وللتوضيح، فإن هذا المقال، أطرته الآراء التي طرحها، المفكر العروبي خالد شحام في كتاباته التي تثير الإعجاب، أسلوبا، وتحليلا، وآراء صائبة، ووعيا مطلوبا في زمن المواجهة لمؤازرة قوانا المقاومة في حربنا الدائرة رحاها لهزيمة المشروع الصهيوني في فلسطين على الرغم من عدم التكافؤ بين قوى المقاومة التي تقاتل بالإرادة، وقليل من السلاح، والفكر المقاوم، والوعي المناهض لأنظمة العمالة للصهيونية والامبريالية الامريكية..وهو الوعي المتنامي في المجتمعات العربية والاسلامية من المحيط الى الخليج، ومن "جكارتا" ، إلى كندا، كآخر منطقة جغرافية..
بينما العدو الأمريكي، وهو القوة العسكرية، والمهيمنة دوليا، والساعية - وقد يخيب مسعاها - لفرض خيار الهزيمة على المنتصرين،،،
لذلك على القوى الحية في الأمتين العربية والاسلامية: أن تدخل في المعركة المصرية بشريا، وعسكريا، وفكريا كل في موقعه، وليس بالضرورة حصر المعركة في غزة وجنين وشمال فلسطين، لذلك وحدوا نضالكم امام السفارات في كل قطر عربي، واضربوا مصالح الامبريليين الغربيين ، ونظموا المظاهرات اليومية المناهضة لأنظمة العمالة، ولن يكون ذلك إلا بتجاوز الاختلافات الأنانية، والحزازات السياسية لبعض" ديناصورات" اصحاب الوعي المتخزن في" الثقوب السوداء" كالتي في طبقة الأزون على ما ذكر العلماء ، وحلل بها الظواهر، والأحداث الآنية خالد شحام في مقال سابق ..
وهنا أوجه الخطاب في إطار التفاعل الفكري مع الزميل الباحث الإسلامي المتخصص - وليس غير المتخصص، كما يكتب تواضعا منه - في نقاشه بالأمس مع العزيز صاحب" الرأي الحر "..
إن الشيء الذي حصل أثناء قراءتي لما كتبتما، هو استرجاع ما في الذاكرة من نقاشات فكرية أثيرت سابقا، ولاتزال تثار حول قضية " المركزية الأوروبية "، واستسهال بعض المفكرين والكتاب، المقارنة بين النهضة الأوروبية، وبين النهوض المطلوب لمجتمعات أمتنا العربية، وكذلك الإسلامية على غرار وحدة الشروط التاريخية التي حصلت في أوروبا خلال القرون ١٨،١٧،١٦..
غير أن تلك الشروط، تختلف عن القوانين العلمية التي يمكن تطبيقها زمكانيا..
وليس معنى هذا الإشارة إلى أن الباحث الإسلامي المتخصص، عبر عن الفكرة صراحة، ولكن التركيز على الإصلاح الديني، يقتبس فكرة التجديد في الدين قراءة واعية، أومغايرة لتلك الموجودة في تراثنا الثقافي والتشريعي خاصة،، وتوظيفا مختلفا، وكذلك اخمادا لنران الحروب الطائفية التي حصلت في مراكز الغرب، وخاصة في فرنسا التي شهدت مذابح مروعة في جنوبها..لكن هذا غير موجود في الوطن العربي حاليا، ولا في تركيا، أو إيران، أو افغانستان، وغيرها من الاقطار الاسلامية…
كما ان شروط النهوض التي اعتمد عليها في ماليزيا، وتركيا، وإيران، وهي اقطار تجاوزت عتبة التخلف..لم تكن موحدة، ولم تركز على الاصلاح الديني، فتركيا على سبيل المثال، انتشر فيها فكر الثورة الفرنسية، والفكر التنويري الأوروبي، وذلك منذ الاصلاح التعليمي خلال القرن التاسع عشر، الأمر الذي مهد لذلك الإجماع التشريعي في سنة ١٩٠٨م على تغيير الدستور التركي، وتحديد صلاحيات السلطان العثماني، وأن التمرد العسكري الذي قام به الموالون للسلطان، كان ضد الإصلاح الدستوري الذي أجمع عليه برلمان الأمة التركية..
