غزوة بدر الكبرى وقائع ودروس وعبر؛.. / د.رقية أحمد منيه

2021-04-30 09:47:00

يوم الفرقان ١٧ من رمضان، ذكرى أعظم غزوات الإسلام؛ إذ بها كان ظهوره وبعد وقوعها أشرق على الآفاق نوره، فقد نصر الله تعالى عباده المؤمنين، رغم قلة العدد والعدة والعتاد،

.

ولكن الفئة المؤمنة الصابرة ثبتت وأيقنت بوعد الله الصادق، ونجحت في امتحان الإيمان، وحصلت على درجة المشاركة في أم المعارك، ومعركة الفرقان التي فرق الله بها بين الحق والباطل، وشرف الجهاد في سبيل الله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في أهم وقعة حضرها، ونالوا مغفرة الله ورضوانه، وأطلق عليهم لقب” البدريون”:(( لعل أطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)).

ويستشف من وقائعها الكثير من الدروس والعبر التي يستفيد منها المؤمن، وتشكل نبراسا ينير للمسلم دربه، ويذكر منها؛

– أن النصر من عند الله تعالى:
(( وَلَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدۡرࣲ وَأَنتُمۡ أَذِلَّةࣱۖ فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ)).

– أهمية الضغط الاقتصادي على العدو، فقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، يريد عير قريش:(( هذه عير قريش فاخرجوا إليها لعل الله أن ينفلكموها)).

– أن الخيرة في ما اختاره الله تعالى؛ فقد خرج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يريدون العير، فأراد الله النفير، ولقاء ذات الشوكة، إحقاقا للحق وإبطالا للباطل؛
﴿وَإِذۡ یَعِدُكُمُ ٱللَّهُ إِحۡدَى ٱلطَّاۤىِٕفَتَیۡنِ أَنَّهَا لَكُمۡ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَیۡرَ ذَاتِ ٱلشَّوۡكَةِ تَكُونُ لَكُمۡ وَیُرِیدُ ٱللَّهُ أَن یُحِقَّ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَـٰتِهِۦ وَیَقۡطَعَ دَابِرَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ (٧) لِیُحِقَّ ٱلۡحَقَّ وَیُبۡطِلَ ٱلۡبَـٰطِلَ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُجۡرِمُونَ (٨)﴾.

– تفاوت القوم في الاستجابة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخف قوم وثقل آخرون، وهذا حال الناس حين وقوع البأس : فابْتَعَثَ مِمَّنْ مَعَهُ مَن خَفَّ، وثَقُلَ قَوْمٌ وَكَرِهُوا الخُرُوجَ، وأسْرَعَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لا يَلْوِي عَلى مَن تَعَذَّرَ، ولا يَنْتَظِرُ مَن غابَ ظَهْرُهُ، فَسارَ في ثَلاثِمِائَةٍ وثَلاثَةَ عَشَرَ مِن أصْحابِهِ بَيْنَ مُهاجِرِيٍّ وأنْصارِيٍّ، وقَدْ ظَنَّ الناسُ بِأجْمَعِهِمْ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ لا يَلْقى حَرْبًا فَلَمْ يَكْثُرِ اسْتِعْدادُهُمْ…
وفي هذا إشارة إلى أهمية المبادرة والسرعة في اتخاذ القرارات، ودخول المعارك بمن حضر واستعد، وعدم التعويل على المثبطين، والمتخاذلين، والمرجفين…

– أن الثبات على المبدأ في المعارك الفاصلة، يرفع الدرجة، ويحقق المكانة العالية، ومن قبله يأتي التمكين؛ فقال سعد بن معاذ سيد الأوس رضي الله عنه:” كأنك تريدنا يا رسول الله؟، فقال: أجل، فقال سعد: قد آمنا بك وصدقناك وأعطيناك عهودنا فامض لما أمرك الله فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لنخوضنه معك وما نكره أن تلقى العدو بنا غدا إنا لصبر عند الحرب صدق عند اللقاء ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر على بركة الله، فأشرق وجه النبي صلى الله عليه وسلم وسر بذلك…”.

