هل الرق والدونية والإقصاء والتهميش والعنصرية هو الذي يعشش أم "النزعة الشرائحية والفئوية والعنصرية..." كما قال الرئيس؟
.
باستثناء القنوات الرسمية التي واصلت كما عودتنا دائما وأبدا في مثل هذه المناسبات على التطبيل والتزمير والتزلف مثلها مثل القائمين عليها، قليلون هم الذين تناولوا خطاب محمد ولد عبد العزيز وأشبعوه نقاشا وتحليلا إلا أنه ما منهم من استطاع أن يقرأ بين السطور ليكشف ما أراد له أصحابه أن يكون إشارات وألغازا قابلة للتأويلات والقراءات المتعارضة.
إن خطاب التنصيب يحمل في ثناياه مفاهيم ودلالات تستحق منا بصدق التوقف مليا لفهم أسباب بوح الرجل صادحا بأشياء كانت تعتبرها كل الأنظمة المتعاقبة على سدة الحكم في موريتانيا بما فيها النظام القائم محاذير وكان البعض الآخر يكنيها ربما خوف الاصطدام بقواعد عريضة من الشعب الموريتاني لم يلاقوا من المجتمع سوى التنكر السافر لهم وطمس حقيقة بؤسهم ومآسيهم.
لا شك أنه اتضح للجميع أنني لا أقصد المجالين السياسي والاقتصادي اللذين أظهرا بجلاء قصور بل فشل نظام ولد عبد العزيز في الاستفادة من الظروف المواتية التي أتيحت له أكثر من مرة بفعل عوامل جيوسياسية داخلية وخارجية (انقلاب 8 أغشت 2008، اتفاقية دكار والانتخابات الرئاسية 2009 ، رياح الربيع العربي، حوار 2011، مبادرة الرئيس مسعود ولد بولخير 2012...)؛ وأخرى مالية واقتصادية بحتة مرتبطة بالبرص العالمية (أسعار المواد الأولية خاصة المعادن والسمك، الخ). لأنه ليس غايتي في هذا المقام بالذات تقويم مستوى نجاحات أو إخفاقات الرجل لأنني سأعود لتناول ذلك قريبا في مقال آخر. ما يهمني هنا، هو المشاكل الإنسانية والاجتماعية المرتبطة بالوحدة الوطنية واللحمة الاجتماعية التي هي الضامن الأوحد والحقيقي لأمن واستقرار وسلامة البلد برمته.
إن الرق والعنصرية والقبلية والإرث الإنساني أضحت اليوم تشكل تحديات كبرى يلزم التعامل معها بسرعة وصدق وعدالة وإلا عصفت بالأمة. طالما حذرت الحركات السياسية والمنظمات الحقوقية المحسوبة على المكونات الاجتماعية المقهورة من خطر المظالم، خاصة التاريخية منها التي وُظف الدين وطُوعت الآراء الفقهية وسُخر الموروث الثقافي (الأساطير، الحكايات، الشعر، التاريخ والتأريخ، الخ) وشُحنت الذاكرة الجمعَوية لتشريعها وترسيخها. وبخصوص الرق الذي يشكل بالإضافة لإقصاء وتهميش لحرطين مشكلا شائكا بامتياز وكامل الحساسية، فقد كانت للأسف كل الأنظمة المتعاقبة سلبية معه حيث تأرجحت المواقف الرسمية للحكومات - حالها حال النظام التقليدي المهيمن - بين النكران البات لوجود الظاهرة واعتراف محتشم بمخلفاتها، وهو ما كان له في كلتا الحالتين الأثر البالغ في محاولات التشهير بنضال الحر في الثمانينات ومطلع التسعينات والعمل من أجل التغيير المحلول والتحالف الشعبي التقدمي فيما بعد ثم منظمة نجدة العبيد فالحركات والمنظمات الإنعتاقية الحديثة لولا التزام وصرامة الرئيس مسعود ولد بلخير ورفقائه في درب النضال الذين فرضوا القضية بعد تحويلهم لها من موضوع هامشي يعتبره الكثيرون مقززا إلي قضية وطنية سامية وعادلة محل إجماع التقدميين وأحرار موريتانيا من كل التيارات الفكرية والآفاق.