أما اختزال التغيير الدستوري، وتضخيم دور مصطفى أتاتورك، وعلمنته ، فهو تحريف، وتشويه لتاريخ تركيا، ولوعي الرأي العام التركي، وهو جهل حري بنا تجاوزه لأنها الأمة التي جمعنا معها تاريخ مشترك، وجغرافية مشتركة، ولكن ليس بالضرورة نظام سياسي في الحاضر ، أو في المستقبل على غرار التبعية، والإخضاع السابقين للامة التركية…
فالوعي بالنهضة التركية تزامن مع ظهور رواد النهضة العربية طيلة القرن التاسع عشر، وهنا نشبت الحرب " الدونكشوتية " بين أصحاب الوعي الإسلامي، وبين أمتهم العربية في مواجهة الاستقلال، وقد أصابهم العمي، بتعميم فكرة، أن كل قيادة سياسية رافضة للتبعية للغرب في الوطن العربي، فهي قيادة علمانية معادية للدين، كمصطفى أتاتورك باعتبار، أن قادة الدولة العثمانية الذين كانوا يوظفون مفهوم " الخلافة الاسلامية" اسقطهم الدستوريون في تركيا…!
فبينما كان الراحل جمال عبد الناصر الذي قاد مشروعا سياسيا، وتحررا قوميا في مشروع الأمة الاستقلالي، وأشرف على سياسة الإصلاح التعليمي في الأزهر، وحول التعليم الديني من "الكتاتيب" الى التعليم النظامي في مختلف مراحل التعليم الأولي الى الجامعي ، وفي مختلف التخصصات…
كان الإسلامويون، كالصم، و البكم، والعمي عما يجري في هذا الاصلاح الإيجابي طيلة ثمانية عشرة سنة من حكم الثورة في مصر..
وقد حدد جمال عبد الناصر فكرة القومية العربية، بأنها " تكاتف القوى المادية والمعنوية للأمة العربية في مواجهة الاستعمار " ،،
وبدلا من المقارنة بين القومية العربية انطلاقا من هذا الفهم، وبين القومية الألمانية.. صار الإسلامويون، يبثون الدعايات الزائفة التي تحولت إلى شعارات سياسية يرددها الببغائيون من العامة، ومن المشايخ الذين لايفقهون في الفكر السياسي شيئا - وهذا جهل في أمور الدنيا، وليس تجهيلا لهم في الدين - وكانوا لا يختلفون في السب بالتكفير، ولا يختلفون عن المنتسبين للوعي الاسلاموي استنفاعا على حد سواء.. !
وقد كانوا - ولا زالوا - في معركة بعد خمسين سنة من رحيل القائد التحرري، جمال عبد الناصر، وينسبون اليه العلمانية، بل الكفر .. !
وقد تطاول الإسلاميون على الرأي العام في مصر، وبالغوا في فرض وعيهم السياسي على عهدي السادات ومبارك ، فناهضوا المثقف العربي، وهجروه من وطنه، وحكموا على أصحاب الرأي الآخر بالكفر، وطلقوا الزيجات، وفككوا الأسر بـالفتاوي السياسية للمشايخ المساكين الذين شغلتهم الدنيا عن الآخرة، حيث ألهتهم التجارة، وبناء العمارات في " دوحات" العرب في صحاري الغاز والنفط العربي… !
لقد بثوا دعاية ضد القومية العربية باعتبارها " دعوة عرقية " وقبلية حاهلية، وشبهت بالقومية الآرامية التي ظهرت في الفكر الألماني، ودمر النازيون بسلاحها مجتمعات الغرب، ومستعمرات الأخير…!
ولو رجعت بالأخ العزيز الباحث الإسلامي المتخصص، الى تاريخنا العربي، وقيم التعايش بين الأديان منذ البعثة المحمدية،، فالحروب على عهدي الرسول صلى الله عليه وسلم، وابي بكر، كان القائمون بها، هم الرافضون للدين الاسلامي، ولقادته، بينما الفتوحات الاسلامية التي بدأت في زمن حكم عمر بن الخطاب، ومن جاء بعده من الخلفاء، والحكام، كان هدفهم الأساسي موزعا بين نشر الإسلام بالإقناع " لا إكراه في الدين"، وبين توسيع جغرافية دولة الاسلام،، ولذلك سمح الفاتحون للاسبانيين، والبرتغاليين بالإبقاء على معتقدهم" الوندالي"،،
وقبل ذلك كان مسيحيو الوطن العربي في الشام، وفلسطين ومصر، يتمتعون بكل الحقوق، وعليهم ذات الواجبات العامة على مواطني الدولة، اقتداء بدولة المدينة المنورة على عهد الرسول ( ص )، ودستورها الذي نص على حماية الحقوق المدنية للمسيحسيين، واليهود، كما حصل الشيء نفسه، واكثر منه في دولتي الامبراطورية على عهدي الأمويين والعباسيين..
وأذكر القراء الكرام باستدعاء عمر بن الخطاب، لعمر بن العاصي، للقصاص من ابنه لابن المواطن المصري القبطي،،
كما أذكر الباحث الاسلامي المتخصص بالانفتاح السياسي على الفكر المسيحي ورموزه الدينية، ومثال ذلك اعطاء "يوحنا الدمشقي" قيادة الاصلاح الإداري، وإن كان التركيز امثر على دوره في الترجمة الفكرية، ولم يكن ذلك الانفتاح لدى القيادة السياسية بمنأى عن التوافق الاجتماعي صراحة، أو ضمنا، وهو انفتاح على المعتقد المسيحي، وطوائف الديانات "الطبيعية"، كالصابئة،، في العراقي خلال حكم العباسيين ..