– معرفة قدرات العدو، يعين على المواجهة:(( القوم بين التسعمائة والألف)).

– أهمية الصبر عند الشدائد؛ ثم وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرض الناس على الثبات والصبر وكان فيما قال:(( وإن الصبر في مواطن البأس مما يفرج الله به الهم وينجي به من الغم)).

– أن الدعاء سلاح المؤمن؛ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا يدعوا ربه حتى انحسر رداؤه الشريف، وهو يقول:(( اللهم أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن شئت لم تعبد))، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه واقف خلفه، يقول:” حسبك فإن الله سينجز لك وعده..”.

– بركة الجسد الشريف للنبي صلى الله عليه وسلم؛ قصة سواد بن غزية؛ ” قد حضر ما ترى يا رسول الله فأردت أن يكون آخر العهد أن يمس جلدي جلدك…”.

– عدل النبي صلى الله عليه وسلم:(( استقد يا سواد)).

– نزول الملائكة يوم بدر، دليل على نصر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، ونصر الله ينصر به من يشاء…
(( إِذۡ تَقُولُ لِلۡمُؤۡمِنِینَ أَلَن یَكۡفِیَكُمۡ أَن یُمِدَّكُمۡ رَبُّكُم بِثَلَـٰثَةِ ءَالَـٰفࣲ مِّنَ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ مُنزَلِینَ (١٢٤) بَلَىٰۤۚ إِن تَصۡبِرُوا۟ وَتَتَّقُوا۟ وَیَأۡتُوكُم مِّن فَوۡرِهِمۡ هَـٰذَا یُمۡدِدۡكُمۡ رَبُّكُم بِخَمۡسَةِ ءَالَـٰفࣲ مِّنَ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ مُسَوِّمِینَ)).

– أن الامتحان يظهر صدق المعدن؛ قال المقداد بن الأسود رضي الله عنه:” يا رسول امض لما أمرك الله فوالله لا نقول لك كما قالت بنوا إسرائيل لموسى:(( إذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون))، ولكن أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، والله لو سرت بنا إلى برك الغماد، لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه..”.

– أن الحيطة والحذر والأخذ بالأسباب واجب لتحقيق أهداف المعركة؛ ومنه تقصي أخبار العدو، فقد أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عدي بن أبي الزغباء وبسبس بن عمرو الجهني، طليعة يوم بدر، فرجعا له بخبر القافلة.

– أن مجاهدة النفس وتحمل الشدائد في أوقات الصعاب يشترك فيه القائد والجند، فقد تعاقب النبي صلى الله عليه وسلم مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأبي لبابة رضي الله عنه على بعير واحد، ويأبى أن يؤثراه، ويقول:(( ما أنتما بأقوى مني، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما)).

– أن الرأي والمشورة سنة نبوية حميدة، ومبدأ أصيل، ينبغي تعويد الأمة على ممارسته، خاصة في أوقات الشدة، وفي المعارك المصيرية للأمة؛ فقد استشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، وأخذ بمشورة الحباب بن المنذر رضي الله عنه بشأن ماء بدر…

– التعامل بالتسليم والرضا بحكم الله تعالى في الأوامر والنواهي والأحكام، والتخطيط وإعمال العقل والفكر في تدبير الشؤون الدنيوية؛ قال الحباب بن المنذر رضي الله عنه: “يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أهذا منزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدم عنه أو نتأخر أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟”، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(( بل هو الرأي والحرب والمكيدة)).

– قيام النبي صلى الله عليه وسلم على دفن قتلى المعركة، وكان من سننه صلى الله عليه وسلم في مغازيه إذا مر بجيفة إنسان أمر بها فدفنت لا يسأل عنه مؤمنا أو كافرا، تكريما للأموات، ومحافظة على عورة الإنسان من حيث هو إنسان…
يعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم احترام الكرامة الإنسانية للجميع…

– وصول رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم مبشرين بالنصر لأهل المدينة وقت انصرافهم من دفن رقية رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج عثمان بن عفان رضي الله عنه، واجتماع الفرح بالنصر مع حزن على الفراق، وهي سنة الله تعالى في خلقه؛ أن أيام الله تعالى يومان؛ يوم شكر على النعمة، ويوم صبر على المصاب، وقد يجمع بينهما للتمحيص.