رغم الضغط المتزايد المطالب بالقضاء على الرق ومخلفاته والإقصاء والتهميش والدونية، ظل النظامان التقليدي والسياسي يرعيان استمرار الوضع الاجتماعي ليبقى كما هو عليه، دافعهما في ذلك رغبة كليهما الجامحة للحفاظ على المصالح الفئوية الإقطاعية المكتسبة على أساس اللون والعرق والولادة؛ وهذه الدوافع هي مبرر تقاعس النظامين عن التحرك الفعال والصحيح للقضاء على الرق ومخلفاته، إن لم يكن حبا في موريتانيا متنوعة ومتماسكة فمن باب الحفاظ على المكتسبات التي تحصل عليها في زمن الغبن والتهميش وانعدام الدولة الجامعة.
يجب التذكير أنه رغم استصدار القانون المجرم للرق، ورغم رفع ممارسة العبودية إلي جريمة ضد الإنسانية وعدم سقوطها بالتقادم، فما زال يؤخذ علي المحاكم الموريتانية تعاطيها الفج والمنحاز بل تواطئها المطلق والسافر مع الاستعباديين حيث يتم ذلك بإيعاز مكشوف من النظام نفسه ضاربا عرض الحائط كل المواثيق والاتفاقيات والأعراف الدولية ناهيك عن الترسانة القانونية الوطنية التي كثيرا ما انتهكت ودنست. يضاف إلى ذلك المواقف السلبية والمسلكيات اللا مبررة التي تنتهجها الإدارة وتقاعس الشرطة والدرك عن التعامل مع المظالم في حالات الرق التي يكشفها الحقوقيون.
وهنا نؤكد أنه لا وكالة التضامن الهجينة التي عهد إليها بمكافحة ما يعتبره النظام زورا مخلفات الرق ولا المحكمة الصورية التي أنشئت كما يزعمون للاعتناء بملفات الرق استطاعت التغيير من الواقع شيئا، فالمؤسستين لا تتعديان كونهما شعارات فضفاضة يراد بها تضليل الرأي العام الوطني، والتأثير علي قرارات المنظمات والرأي العام الدوليين.
ولهذا نرى أن التعيينات الدبلوماسية شملت خلال المأمورية المنصرمة تعيين حرطانيين وهما على التوالي الأستاذين الوزيرين السابقين الشيخ أحمد ولد الزحاف و السالكة منت بلال ولد يمر تعاقبا كسفيرين بجينيف (المندوبية الدبلوماسية الوحيدة المحسوبة على الحراطين من بين أزيد من أكثر من خمسين عبر العالم) كلفا بمقارعة المنظمات الحقوقية الوطنية ذات الطابع الانعتاقي بغية التغطية على ممارسات الظلم التاريخي البشع وعلى رأسها الرق. وما الزيارات المكوكية في السنوات الأخيرة لمقرري الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بخصوص ممارسات الرق والعنصرية إلا دليلا على اقتناع الرأي العام الدولي بمستوى الانتشار الكبير لهاتين الظاهرتين ووجاهة نضال السياسيين والحقوقيين الانعتاقيين المناوئين لها.
ويبدو أن الأمم المتحدة وبقية المنظمات العالمية المختصة كانت أكثر تقديرا لوضع البلد المتفاقم وما يمكن أن ينجم عن مثل ما يحصل فيه من الاحتقان من الحكومة نفسها التي تعودت سياسة النعامة والخطاب الخشبي.
التطرف في رفض الظلم التاريخي لمكونة لحراطين هل يؤججه الإحساس بالحيف والغبن واتساع الفوارق بين المكونات أم غياب التعاطي الجاد للحكومة مع كل ما يؤسس للتخفيف من وطأة المشكلة بدءا بالقوانين المجرمة مرورا بالوكالة وانتهاء بالمحكمة المختصة؟
ليس لنا أن نتفاجأ من التنامي المضطرد للإحساس بالحيف والغبن الذي يؤججه غياب العدالة والمساواة في توزيع مقدرات وخيرات البلد في ظل الاتساع الفج للفوارق الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية على أساس حقوق الولادة واللون.
