عندما طالعت قرار الحكومة اليوم القاضي بالدفع بالقوات المسلحة للمشاركة في عمليات البناء الاقتصادي من باب التنمية الزراعية في أوقات السلم.
تذكرت مقالا كتبته سنة2019 ونشرته حينها مجلة الجيش الوطني الموريتاني،و ارتأيت الآن اعادة نشر هذا المقال
إثراء للناتج الفكري حول الموضوع وجدوائيته.
عنوان المقال :
ملاحظات حول الإنفاق العسكري و التنمية في موريتانيا... د. حمودي ولد شيخنا
نص المقال:
ظلت جدلية الإنفاق على المؤسسة العسكرية مصدر خلاف بين بعض المدارس والاتجاهات الاقتصادية، فبينما رأى البعض أن القطاع العسكري مجرد قطاع عقيم وغير منتج ولا يضيف أية قيمة مضافة في الناتج الوطني الإجمالي، و الإنفاق عليه يعني هدر لقدرات الدولة ومقدرات الشعب، رأت مدارس اقتصادية أخرى أن الإنفاق على القطاع العسكري يمثل حجر الزاوية في العملية التنموية لأن متطلبات التنمية ترتكز أساسا على الأمن والاستقرار، اللذين تعتبر القوة والجاهزية أهم مقوماتهما.
يقول أب الاقتصاد آدم اسميث في هذا الصدد ما مضمونه ( إن الدفاع أهم من الرخاء والازدهار ، فالقوة على صعيد الوطن أكثر أهمية من الثروة ذلك أن نقيض القوة وهو الضعف قد يؤدي ليس فقط إلى فقدان الثروة وإنما أيضا إلى فقدان الحرية وحتى الاستقلال ).
وتأكيدا لدور القوات المسلحة في العملية التنموية يرى بعض الاقتصاديين من مختلف الخلفيات أن القوات المسلحة لا ينبغي اعتبارها مجرد تجمعات للمقاتلين، بل هي مؤسسة تضم كل الخبرات وتقوم على أسس من أهمها التأهيل والتدريب، كما تمتاز دون غيرها من القطاعات بقدر كبير من الانضباط والالتزام والقدرة على المتابعة، وبالتالي فالقوات المسلحة بالإضافة إلى كونها صمام الأمان ورمز السيادة فهي أيضا ذراع الدولة في الظروف غير العادية وجهدا اقتصاديا في الظروف الأخرى.
إن المكانة التي يحتلها المؤسسة العسكرية ضمن مقومات الدولة تفرض مستوى من الإنفاق لأجل التسلح وتطوير القوات المسلحة والعاملين فيها، وليس بالضرورة أن يكون ذلك على حساب التنمية الشاملة لأن استغلال القوات المسلحة ـ بخبراتها وكفاءاتها وتدريبها وتنظيمها ـ في أوقات الرخاء يمكن أن يساهم في العملية التنموية عن طريق القيام بالعديد من النشاطات مثلا : البناء، وتشييد السدود، والطرق، وتوسيع دائرة الاستفادة على النحو الذي يوفر موارد مالية و يوفر فائضا في ميزانية القوات المسلحة ويساهم في نمو الناتج المحلي الإجمالي ويدعم الميزانية العامة ويحسن من وضع ميزان المدفوعات ويحد من الحاجة للموارد الأجنبية .
وفي إطار السعي لتوفير مناخ ملائم يؤمن مسار التنمية ويدعم الأمن والاستقرار في ضوء التحديات المحدقة بالبلد وتأثرا برأي المدرسة الاقتصادية القائلة بأن القوة و الجاهزية أهم مقومات التنمية، قامت السلطات الموريتانية ببناء قدرات الجيش والحرص على جاهزيته بشكل يضمن القدرة الدفاعية عن الحوزة الترابية والتصدي بحزم للحملات الإرهابية، وإذا كانت البعض يعتبرت ذلك مجرد إنفاق على قطاع عقيم وغير منتج ولا يمثل الإنفاق عليه سوى هدرا لقدرات الدولة وطاقات الشعب، فإن معظم الباحثين الاقتصاديين يؤكدون الارتباط العضوي بين القوة العسكرية والقدرة الاقتصادية، هكذا اتفق الكثير من المحللين على أن النسبة المخصصة للإنفاق العسكري يجب أن تظل في حدود نسبة 4 إلى 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلد، وقد ترتفع في حالات الحرب إلى نسبة 10 في المائة، الشيء الذي لم تصل إليه موريتانيا التي لم تتجاوز نفقاتها العسكرية في السنوات الأخيرة نسبة 3.8 من الناتج المحلي الإجمالي .
إن الكفاءات والخبرات التي تشملها القوات المسلحة ذاتها يمكن أن تساهم أكثر من غيرها على القيام بفعل وطني تنموي شامل يدعم الدخل الوطني عامة وميزانية الدفاع والأمن خاصة، فبتوظيف الكفاءات والخبرات العسكرية أوقات السلم في دعم الزراعة والصيد وإقامة البنية التحتية ومكافحة التصحر وحفر الآبار وغير ذلك من الأنشطة اللازمة للعملية التنموية، يستطيع الجيش ـ بالإضافة إلى دوره الأساسي في المحافظة على سلامة التراب الوطني ـ أن يكون ذا مردودية كبيرة ورافعة قوية للتنمية .
وفي هذا السياق نؤكد على أهمية التوجه الذي أعلنت عنه الحكومةوالمتمثل في استغلال كفاءات الجيش عامة وإشراك وتكليف الهندسة العسكرية خاصة بتنفيذ بعض المشاريع المهمة كإقامة شبكات مياه وطرق ومشاريع زراعية وغير ذلك من الأنشطة الاقتصادية التي يعتبر إسنادها لكفاءات وخبرات قواتنا المسلحة مسألة مهمة ستحد من ظاهرة الاستنزاف الأجنبي، كما ستساهم في دعم ميزانية القوات المسلحة وتنمية الناتج المحلي الإجمالي وستحد فعلا من الآثار السلبية التي قد تترتب على تزايد مستويات الإنفاق العسكري في الأوقات غير العادية .