– قيمة ومكانة الزوجة في الإسلام؛ فقد قسم النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان بن عفان رضي الله عنه ولم يحضر بدرا فقد خلفه على زوجه رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمرضها.

– قيمة الوفاء في فداء أبي العاص بن الربيع زوج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أسر يوم بدر، فأرسلت زينب رضي الله عنها في فدائه قلادة لها كانت حلتها بها أمها أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، ليلة عرسها، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك القلادة رق لها رقة شديدة وقال لأصحابه:(( إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا لها قلادتها فافعلوا))، فرضي الأصحاب بذلك فأطلقه عليه السلام على أن يترك زينب تهاجر إلى المدينة…، وقد أسلم أبو العاص بن الربيع قبيل الفتح ورد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب رضي الله عنها بالنكاح الأول.

– العدل ولو على النفس والأقربين؛ شفقة النبي صلى الله عليه وسلم عند رؤيته قلادة خديجة رضي الله عنها، لم تكن باعثا على إتخاذ قرار إطلاق سراح أبي العاص بن الربيع زوج بنته زينب رضي الله عنها، بل ترك الأمر للأصحاب رضوان الله عليهم.

– مكانة العلم والتعليم في الإسلام؛ إطلاق الأسير مقابل تعليم عشرة من أبناء المسلمين القراءة والكتابة؛ الفكاك من قيود الجهل يناسبه، فكاك من قيود الأسر، ولو مع عدم دخول الإسلام، تقديرا لقيمة العلم.

– إخبار النبي صلى الله عليه وسلم ببعض الحوادث التي لم يطلع عليها أحد غير أصحابها فيه دلالة على صدق نبوته صلى الله عليه وسلم؛ من ذلك ما عاهد عليه عمير الجمحي صفوان بن أمية، وكذا ما وقع مع العباس بن عبد المطلب وام الفضل، وأطلع الله تعالى عليه نبيه صلى الله عليه وسلم.

– اعتبار الإجتهاد المبني على النظر الصحيح؛ العتاب في أخذ الفداء دون المعاقبة.

– إعفاء الفقراء من الأسرى من أخذ الفداء، تنبيها على أن المقصد من أخذه استنزاف موارد العدو.

– وعد الله تعالى الأسرى الذين يعلم في قلوبهم خيرا بأن يؤتيهم خيرا من ما أخذ منهم ويغفر لهم، رحمة منه وفضلا، فالأمر قد يكون في ظاهره شدة وينطوي على الخير العميم والسعادة الأبدية، قال الله تعالى: (( يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيٓ أَيۡدِيكُم مِّنَ ٱلۡأَسۡرَىٰٓ إِن يَعۡلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمۡ خَيۡرٗا يُؤۡتِكُمۡ خَيۡرٗا مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ۝٧٠)).

– العفو عند المقدرة والرحمة بالضعفاء؛ فقد أسر الشاعر أبو عزة الجمحي، وكان شديد الإيذاء للنبي صلى الله عليه وسلم بمكة، فلما أسر قال: يا محمد إني فقير وذو عيال وذو حاجة قد عرفتها فامنن علي، فمن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم تفضلا منه.

– ومن الأسرى سهيل بن عمرو وكان من خطباء قريش وفصحائها وطالما آذى النبي صلى الله عليه وسلم بلسانه، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:” دعني أنزع ثنيتي سهيل يدلع لسانه فلا يقوم عليك خطيبا في موطن أبدا”، فقال علية السلام:(( لا أمثل به فيمثل الله بي وإن كنت نبيا وعسى أن يقوم مقاما لا تذمه)).

هذا وقد تحقق خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في سهيل فقد ثبت أيام ارتداد الناس، وقام خطيبا في أهل مكة…، فتراجع الناس، وكان هذا الخبر معجزة من معجزات للنبي صلى الله عليه وسلم.
وفي ترك التمثيل به اعتبار الشرع الحنيف للكرامة الإنسانية، وحماية حقوق الإنسان، وتكريم بني آدم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا الله أنت أستغفرك وأتوب إليك.

