبح الصراع مغربيا، بين العرش، وقادة الحركة.. وامعانا في التزييف ، سحب الإعلام الرسمي الثورة من اصحابها، وألصقها بالمليك في الشعار الزائف " ثورة المليك، والعرش، والشعب" ..!
ثانيا /
يتضح أن الدكتور السيد ولد اباه، لم يختلف موقفه عن مواقف القائمين على " الاتحاد" الإماراتية التي كان يكتب لها يومياته، كما كان يكتب في جريدة " الشرق الأوسط " اللندنية السعودية، و" الحرة " الأمريكية منذ احتلال العراق في 2003م. وكان يبشر حوارييه بنهاية الأنظمة الثورية في الوطن العربي.. ولذلك صب جام غضبه على القذافي رحمه الله، وعلى نظامه الذي اعترف بأنه حقق " الرفاهية " للمجتمع اللبيبي،، وقد وقع في تناقض صارخ، لأن تحقيق الرفاهية يوضح الاختلاف في الدوافع، و الاهداف لدى قوى الانتفاضات العربية التي كان مبرر بعضها الظروف المعيشية المزرية ، كما ورد في شعاراتها " عيش، كرامة " لجموع الجياع في تونس، ومصر، والمغرب ، واليمن…
والظاهر أن مرجعية الكاتب فيما عرف عن ليبيا لا تخرج عن دعاية " ساركوزيه" الصهيوني في تدخل فرنسا، لحماية سكان بنغازي من الإبادة الجماعية، وكذلك ما روجه لاحقا المخدوع "عبد الرحمان شلقم " النائحة المستأجرة في كتاباته، ومقابلاته الملفقة، وكان هدفه منها الهروب من سفينة الحكم بعد ستة أشهر من الهجوم الجوي لحلف الناتو على مجتمعه، ونظام حكمه..
وأخيرا :
لابد من أظهار الجانب الإيجابي في كتاب الدكتور السيد ولد اباه، للإشارة إلى عديد الاقتباسات النظرية من الفكر السياسي الغربي الذي شكل مرجعية له، فقرأ على ضوئها الأنظمة السياسية العربية باعتبارها تجارب لدول - وما هي بدول - على غرار قراءة المفكرين الغربيين بتلك الاقتباسات المذكورة للتجارب الليبرالية في الدول الغربية، في حين أن مفهوم الدول لا ينطبق على أنظمة الحكم القبلية، والملكية الوراثية القرسطوية في الوطن العربية ..