رئيس مهرجان المذرذرة الدولي: نسعى لتقديم عمل تراثي مهم لبلدنا وللعالم (مقابلة)

2025-10-07 19:45:33

تتسارع التحضيرات على قدم وساق لتنظيم مهرجان المذرذرة الدولي، نهاية هذا العام، وهذه التظاهرة الثقافية الدولية التي ينتظر أن تحتضنها مدينة المذرذرة بولاية الترارزة،  يهدف منظموها إلى تقديم الوجه الثقافي والأبعاد التراثية والتنموية لهذه المدينة التاريخية العريقة بأساليب مبتكرة.

حول المهرجان وطموح القائمين عليه، وعن الآفاق والتحديات، حاورت "صحيفة نواكشوط" رئيس المهرجان الدكتور محمد سالم ولد الصوفي في مقابلة تضع الجمهور في صورة ما يجري وما ينتظر..

صحيفة نواكشوط: في أي سياق تضعون مهرجان المذرذرة الثقافي، سيادة رئيس المهرجان؟

الدكتور محمد سالم ولد الصوفي: بداية دعني أوجه جزيل الشكر وخالص العرفان للأهل في عموم المقاطعة ببلدياتها الخمس، على هذا التشريف والثقة الكريمة في شخصي الضعيف، داعيا ألا يخيب الله لهم أملا.

وبخصوص المهرجان فإن مقاطعة المذرذرة بما تزخر به من إمكانيات و مراكز كبرى تتمثل في إسهاماتها المشهودة فهي عاصمة إمارة الترارزة ومهد المقاومة، وقد وصل إشعاع علماء محاظرها إلى خارج الحدود،  إضافة إلى الحضرات الصوفية الكبرى والقادة السياسيين وكبار الأدباء والمثقفين وقادة المقاومة الوطنية  والمدارس الأدبية والفنية العريقة والفلكلور الشعبي... ولا شك أن المقاطعة التي تتمتع بكل هذه المقدرات تستحق إقامة مهرجان على المستوى المطلوب، يمكن من نفض الغبار عن نفائس المنطقة، وتستعيد عبره حضورها  وألقها في المشهد الثقافي والسياسي والفكري وطنياً وإقليمياً ودولياً، وفي هذا السياق تنادى معظم  الأعيان والأطر والشخصيات البارزة والمنتخبين والفاعلين في مختلف المجالات، وقرروا تنظيم هذا المهرجان، بما يضمن تقديم هذا التراث الثري على النحو الذي يبين مكانة مقاطعة المذرذرة في تاريخ هذه البلاد، وهنا أشيد بمستوى النقاشات التحضيرية التي طبعت الإعداد والتشاور خلال الشهور الماضية، وأثمرت الكثير من الأفكار المبتكرة في سبيل رفع التحدي وإنجاز المهرجان بطريقة تلبي تعطش الجمهور الذي يعلق آمالا كبيرة عليه، ويجدر بنا هنا التنبيه  إلى أنه سبق أن بذلت جهود ومبادرات مفيدة وجرت محاولات موفقة أدت جزءا من هذه الرسالة، ونحن -إذ نقدرها ونعتز بها- نخطط لأن يكون عملنا على نحو آخر أعلى وأشمل وأوسع.

صحيفة نواكشوط: مالذي يضيفه المهرجان فعلياً للساحة الثقافية، في وقت تعيش فيه البلاد على وقع سيل من المهرجانات المتشابهة؟

الدكتور محمد سالم ولد الصوفي :  ننتظر من مهرجان المذرذرة الدولي أن يكون فعالية مختلفة كليا، تعرض على منصاتها ثقافة المقاطعة بطريقة جديدة، وفي هذا السياق، فقد رفعنا مستوى التحدي وأعلينا سقف الطموح، ونسعى ليكون المنجز على قدر التوقع والتخطيط بإذن الله، أردناه مهرجاناً وطنياً بمعايير المهرجانات في كبريات المدن في العالم، ليكون إضافة نوعية للمشهد الوطني. وهنا أتوقف لأوجه تحية شكر وتقدير وعرفان للإخوة الذين نظموا سابقاً عدة مهرجانات سواء مهرجان العلك، أو مهرجان التراث، أو مهرجان أولاد الصنكة، أومهرجان تخليد معركة لكويشيش،  وكل تلك المهرجانات كانت لبنات أساسية وسنبني عليها، وأعتقد أنه بتوفيق من الله سنقدم لبلدنا وللعالم عملاً تراثياً مهما يكون علامة بارزة في مسيرة العمل الثقافي في وطننا، في ظل إيماننا بأن هذه البلاد بكنوزها الثقافية قادرة على أن تكون رقماً صعباً في مجال الثقافة والتراث المادي واللا مادي على المستوى العالمي، ونعلق الكثير من الآمال على مشاركات أبناء المذرذرة ممن لهم باع في المجال الثقافي وكذا على ضيوفنا الكرام  الذين سيشرفوننا سواء من دول الجوار الإفريقي أو من دول المغرب العربي والشرق الأوسط، أو حتى من دول أوروبا.