يوم الفرقان ١٧ من رمضان، ذكرى أعظم غزوات الإسلام؛ إذ بها كان ظهوره وبعد وقوعها أشرق على الآفاق نوره، فقد نصر الله تعالى عباده المؤمنين، رغم قلة العدد والعدة والعتاد، ولكن الفئة المؤمنة الصابرة ثبتت وأيقنت بوعد الله الصادق، ونجحت في امتحان الإيمان، وحصلت على درجة المشاركة في أم المعارك، ومعركة الفرقان التي فرق الله بها بين الحق والباطل، وشرف الجهاد في سبيل الله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في أهم وقعة حضرها، ونالوا مغفرة الله ورضوانه، وأطلق عليهم لقب” البدريون”:(( لعل أطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)).

ويستشف من وقائعها الكثير من الدروس والعبر التي يستفيد منها المؤمن، وتشكل نبراسا ينير للمسلم دربه، ويذكر منها؛

– أن النصر من عند الله تعالى:
(( وَلَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدۡرࣲ وَأَنتُمۡ أَذِلَّةࣱۖ فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ)).

– أهمية الضغط الاقتصادي على العدو، فقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، يريد عير قريش:(( هذه عير قريش فاخرجوا إليها لعل الله أن ينفلكموها)).

– أن الخيرة في ما اختاره الله تعالى؛ فقد خرج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يريدون العير، فأراد الله النفير، ولقاء ذات الشوكة، إحقاقا للحق وإبطالا للباطل؛
﴿وَإِذۡ یَعِدُكُمُ ٱللَّهُ إِحۡدَى ٱلطَّاۤىِٕفَتَیۡنِ أَنَّهَا لَكُمۡ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَیۡرَ ذَاتِ ٱلشَّوۡكَةِ تَكُونُ لَكُمۡ وَیُرِیدُ ٱللَّهُ أَن یُحِقَّ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَـٰتِهِۦ وَیَقۡطَعَ دَابِرَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ (٧) لِیُحِقَّ ٱلۡحَقَّ وَیُبۡطِلَ ٱلۡبَـٰطِلَ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُجۡرِمُونَ (٨)﴾.

– تفاوت القوم في الاستجابة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخف قوم وثقل آخرون، وهذا حال الناس حين وقوع البأس : فابْتَعَثَ مِمَّنْ مَعَهُ مَن خَفَّ، وثَقُلَ قَوْمٌ وَكَرِهُوا الخُرُوجَ، وأسْرَعَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لا يَلْوِي عَلى مَن تَعَذَّرَ، ولا يَنْتَظِرُ مَن غابَ ظَهْرُهُ، فَسارَ في ثَلاثِمِائَةٍ وثَلاثَةَ عَشَرَ مِن أصْحابِهِ بَيْنَ مُهاجِرِيٍّ وأنْصارِيٍّ، وقَدْ ظَنَّ الناسُ بِأجْمَعِهِمْ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ لا يَلْقى حَرْبًا فَلَمْ يَكْثُرِ اسْتِعْدادُهُمْ…
وفي هذا إشارة إلى أهمية المبادرة والسرعة في اتخاذ القرارات، ودخول المعارك بمن حضر واستعد، وعدم التعويل على المثبطين، والمتخاذلين، والمرجفين…

– أن الثبات على المبدأ في المعارك الفاصلة، يرفع الدرجة، ويحقق المكانة العالية، ومن قبله يأتي التمكين؛ فقال سعد بن معاذ سيد الأوس رضي الله عنه:” كأنك تريدنا يا رسول الله؟، فقال: أجل، فقال سعد: قد آمنا بك وصدقناك وأعطيناك عهودنا فامض لما أمرك الله فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لنخوضنه معك وما نكره أن تلقى العدو بنا غدا إنا لصبر عند الحرب صدق عند اللقاء ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر على بركة الله، فأشرق وجه النبي صلى الله عليه وسلم وسر بذلك…”.

– معرفة قدرات العدو، يعين على المواجهة:(( القوم بين التسعمائة والألف)).