لقد بدأت تجليات الراديكالية في رفض الظلم التاريخي لمكونة الحراطين والتعصب لطرح قضيتهم وهو التطرف الذي طالما حذر منه الزعيم مسعود ولد بلخير إن لم تحل القضية تلوح في الأفق تقريبا في الشهر السادس من 2008 مع "الجبهة الموحدة لعمل الحراطين". واستطاع هذا الحراك إرباك حسابات الحكومة ومخابراتها وشغل الرأي العام الوطني أشهرا عديدة قبل أن يتدخل الرئيس مسعود ولد بلخير ويلقي بثقله لإقناع أعضاء الجبهة بالعدول كليا عن قرارهم ووقف مطلق نشاطاتهم. وقد كانت حوادث لاصطدام المتكررة في تلك الفترة بين العبيد والعبيد السابقين (لحراطين) والإقطاعية التقليدية من البيظان على خلفية النزاعات الأرضية (حادثت دمب العطشان، وانواذيب، وكرو،الخ) والتي أثبتت الانحياز الفج لشتى دوائر الدولة بدءا بالإدارة والقضاء مرورا بالشرطة والحرس والدرك ووصولا للنظام، إضافة إلى تعامل الحكومة المحتشم مع قضية الرق بعد المصادقة على قانون تجريمه في غياب أي إجراءات مصاحبة كانت هي الدافع الحقيقي الذي عجل تحرك الجماعة في هذا الاتجاه.
يضاف إلى ذلك أن عدم إعطاء حملة القضاء على الرق ومخلفاته الأهمية والزخم الذي تستحقه بالإضافة إلى إطلاقها من مكان لا يليق بالحدث والذي تمت مقاطعته من طرف الرئيس مسعود ولد بلخير وهو ما اعتبرته "الجبهة الموحدة لعمل الحراطين" تقزيما واستهزاءا بشعور الحراطين و ينم عن نية مبيتة للنكوص عن العهد والوعد.
إن فشل النظام في استخلاص الدروس من تنامي استياء لحراطين نتيجة التجاهل وغياب التعاطي الجاد مع كافة تجليات قضيتهم والتي أخذت مع الدولة الحديثة أبعادا اجتماعية واقتصادية وسياسية خطيرة وعجزه عن استباق الأحداث بمعالجة الأسباب الجذرية، هي عوامل شاركت بشكل كبير في تعزيز الشعور بالتمييز والاستغلال وترسيخ الراديكالية إلى حد التطرف أحيانا.
وما محرقة بعض كتب الآراء الفقهية ومستوى التقبل الذي حظيت به من طرف البعض وتفهمها من البعض الآخر داخل الفئات المظلومة رغم الضجة الكبيرة التي صاحبتها إلا نتيجة الإحباط من مدى انسداد الأفق لغياب تعاطي النظام مع مشاريع الانعتاق الوطنية، الجامعة والموحدة لجميع الموريتانيين التي رفعها الزعيم مسعود لحامية البلد من نير العبودية والتشرذم والتنافر؛ ولأن المصائب لا تأتي فرادى، طفا على السطح مشكل لِمْعَلْمِينْ الذين هم أيضا عرضة تمييز ودونية حقيقيين رافقتهم قرونا عديدة. ومهما يكن من محاولات نفي غاشمة لهذه الحقيقة المرة، فلا شك أن الكتابة المسيئة لخير البرية – المدانة مبدئيا – تبقى ذات صلة وطيدة بهذا الموضوع. وإذا كان هذا كله لا يعدو مجرد إشارات فإن القادم أخطر ما دام تجاهل الاختلالات البنيوية القديمة الحديثة هو خيار النظام القائم والفئات التقليدية المسيطرة والتي لها اليد الطولى في تحديد ملامح سياسة وقرارات الدولة.
التعهد بالتصدي بحزم "لدعاة النعرات العنصرية والشرائحية والفئوية والقبلية": هل هو اعتراف بواقع طالما تم تجاهله أم وعد ووعيد لدعاة العدل والمساواة، يا فخامة الرئيس؟
لنا الحق اليوم بعد مأمورية رئاسية كاملة بل وسنتين زيادة أن نتساءل ما الدوافع الحقيقية الكامنة وراء هذا الكلام الذي نعتبره نشازا إذا ما قسناه بما عودنا الرئيس نفسه عليه في خرجاته الإعلامية منذ انقلاب 06 أغشت 2008 وحتى الآن والتي تميزت كلها برفض أي اعتراف صريح بوجود الرق و التهميش و الفئوية والقبلية، عكس ملف الإرث الإنساني الذي كان ربما ليدفن لولا إصرار المنظومة الدولية على حله ملوحة بشبح المحاكم الدولية؛ ورغم هذا، ورغم تباهي النظام اليوم بأنه طوى الملف كليا، فما زال بعض الضحايا يعتبر أن تسوية الإرث الإنساني لم تكتمل بعد لأنه يرفض القبول بمبدأ الدية ما دام لم يطلع على قبور ذويه وتحديد هوية الجناة و محاكمتهم قبل أي عفو محتمل عنهم.