كما كان عمر بن الخطاب رائدا في رفع "الجزية" عن مسيحيي أهل الشام، وذلك في مواجهة المجاعة جراء الجفاف الذي ضرب بلاد الشام.
ولن أخوض أكثر في الدفاع المشترك، و الوعي بوحدة المصير، ومثاله، أن المسيحيين في الوطن العربي، واجهوا مع إخوانهم المسلمين، الحروب الصلبيبية جنبا الى جنب، كما كان منهم رواد للنهضة العربية في القرن التاسع عشر،،،
لهذا أكرر بأن طرح الاصلاح الديني، كمدخل للنهضة العربية، والاسلامية عموما،، يطرح إشكالات عديدة، فكر الأمة في غنى عنها،، كالاشكال التالي، هل القرآن الكريم يحتاج الى قراءة تصحيحة للتأكد من انتساب لغته للفترة التي نزل فيها، كما حصل الأمر مع اصول الديانة المسيحية في الغرب في رسالة " اللاهوت" للفيلسوف الهولندي " سبينوزا"؟
وهل الحوار بين" الأديان" الذي كان واجهة خيانية "للتطبيع" مع الكيان الصهيوني، يحتاجه المسلمون، والمسيحيون في الوطن العربي، أو التركي، او الإيراني، او الماليزي، وذلك من أجل التعايش السلمي القائم في كل من مصر، وتركيا، والعراق، ولبنان، وإيران، لأن حاجة نظرا لحماية الوحدات الديموغرافية، والكيانات السياسية؟ وهل النهضة العربية، او الاسلامية في افغانستان، أو إيران وغيرهما، تحتاج إلى اصلاح ديني، او بالأحرى إلى أنظمة سياسية وطنية مستقلة، لتحافظ على القيم الاخلاقية، والجمالية، وحقوق المواطنين، ووحدة المجتمعات، واستقلالها ، وثقافتها، وتنوعها،، واحترام معتقداتها الدينية، وتوظيفها بما يثبتها في انظمة المجتمعات ، كنظام الأسرة، ووحدة الجماعة .. ؟
وفي الاخير، اتفق مع صاحب " الرأي الحر" في جزئية واحدة، وهي أن الصهيونية ليست ديانة، بينما اليهودية معتقدا محرفا، لذلك فهي ليست من جملة الديانات الالهية منذ أن نزل القرآن الكريم، نظرا للتعريف الذي ورد في القرآن الكريم، ولكنها ثقافة لها مرجعية اعتقادية كالديانات الطبيعية: البوذية، والزراديشتية،، وقد اعتمدت اليهودية على وحدة اللغة العبرية، التي هي واحدة من لهجات العرب على رأي المؤرخين، وقد أدخل فيها العديد من الأنظمة الصوتية المستعارة من لغات ولهجات المجتمعات الأخرى عبر قرون عديدة ، الأمر الذي اخفى إيحاء ها النطقي، وبقيت جذورها اللغوية، والنحوية مستسلمة لقواعد النحو العربي…
اما الصهيونية، فهي مشروع استعماري، يلفظ أنفاسه نظرا لانهزام المشروع الامبريالي المعاصر، وارتفاع منسوب التعصب لدى طوائف الصهيونية، واقصائها للآخر الذي يشكل اقصاء لها،، علاوة على فسادها وعدم إمكانية التعايش معها كونيا، ونهبها لممتلكات المجتمعات التي طردت اليهود، وسوء التكيف مع المجتمعات الغربية سبب ردة الفعل الألمانية ضد اليهود، حاملي المشروع الصهيوني في بداية القرن العشرين بعد الحرب العالمية الأولى، ولجوء قادة الصهاينة إلى أمريكا، وبريطانيا…
وقد سرع الوعي التحرري في فلسطين بأن تشاهد المجتمعات المعاصرة طيلة الشهور الثمانية في وسائل الإعلام، هذه الإرادة الصهيونية الاجرامية، وتعصبها الأعمى، والهياج الهمجي للابادة الجماعية للمدنيين أطفالا، ونساء، وشيوخا، وعجزة، ومجتمعا بكامله، وعمرانا منذ قرون عديدة، وهذه المظاهر التراجيدية، هي بداية النهاية للصهيونية، كما انتهت النازية قبلها، وتبرأها منها الألمان..
وهاتان الحربان القائمتان ستقضيان على طوائف الصهيونية في كل من فلسطين، وأوكرانيا…
وما ذلك على الله بعزيز.