– أهمية الصبر عند الشدائد؛ ثم وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرض الناس على الثبات والصبر وكان فيما قال:(( وإن الصبر في مواطن البأس مما يفرج الله به الهم وينجي به من الغم)).

– أن الدعاء سلاح المؤمن؛ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا يدعوا ربه حتى انحسر رداؤه الشريف، وهو يقول:(( اللهم أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن شئت لم تعبد))، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه واقف خلفه، يقول:” حسبك فإن الله سينجز لك وعده..”.

– بركة الجسد الشريف للنبي صلى الله عليه وسلم؛ قصة سواد بن غزية؛ ” قد حضر ما ترى يا رسول الله فأردت أن يكون آخر العهد أن يمس جلدي جلدك…”.

– عدل النبي صلى الله عليه وسلم:(( استقد يا سواد)).

– نزول الملائكة يوم بدر، دليل على نصر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، ونصر الله ينصر به من يشاء…
(( إِذۡ تَقُولُ لِلۡمُؤۡمِنِینَ أَلَن یَكۡفِیَكُمۡ أَن یُمِدَّكُمۡ رَبُّكُم بِثَلَـٰثَةِ ءَالَـٰفࣲ مِّنَ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ مُنزَلِینَ (١٢٤) بَلَىٰۤۚ إِن تَصۡبِرُوا۟ وَتَتَّقُوا۟ وَیَأۡتُوكُم مِّن فَوۡرِهِمۡ هَـٰذَا یُمۡدِدۡكُمۡ رَبُّكُم بِخَمۡسَةِ ءَالَـٰفࣲ مِّنَ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ مُسَوِّمِینَ)).

– أن الامتحان يظهر صدق المعدن؛ قال المقداد بن الأسود رضي الله عنه:” يا رسول امض لما أمرك الله فوالله لا نقول لك كما قالت بنوا إسرائيل لموسى:(( إذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون))، ولكن أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، والله لو سرت بنا إلى برك الغماد، لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه..”.

– أن الحيطة والحذر والأخذ بالأسباب واجب لتحقيق أهداف المعركة؛ ومنه تقصي أخبار العدو، فقد أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عدي بن أبي الزغباء وبسبس بن عمرو الجهني، طليعة يوم بدر، فرجعا له بخبر القافلة.

– أن مجاهدة النفس وتحمل الشدائد في أوقات الصعاب يشترك فيه القائد والجند، فقد تعاقب النبي صلى الله عليه وسلم مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأبي لبابة رضي الله عنه على بعير واحد، ويأبى أن يؤثراه، ويقول:(( ما أنتما بأقوى مني، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما)).

– أن الرأي والمشورة سنة نبوية حميدة، ومبدأ أصيل، ينبغي تعويد الأمة على ممارسته، خاصة في أوقات الشدة، وفي المعارك المصيرية للأمة؛ فقد استشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، وأخذ بمشورة الحباب بن المنذر رضي الله عنه بشأن ماء بدر…

– التعامل بالتسليم والرضا بحكم الله تعالى في الأوامر والنواهي والأحكام، والتخطيط وإعمال العقل والفكر في تدبير الشؤون الدنيوية؛ قال الحباب بن المنذر رضي الله عنه: “يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أهذا منزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدم عنه أو نتأخر أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟”، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(( بل هو الرأي والحرب والمكيدة)).

– قيام النبي صلى الله عليه وسلم على دفن قتلى المعركة، وكان من سننه صلى الله عليه وسلم في مغازيه إذا مر بجيفة إنسان أمر بها فدفنت لا يسأل عنه مؤمنا أو كافرا، تكريما للأموات، ومحافظة على عورة الإنسان من حيث هو إنسان…
يعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم احترام الكرامة الإنسانية للجميع…

– وصول رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم مبشرين بالنصر لأهل المدينة وقت انصرافهم من دفن رقية رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج عثمان بن عفان رضي الله عنه، واجتماع الفرح بالنصر مع حزن على الفراق، وهي سنة الله تعالى في خلقه؛ أن أيام الله تعالى يومان؛ يوم شكر على النعمة، ويوم صبر على المصاب، وقد يجمع بينهما للتمحيص.