ونحن نود -بطبيعة الحال- أن نستفيد من كل المهرجانات التي نظمت في موريتانيا، ولكننا لا نريد أن يكون هذا المهرجان نسخة من أي مهرجان آخر، وإذا لم نأت بجديد من خلاله ولم نساهم عبره في صناعة تقاليد جديدة للمهرجانات فلا نرى أي مبرر لإقامته.

صحيفة نواكشوط: كيف سيكون مهرجانكم مختلفاً في المضمون لا في الشعارات فقط؟

الدكتور محمد سالم ولد الصوفي :  في الواقع لدينا إصرار حقيقي وإرادة قوية في أن يكون هذا المهرجان مختلفاً تماماً عن كل المهرجانات التي سبقته، ليس ذلك -بالطبع- استهانة بتلك المهرجانات وجهود منظميها، وإنما محاولة للإبداع والتطوير، وحرصاً على التفكير خارج الصندوق، لكي نستطيع تقديم ما يثير الدهشة فعلا، وعلى ذلك المنوال لا يفترض أن نفرج حاليا عن كثير من المضامين المرتبطة بالمهرجان، ونراهن على مفاجآت سيعلن عنها في حينها.

صحيفة نواكشوط: هل تراهنون على الكم أم على النوع في الأنشطة والفعاليات؟

الدكتور محمد سالم ولد الصوفي :  نحن نراهن على كل ذلك، نسعى لأن تكون هناك منافسة حقيقية على جميع المستويات، سواء تعلق الأمر بالمحتوى والمضامين، أو بعدد المشاركين، أو طبعا بالحضور الجماهيري، وأيضا بالمجالات المبتكرة، وهنا أود أن أسجل إشادتي واعتزازي بعنصر مهم كنا سباقين إليه - وكان يفترض أن أذكره بداية- وهو إفساح المهرجان مجالا واسعا للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، ليتمكنوا من تقديم إبداعاتهم المختلفة والحضور بقوة في هذا المهرجان، وهي من الميزات التي -ربما- فاتت منظمي المهرجانات السابقة، ولا شك أن حضور هذه الفئة المبدعة ومشاركتها معنا في مختلف الفعاليات سيمثل ميزة تفضيلية وقيمة مضافة للمهرجان .

وفي سعينا لتوسيع مساحة الفرح خلال الفعاليات قررنا أن يكون الأطفال شركاء فاعلون في هذا المهرجان، تجاوزا للصورة النمطية التي تختزل حضور الأطفال للمهرجانات في إثارة الشغب واستفزاز المنظمين، وهو ما يعني أن الأطفال سيكونون حاضرين ولديهم ما يقدمونه وسيظهرون تميزهم وقدراتهم بطريقة إيجابية أمام جمهور المهرجان.

صحيفة نواكشوط: ألا تخشون أن يتحول المهرجان إلى مجرد “كرنفال” فلكلوري، بلا أثر ثقافي عميق؟  

الدكتور محمد سالم ولد الصوفي :  ستكون الكرنفالات الفنية والرياضية والمسابقات في مجالات متعددة والألعاب من ضمن مضامين المهرجان، ولكن بالتوازي ستكون هناك أيضا ندوات فكرية وثقافية، وأشير هنا إلى أن إلقاء المحاضرات في المهرجانات من الأمور المعهودة، ولكننا أضفنا الندوات لأنها لقاء ولقاح للأفكار، وتمكن من طرح مختلف المواضيع ونقاشها وتبادل الأفكار حولها، وعلى سبيل المثال اقترحنا طرق موضوع جديد وسيكون له حضور حقيقي في برنامج المهرجان وهو موضوع حماية البيئة، نظرا لأهميته وضرورة تعزيز الوعي البيئي لدى ساكنة المقاطعة،  إضافة إلى مواضيع وعناصر كثيرة يتوقع أن يمكث أثرها وألا ينتهي بانقضاء أيام المهرجان، وهو من الأهداف التي رسمنا انطلاقا من تقييمنا للمهرجانات السابقة والتي كانت -على رغم جودتها وفوائدها الآنية- مفتقدة لعناصر التأثير المستمر.

