ثلاثة ملفات حرجة على طاولة غزواني !... / محمد محمود ولد بكار

2025-02-27 01:41:28

ملف الإصلاح السياسي والإداري أو التحضير للخروج الآمن، وملف الهجرة، وملف الغاز (BP)

1- الإصلاح السياسي

أ- الحوار :ماذا يريد غزواني: حوار لنفسه أم للبلد؟

بعد عودته من تسليم رئاسة الاتحاد الأفريقي (تلك البنية التي تراكم الضعف والغياب عن الفعل الدولي، وقد استغرقته في أسفار طافت به حول العالم وغيّبته عن الوطن وكأنه بالغ قليلا)، عاد وقد تعرف عن كثب على وجع القارة ومرضها العضال المتمثل في مسألة عدم الاستقرار وعدم استيعاب التحول الديمقراطي..إنه -يا للمفارقة- يجد نفسه أمام نفس الامتحان !..

لقد عاد إلى بلده ليواجه مأزقه الشخصي و تحدياته الصعبة. وهكذا يكون من المفيد التقيد بذلك كخلفية دائمة عندما يريد القيام بأي خطوة في مأموريته الجديدة "المختلفة". إن فرصة معاودة نفس الأخطاء، والعمل بمقتضيات الاعتبارات الشخصية والتوازنات السياسية، وحظوة أصحاب المصالح، وحماية الفاشلين والفاسدين في مراكز مهمة في الدولة، انقضت على أي حال شاء أم لم يشأ. صحيح أن الوضع اختلف بعض الشيء، فقد عمق الوزير الأول جهود وزير أمين عام الرئاسة المضنية في كسر حجب الرؤية عن الرئيس الذي تقوده دوائر النفوذ المتحالفة في المركز ، لكن إلى أي حد سيكون ذلك نهائيا؟ غير معروف!

بينما يبقى معروفا بالمقابل أن الوزير الأول، في ديناميكيته الحالية للتنفيذ الحرفي لبرنامج الرئيس،في شبه الانعطافة الجديدة يحمل على أكتافه -ووحده- تشنج جميع تلك الدوائر. وهكذا يتوجب على الرئيس مرة أن يستمر في أن يمنحه مزيدا من الدعم الذي لم يتوان في مده به منذ تكليفه . لقد غاب أطول مرة ولأول مرة عن البلد دون كسر روتين العمل ! إننا -أمام طول ترقب في هذه المرحلة - نتطلع أيضا لتتمة عنوانها: "تحديد القوانين الجديدة التي ستتحكم في اللعبة السياسية وقواعد التعيينات وصرامة القرارات" مع توجسي من التعميمات . إن على الرئيس ، بحكم المسؤولية والالتزام الأخلاقي واليمين الدستورية، أن يحافظ على وحدة البلد، وهكذا عليه أيضا، وعلى نحو صريح، تحديد ماذا يريد من هذا الحوار ! : أهو حوار ضمن سياق المرحلة ومآلاتها، أي حوار لهذه التطلعات، أم حوار تطبعه الترضيات السياسية مع كبار السياسيين المعارضين ، حيث يثير حنق وغضب داعميه -(وهنا يحز في النفس ألا تحصل حتى على كلمة "مرسي Merci لمير ". يبدو أن الفرنسيين كانوا لحد ما لطيفين مع داعميهم)-أو أن يبقى أي الرئيس تحت تأثير تلك الدوائر وفي كل الحالات ليس هذا هو بيت القصيد. إننا هنا نتذكر الفشل الذريع لمثل ذلك الحوار مرتين على الأقل على التوالي بين يدي تلك الدوائر .

إن أول ما قام به الرئيس ، بعد عودته للبلد، هو استدعاء الشريكين الرئيسيين في المعارضة (أحمد ولد داداه ومحمد ولد مولود) - في ضوء مقاربة التهدئة التي قضت على التعارض -دون صدور أي بيان أو تصريح. وهكذا أيضا يظل إخراج المكتب الإعلامي للرئاسة عملا قاصرا من بقايا تلك النظرة المضعفة لدوره ودور الإعلام وسيطرة نظرة التعتيم الشمولية . ودون إلباسه (أي ذلك اللقاء) أي ثوب سياسي أو شخصي، يبقى من دون عنوان ،إلا معلومات التواصل الاجتماعي التي تحظى باهتمام وصداقة مديدة " بالنظام". ورغم عدم مهنية تلك المصادر، فإن بعضها يمثل جهينة النظام بسبب علاقته بالمصدر الأول أكثر من الدوائر المكلفة بذلك. لقد اثبتت جهينة أن ذلك اللقاء لأجل نقاش الوضعية السياسية دون البت في جوهر السؤال: أهو تتمة للحوار المتعثر بفعل الأدوار المعطلة لدوائر الحكم أو البدء في حوار جديد على أنقاض الحوار السابق؟.