يضاف إلى ذلك رفض الكثير من المبعدين الرجوع إلى أرض الوطن؛ حتى أولئك الذين قبلوا العودة يشكون من عدم استرجاع أراضيهم وأموالهم وحتى أوراق ثبوت حالتهم المدنية. أما الموظفون منهم، فما زالوا ينتظرون إما إعادتهم لوظائفهم وإما إرسالهم للتقاعد بتسوية أوضاعهم وإعطائهم حقوقهم كاملة غير منقوصة إذ هم بلغوا سن التقاعد.
انطلاقا من الدلائل والقرائن المذكورة أعلاه، يجدر بنا الجزم بصدق ما سلف و أنه بعيد من أن يكون كذبا وبهتانا أو من صنيع مرجفين ومضللين أعماهم الحسد والغضب، وليس فبركة مرتزقة أجرهم الغرب والمشروع الإسرائيلي الصهيوني الدولي كما يدعيه البعض وعلى رأسهم النظامين السياسي والتقليدي؟
ومهما يكن من أمر، فإن لنا أن نتساءل لماذا انتظر الرئيس كل هذا الوقت للإقرار ولأول مرة بوجود تحديات كبرى تسمى في قاموسه "النعرات العنصرية والشرائحية والفئوية والقبلية" والتعهد بالتصدي لها في الوقت الذي لم يذكر فيه الرق ومخلفاته إلا باحتشام شديد وكأنه ليس أكبر التحديات التي تهدد الوحدة الوطنية والسلم الأهلي حيث يطال أكبر المكونات الوطنية ديموغرافيا.
أعتقد جازما أن موقف الرئيس ولد عبد العزيز من الاختلالات البنيوية للمجتمع لم يتغير قيد أنملة؛ ما زال هو هو، يحكمه منطق النكران والتشكيك، والدليل على ذلك خلو خطابه مما يمكنه تأكيد العكس. وما هذا التحول المفاجئ الذي بالتأكيد لا يمس من جوهر القضية قدر ما هو تغيير في أسلوب التعامل مع المؤسسات السياسية والحقوقية المناهضة للاسترقاق والدونية للضغط عليها بغية إسكاتها في سبيل طي مبتذل وعبثي لمجمل ملفات المظالم التاريخية العادلة التي أضحت محل قلق كبير وخطير للنظام على الصعيدين الداخلي والخارجي. ولا أدل على ذلك من النبرة الغريبة لخطاب الرجل التي بدا أنها تخفي الضعف والانزعاج.
ومما ليس بمقدور الرئيس إخفاءه هو ما ميز مأموريته على المستوى الداخلي من تجاذبات خطيرة لم يسلم فيها الحقوقيون الحراطين من الاستهداف ومحاولات التشويه عبر الاستغلال والتدجين المتعمد لوسائل الإعلام العمومي والرسمي لصالح المستعبدين (قضية أمباركه منت أساتين، قضية منت بكار التي كانت سبب حادثة ديسمبر 2010، قضية الأخوين: السعيد ويرك، حادثة عين فرب، الخ..).
بالكاد لم تبق ولاية إلا وكانت على الأقل مسرحا لحالة من حالات الرق (آدرار، البراكنة، الحوض الغربي، انشيري، العصابه؛ أما انواكشوط والترارزة، فحدث ولا حرج). ولكن رغم ذلك واصلت السلطات غض الطرف وتجاهل بل ونفي وجود هذه الحالات الواحدة تلو الأخرى إلى حد ضاق به الحقوقيون والسياسيون من شريحة لحراطين ذرعا مما دفع البعض للجوء لأعمال يائسة كثيرا ما انتهت بمواجهات نتيجة سلوك الإدارة والجهات الأمنية المتواطئة أصلا للتستر السافر على المجرمين. ولم تكن المحاكم أكثر تجردا ونزاهة حيث جندت لتحقيق الإرادة والرغبة الاستعبادية. وتم إخضاع الانعتاقيين للمضايقات والتنكيل والمحاكمات الصورية حيث ما زال البعض منهم لحد الآن قابعا في السجون نتيجة مواقفه المساندة للمسحوقين.
ثم يأتي ما يعرف بميثاق لحراطين – الذي يضم شخصيات كثر من الذين كانوا إلى حد قريب ينقسمون بين رافض لوجاهة القضية ولمطالب الحراطين وبين مشكك في نزاهة قيادات النضال التقليدية الذين طالما رُمُوا بمحاولة المس بالوحدة والانسجام الأهلي وزعزعة الأمن – للاعتراف بشرعية ومشروعية النضال وهو ما يزيد النظام التقليدي الإقطاعي المسيطر والنظام السياسي الحاكم ضعفا وعزلة ما لم يغير من مواقفه ويزيد الرموز التاريخية للنضال التزاما بمواقفها.