صحيفة نواكشوط: ما الذي يميز استراتيجيتكم في استدعاء الموروث المحلي عن بقية المهرجانات التي تكتفي بالعرض السطحي للتراث؟

الدكتور محمد سالم ولد الصوفي : نحن لا نستدعي التراث اجتراراً ولا افتخاراً ولا ترديداً، وإنما نحاول في المقاربة التي نعتمدها إحياء قضايا تشكيل التراث من جديد، من خلال إبراز تراثنا وعاداتنا وتقاليدنا أمام الناس عبر لقطات حية تتحرك، وتسعى الاستراتيجية التي نعتمدها إلى محاولة الوصول بشكل عميق إلى معالجات تقدم التراث بطريقة مختلفة، بشكل إيجابي يدعو إلى الاعتزاز بالأصالة، إلى استخلاص المعاني والأبعاد المهمة التي بدأت تضمر وتذبل في حياتنا، والتي نعتقد أنها جديرة بأن تبقى وأن تتطور وأن تتعزز لدى الناس

صحيفة نواكشوط: إلى أي مدى أنتم مستعدون لمواجهة النقد الذي قد يوجه لكم، مثلا بكون المهرجان تكرارا لنماذج سابقة؟

الدكتور محمد سالم ولد الصوفي : نحن نرحب بكل نقد يرمي لتصحيح مسار لم يلب اجتهادنا فيه رغبة الناس، ولا شك أن النقد البناء هو الذي يبني الحضارات، ويبحث عن جوانب النقص ليكملها، نحن نقدم اجتهادات وجهودا بشرية تحتاج لمن يتفحصها ويقدم بدائل ومعالجات أفضل، والحكمة ضالة المؤمن متى وجدها فهو أحق الناس بها.

نحن فعلا سعداء بأن نتلقى كل نقد، وكل فكرة جديدة، وكل إبداع، والمجال واسع والفرص متاحة لجميع المبدعين لتقديم ماهو جديد ومفيد وجدير بالمناقشة، ونحن نعول على هذا التفاعل وننتظر عبره مخرجات تؤسس لعمل ثقافي كبير.

صحيفة نواكشوط: هل المهرجان موجَّه للجمهور المحلي فقط، أم تراهنون على جلب جمهور من خارج حدود المذرذرة؟

الدكتور محمد سالم ولد الصوفي : نحن في مهرجان المذرذرة الدولي -بطبيعة الحال- نعتقد أن جزءا كبيرا من ثقافتنا وتراثنا وما لدينا من معارف وحضارة عابر للحدود، لدينا سفراء في مختلف المناطق على امتداد خريطة الوطن وخارجه، تعلمون أن المذرذرة -على مستوى التعريف المناطقي- كانت تتبع لها العديد من المناطق التي أصبحت الآن ولايات ومدنا كبيرة ومقاطعات، وبالتالي فنحن نراهن على إسماع  صوتنا للداخل والخارج، وكما يقال " أجر الدنيا لا يضيع أجر الآخرة"، ولذلك فنحن نوجه الرسالة محلياً وخارجياً ونعتقد أنها تصلح للتسويق ونرجو أن تسد فراغاً، وأن تكون مساهمة حقيقية ولبنة تضاف إلى الجهود والمقاربات التي اعتمدت سابقا.

صحيفة نواكشوط: كيف توازنون بين “الاحتفاء بالهوية” وبين الانفتاح على الثقافات الأخرى؟

الدكتور محمد سالم ولد الصوفي : احتفاؤنا بالهوية واستنادنا إلى تراثنا وهويتنا يعطينا قوة ودفعا حقيقيا للانفتاح على الثقافات والعادات وعلى تراث الأمم الأخرى، ومشاركة وفود كثيرة من مختلف المناطق لا شك سيثري المهرجان، والمشتركات كثيرة لا حصر لها والانكفاء على الذات لم يعد ممكنا في ظل ثورة التواصل الحديث، فلذلك نحن نريد أن نتحرك وفق معايير غير تقليدية وضمن رؤية وتعاط جديد مع الهوية وليس في ذلك تناقض، ونحن سنقدم كل ما باستطاعتنا لإثراء الساحة بكل ما هو جديد ومفيد.