ودون أي قطع باليقين، نتذكر أن المعارضة قد طالبت بذلك الحوار بعد الانتخابات جريا على مألوف عادتها من أجل ترقيع صورتها بمصداقية سياسية عقب فشلها في إحراز التناوب ولقاء مرشح النظام كل مرة. إنه سهمها الوحيد في البورصة السياسية في البلد. وعلى مألوف عادته ايضا، وافق غزواني للمرة الثانية وبسقف مفتوح ومرفوع على هذا الحوار. والحقيقة العميقة أن الوطن بحاجة لإصلاح سياسي جديد وهو يقف على عتبة غير مسبوقة، لا تتمثل في توديع رئيس انتهت فرصته الدستورية في الحكم، بل توديع نظام سياسي حكم البلد لمدة خمسين سنة وفشل في حسم الرهانات الأربعة الأساسية للألفية الجديدة: رهان التنمية ورهان الديمقراطية ورهان الحكامة ورهان الأمن. وإن كان الرهان الأمني تحققت فيه نجاحات شفعت للعسكريين بالعيش بريع شعاره فترة طويلة ومكنتهم من تنظيم انتخابات -خشنة- كل مرة، لكنها تحقق أهدافهم ولعل القواعد تغيرت كثيرا مما يتوجب معه تغير الرؤية والأسلوب .

الاصلاح السياسي لا يعني الحوار فقط، ولا يعني تنازل الدولة للأفراد وفق أوزانهم أو درجة شططهم، بل تنازل كل الأطراف للمصلحة العامة التي تخلق الوضعية التي يريد الجميع أن يرى عليها وطنه وأن يجعله قادرا على مواجهة التحديات التي تفرض نفسها عليه بقوة والتي تتجاوز قدراته الحالية يقينا على التحمل أو المواجهة .

اليوم يجب على كل فاعل سياسي أن يأخذ نصيبه من التضحية في سبيل الإصلاح السياسي، فعلى الأغلبية أن تخرج من جبة الاستكانة والذوبان في نسق التصفيق وإنكار التحديات التي ستنسف البلد نسفا، فهي أغلبية برنامج وطموح للبلد، وهي جزء من كل التسويات وفق رؤية وطنية للمستقبل، ويفترض فيها النضج السياسي وقد شبت عن الطوق ، ثم إنها صاحبة أكبر مخزون انتخابي في البلد . وعلى محمد ولد مولود، رئيس واحد من أقدم أحزاب المعارضة وأكثرها نزاهة ذاتية وتأثيرا في الحوارات السياسية، وأبعدها عن الطموح للمآثر والمغانم والحامل لأكثر المطالب الصدئة، أن يتنازل عن العودة بالبلد إلى ملفات تم نقاشها على طاولة جميع الحوارات وتم أخذ الاجراءات اللازمة من اعتراف الدولة بالذنب والتعويض للضحايا وغيرها. يجب أن يرتكز نظر حزبه حول الضمانات التي لن تتكرر معها مظلمة اجتماعية جديدة وبناء خطوات تضمن التقدم نحو الاستقرار في ضوء تقوية أواصر التوافق السياسي. وعلى بيرام، الذي أصبح الثاني على الخريطة الانتخابية، أن يقوم -بالإضافة إلى مطالبه التقليدية الراكدة بالتسويات السياسية لبعض المظالم الفئوية والضمانات المتعلقة بشفافية التسيير السياسي- ببعض الإصلاحات في مجاله السياسي في الخطاب وفي التفكير . فالتركيز على الشرائحية ليس خطابا للانتخابات الرئاسية، وليس خطابا جامعا، وليس خطابا وطنيا، فهو خطاب المرحلة ولا يمكن أن يحكم به البلد أو أن يكون قاعدة الإلهام الوحيدة لبناء الوطن، ثم إن تجاوزه باستمرار لمعطيات الواقع والحديث عن فوز سابق لأوانه أمام كل انتخابات وقبل إعلان النتائج وفرض وضعية استثنائية، ولا يعني طول النفس الذي يجب أن يتحلى به أي زعيم سياسي، بل يعني تغليب فرضية الفوضى وحرق المراحل ومسار التأجيج والقفز على الوضعية بجميع تفاصيلها ("إذا لم يفز بيرام الذي قام بحملة ناقصة، ولم يزر الحوضين خلال الحملة الانتخابية الماضية ، وركز على مكونة اجتماعية واحدة").. إذا لم يفز إذن بالانتخابات فمعناه أنها مزورة، وأن كل شيء فاسد. وهكذا ظل بعض اتباعه من الغوغاء، حتى تحت قبة البرلمان، يرددون أنه هو الرئيس الشرعي. فهل هذا وارد أو قانوني أو وطني ؟ وهل لا يعد الإعتراف بالأطر والسياقات النافذة والعتيدة للعملية السياسية نفسها تغافل عن حقائق قائمة بذاتها. وهكذا، عندما ينطلق بيرام من أنه ليس رئيسا مقبلا حتميا للبلد، بل إنه فاعل مهم ورئيسي عليه أن يشارك في وضع القواعد الجديدة للعبة وأن البنية السياسية الموجودة لم ولن تمنحه ثقتها مادامت ترى فيه زعيما أحاديا لونيا، فعليه أن يراجع نفسه. وبهذا يتوجب عليه إجراء إصلاحات جوهرية في خطابه، وفي تفكيره، وينسجم مع حصيلته، ويقيم ويقوّم مساره، ولا ينطلق من فرضية أنه رئيس أو أن البلد لا زال تحت الديكتاتورية والتصفية السياسية الشرائحية وغيرها من نفخ النار في صدور الغوغاء.