– قيمة ومكانة الزوجة في الإسلام؛ فقد قسم النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان بن عفان رضي الله عنه ولم يحضر بدرا فقد خلفه على زوجه رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمرضها.

– قيمة الوفاء في فداء أبي العاص بن الربيع زوج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أسر يوم بدر، فأرسلت زينب رضي الله عنها في فدائه قلادة لها كانت حلتها بها أمها أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، ليلة عرسها، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك القلادة رق لها رقة شديدة وقال لأصحابه:(( إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا لها قلادتها فافعلوا))، فرضي الأصحاب بذلك فأطلقه عليه السلام على أن يترك زينب تهاجر إلى المدينة…، وقد أسلم أبو العاص بن الربيع قبيل الفتح ورد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب رضي الله عنها بالنكاح الأول.

– العدل ولو على النفس والأقربين؛ شفقة النبي صلى الله عليه وسلم عند رؤيته قلادة خديجة رضي الله عنها، لم تكن باعثا على إتخاذ قرار إطلاق سراح أبي العاص بن الربيع زوج بنته زينب رضي الله عنها، بل ترك الأمر للأصحاب رضوان الله عليهم.

– مكانة العلم والتعليم في الإسلام؛ إطلاق الأسير مقابل تعليم عشرة من أبناء المسلمين القراءة والكتابة؛ الفكاك من قيود الجهل يناسبه، فكاك من قيود الأسر، ولو مع عدم دخول الإسلام، تقديرا لقيمة العلم.

– إخبار النبي صلى الله عليه وسلم ببعض الحوادث التي لم يطلع عليها أحد غير أصحابها فيه دلالة على صدق نبوته صلى الله عليه وسلم؛ من ذلك ما عاهد عليه عمير الجمحي صفوان بن أمية، وكذا ما وقع مع العباس بن عبد المطلب وام الفضل، وأطلع الله تعالى عليه نبيه صلى الله عليه وسلم.

– اعتبار الإجتهاد المبني على النظر الصحيح؛ العتاب في أخذ الفداء دون المعاقبة.

– إعفاء الفقراء من الأسرى من أخذ الفداء، تنبيها على أن المقصد من أخذه استنزاف موارد العدو.

– وعد الله تعالى الأسرى الذين يعلم في قلوبهم خيرا بأن يؤتيهم خيرا من ما أخذ منهم ويغفر لهم، رحمة منه وفضلا، فالأمر قد يكون في ظاهره شدة وينطوي على الخير العميم والسعادة الأبدية، قال الله تعالى: (( يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيٓ أَيۡدِيكُم مِّنَ ٱلۡأَسۡرَىٰٓ إِن يَعۡلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمۡ خَيۡرٗا يُؤۡتِكُمۡ خَيۡرٗا مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ۝٧٠)).

– العفو عند المقدرة والرحمة بالضعفاء؛ فقد أسر الشاعر أبو عزة الجمحي، وكان شديد الإيذاء للنبي صلى الله عليه وسلم بمكة، فلما أسر قال: يا محمد إني فقير وذو عيال وذو حاجة قد عرفتها فامنن علي، فمن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم تفضلا منه.

– ومن الأسرى سهيل بن عمرو وكان من خطباء قريش وفصحائها وطالما آذى النبي صلى الله عليه وسلم بلسانه، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:” دعني أنزع ثنيتي سهيل يدلع لسانه فلا يقوم عليك خطيبا في موطن أبدا”، فقال علية السلام:(( لا أمثل به فيمثل الله بي وإن كنت نبيا وعسى أن يقوم مقاما لا تذمه)).

هذا وقد تحقق خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في سهيل فقد ثبت أيام ارتداد الناس، وقام خطيبا في أهل مكة…، فتراجع الناس، وكان هذا الخبر معجزة من معجزات للنبي صلى الله عليه وسلم.
وفي ترك التمثيل به اعتبار الشرع الحنيف للكرامة الإنسانية، وحماية حقوق الإنسان، وتكريم بني آدم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا الله أنت أستغفرك وأتوب إليك.

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122