صحيفة نواكشوط: ما هو معيار النجاح بالنسبة لكم: الحضور الجماهيري، التغطية الإعلامية الواسعة، أم الأثر الثقافي طويل المدى؟

الدكتور محمد سالم ولد الصوفي : أهدافنا في المهرجان واضحة، سواء منها ما تعلق بالتنمية، أو بإحياء التراث، أو بجلب البهجة والسرور للناس، أو باكتشاف المواهب والإبداع، وكلها لديها مؤشرات قياس حقيقية، يمكن أن نعرف ماذا حققنا وماذا علينا تحقيقه مستقبلا، وأين وصلنا في طريق التحقيق. وأريد أن أقول إنني مطمئن إلى أن كل هذه  الأهداف مجتمعة ستتحقق إن شاء الله، الحضور الجماهيري على نطاق واسع، فالنخب والطلاب وأساتذة الجامعات والفاعلون في مختلف المجالات سيكونون حاضرين في المذرذرة، كما نتوقع أن يترك المهرجان أثراً إعلامياً كبيراً على المستوى المحلي والعالمي، ونأمل أيضا ونؤكد على أن الأثر الثقافي طويل الأمد سيساهم في خلق تقاليد جديدة تسهم في هذا المجال وتحقق أهدافه.

 صحيفة نواكشوط: لماذا تُصرّون على وصف المهرجان بـ”الدولي”، رغم أن معظم الفعاليات تبدو محلية الطابع؟

الدكتور محمد سالم ولد الصوفي : وصف مهرجان المذرذرة بالدولي هو -في الواقع- من ضمن أهداف المهرجان، ونحن بما سنقدم من مضامين للمهرجان نطمح لأن نوصل صوتنا إلى المنطقة والإقليم والعالم، وذلك عبر وفود تشارك من العديد من دول العالم، واكتشاف هذه الوفود لتراثنا وعاداتنا وتقاليدنا سيجعل منهم سفراء لبلادنا وللمذرذرة بشكل خاص لدى المناطق التي قدموا منها، وسيزيد اهتمامهم بعد تعرفهم على تفاصيل الحياة في منطقتنا، كما ستتعمق معرفتهم بجوانب لا تجد -عادة- حقها من الكشف والاستكشاف فتبقى بعيدة عن دوائر الضوء، من هنا أعتقد أن إصرارنا على أن يكون مهرجانا دوليا له ما يبرره، عبر التواصل، وعبر إحياء بعض العلاقات التي كانت تجمع أطرافا من أهل المذرذرة وجهات خارجية، فهناك مثلا حضرات دينية معروفة في السينغال كانت لها صلات عريقة مع أطراف في المذرذرة والعكس صحيح، فإحياء هذه العلاقات وتعميقها يعتبر جزء أصيلا من رسالة المهرجان.

من ناحية أخى، فإنه من الطبيعي استحضار  البعد الدعائي والإشهاري ومن حق القائمين على المهرجان أن يقدموا الصورة التي ينبغي أن يكون عليها، وهو سيكون مهرجانا دوليا وفق معايير المهرجانات الدولية، ونحن نتحمل المسؤولية كاملة في ما يتعلق بإصرارنا على أن يكون دوليا وهو من الأهداف التي رسمناها والتي نطمح إلى تحقيقها ونسأل الله التوفيق.

صحيفة نواكشوط: أليس الأجدى أن يثبت المهرجان نفسه محلياً وإقليمياً أولاً، قبل القفز إلى خانة “الدولي”؟

الدكتور محمد سالم ولد الصوفي : لقد حضرنا أغلب المهرجانات التي أقيمت سابقا وشاركنا فيها، ونقدر الجهود المبذولة فيها، ولكن اعتزازنا بما لدينا من كوادر وشباب وأفكار يؤكد لدينا إمكانية تحقيق الدولية، وهي تشمل بالتأكيد وتتوج ما سيحققه المهرجان من محلية وإقليمية.

وأعتقد جازما أن المهرجان سيوفر لمن يريدون المحلية ما يرضيهم، ولمن يبحثون عن البعد الإقليمي  فستشارك وفود من دول الجوار، ومن يتطلعون للدولية فسيجدون أيضا وفودا قدمت من مناطق ودول بعيدة يحدوها الاهتمام وحب الاكتشاف لمعرفة ما لدينا من كنوز ثقافية، نحن على موعد مع التاريخ، وسنقدم ما نرجو أن يكون مصدر اعتزاز وفخر لكل أهل البلاد، سائلين الله أن يوفق الجميع.

صحيفة نواكشوط:نشكركم سيادة رئيس مهرجان المذرذرة الدولي على الوقت الذي خصصتموه لنا، وعلى المعلومات الثرة والأجوبة الشافية التي قدتم على الأسئلة.

الدكتور محمد سالم ولد الصوفي : أشكركم على اهتمامكم بالمهرجان كما أننا فضلنا أن تكونوا أول وسيلة إعلام نتواصل من خلالها مع الجمهور.

أجرى الحوار: امربيه ولد الديد

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122