لقد شكلت خارطة الطريق المؤلفة من 29 نقطة والتي أعدها المجتمع المدني ضربة قوية للنظامين التقليدي والسياسي في عهد الرئيس الحالي حيث تخلى "جناحهما الحقوقي" مكرها عن مواقفه التقليدية الجاحدة لوجود ممارسة الرق بحجة أنه لا يتخطى كونه مخلفات ليس إلا،فشارك من حيث لا يحتسب في خلق إجماع حقوقي أرغم النظام على التجاوب والتعهد بتنفيذ بنود الخارطة المذكورة بعد نقاشها وتحسينها مع الهيئات المختصة للأمم المتحدة ثم إقرارها رسميا.
ورغم أن الكثيرين يعتبرون أن خارطة الطريق هذه خجولة وغير كافية، إلا أنهم استبشروا بها خيرا آملين أن تشكل بداية تصحيح المسار ووضع البلد على السكة الصحيحة؛ ولكن جاء خطاب الرئيس مشفعا وعدا ووعيدا متجاهلا تماما رغبة وتوقعات الجماهير، ومقوضا كل الجهود الإيجابية التي قيم بها لحد الآن وربما مهيئا الظروف للنكوص عن الوعد.
إذا، فبدل الوعد والوعيد ، ألم يكن حري بالرئيس وغيره التساؤل لماذا كل المنظمات السياسية والحقوقية التي تحمل لواء الدفاع عن المظلومين محسوبة كلها على المظلومين والمظلومين فقط وكأن الرق ومخلفاته يخص لحراطين والدونية لمعلمين والإرث الإنساني الزنوج الأفارقة؟ ولماذا يكتفي دائما إخوتنا البيظان "إما بالتبرير أو إظهار نوع من التفهم أو مجرد دور المتفرج الذي يرى الفتنة تقترب منه ولا يحرك ساكنا" كما لاحظ ذلك الهادي ولد محمد المختار النحوي في مقال له نشر 06 يوليو المنصرم؟ فخامة الرئيس، هل من الطبيعي اعتبار مثل هذه المواقف المبتذلة مشرفة للأمة؟ أو هل من العدل سيدي الرئيس أن تحاول مكونة ما تدجين الدولة وتوظيف مفاصلها للمحافظة على امتيازات حصلت عليها بالتمييز على أساس اللون والولادة بفضل قانون الغاب المشهور "السيبة" والتمسك بها مهما بلغ ذلك من تهديد لكيان هذه الدولة كسر لغلبتها وتفوقها على باقي المكونات؟
فخامة الرئيس، ما نحتاج إليه هو سلام الشجعان إذ هو السبيل الوحيد للخلاص لأنه لن يكون هناك حل نهائي إلا بالمصارحة التامة والمكاشفة. فلقد أثبتت الأيام طول نفس النضال وحتمية فشل المشاريع المجتمعية المبنية على أرضية يعشعش فيها الحيف والإقصاء والتهميش ولا يزيد التمادي في مثل هذا الغي إلا تسريعا لساعة الانفجار. فليست موريتانيا باستثناء، خاصة أنه ليس للمظلوم ما يخسره في مواجهة الظلم والظالم كما لن يستطيع أبدا سوط جلاده حبس صوته ومنعه من استرجاع كرامته وحقوقه كاملة غير منقوصة.
ومهما حدث فلن يستطيع التهديد الذي أطلقه الرئيس في مستهل مأموريته الأخيرة إرهاب الانعتاقيين ولا إحباط عزيمتهم وعزيمة ضحايا الظلم.
فخامة الرئيس، ما زال الوقت سانحا، لتصحيح الخطاب و المسار معا. وإذا لا قدر الله ما بقي الوضع على حاله فالملام يومئذ لن تكون الفئات ولا الشرائح تحت أي اسم كان لأنه تم تجاهل معاناتها؛ فالملام يومها ستكون كل الأنظمة المتعاقبة على السلطة بما فيها أنتم لتضييعكم للفرص وعدم التحرك الفعلي والعملي لاتخاذ خطوات جادة وبناءة بعيدا عن الجدل والسفسطائية.
حفظ الله موريتانيا