على بيرام، بوصفه الفاعل الرئيسي الانتخابي الثاني، أن ينظر لنفسه بمرآة المسؤولية في كل الأحداث، وفي دوره في تحريك دفة السياسة، وليس فقط التعطش للرئاسة: إما رئيس أو أن كل شيء مزور. في حين أن خطابه غير موجه للأغلبية ولا للعموم في الغالب خاصة دينامكية الخطاب .كما أن المشاكل الحالية التي تقوم بين بيرام والنظام، أو جزء منه، بسبب عدم الوفاء بالالتزامات الشخصية اتجاهه والمتعلقة بتشريع حزب الرگ: الآلية التي يريد بيرام أن يذلل من خلالها ترشحه للانتخابات وبناء مخزون سياسي حزبي بدل الإبقاء على شعبية من المتعاطفين، وأن يظل تحت شراكة غير استراتيجية وغير عميقة مع البعثيين: الوجه السياسي المقابل له مباشرة، فهذا ليس هو المشكل الوطني الرئيسي الذي تجب من خلاله معارضة النظام، وليس هو الإصلاح الوطني الذي نحن بحاجة إليه أو بحاجة للحوار حوله، وليس هو الخطاب الوطني الذي يشكل نقطة معارضة ارتكازية للنظام أو معارضة جوهرية قائمة على الدعوة لإصلاح الاختلالات الجوهرية في التسيير والحكامة ومجابهة التحديات الماحقة وخلق الانسجام الوطني وتقوية روح التوافق وبناء وطن على الأسس القانونية والعدالة والمساواة .

نحن بحاجة لإصلاحات عامة في السياسة كما في السياسيين أنفسهم، تكون نواة لتوافق وطني جوهري يقره الجميع ويرى كل طرف فيه ذاته من أجل طموحه للبلد، وتكون البداية بميثاق تقنين وتخليق الخطاب السياسي خاصة خطاب الحملة، ومن ثم المصادقة ٠على خريطة طريق لتذليل جميع المشاكل والعقبات أمام مشروعية الانتخابات مع آلية إنزالها وبنائها على الواقع، ومن ثم المصادقة عليها علنا وضمن ميثاق وطني.

إن مرتكزات هذا الإصلاح يجب أن تقوم على خلق لجنة مستقلة في ثوب جديد وبصلاحيات واسعة بدلا من ان ترفل في ثوب رث من عدم المصداقية، فهي لجنة محاصصة، وليست لجنة قضاة أو حكماء أو شخصيات مستقلة ثم ان صلاحياتها محدودة في الحقل الميكانيكي للعملية الانتخابية وليس القانوني ولا الأخلاقي، أي أنها لا علاقة لها بمناخ العملية، بل فقط بالشروط أو الظروف المرتبطة بالتصويت، بينما يجب أن تكون هناك رقابة على المرشحين وعلى قانونية الحملة والخطاب والإنفاق، أو أن تكون هناك تفريعات منها تهتم بمحيط العملية السياسية برمتها يتم فيه تمثيل المترشحين ضمن مجموعة من التسويات والضمانات والأقفال التي يسعى السياسيون لوضعها حتى تطمئن قلوبهم للمخرجات المقبلة .إن المهم في هذه العملية الحوارية المستقبلية أن تكون هناك إدارة مستقلة قائمة بذاتها وتحظى بمصداقية وطنية من خلال آلية الاختيار والصلاحيات.

يتواصل...

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122