لماذا يهرب المسلمون من الإعجاز اللغوي للقرآن؟!

2020-11-23 19:24:00

القرآن هو الكتاب المقدس للمسلمين، وهو كلام الله المعجِز، الذي أنزله على نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- حجةً وآيةً وبيانًا، والأصل بالإعجاز القرآني أنّه لغوي، وفي القرآن تحدٍ صريح للعرب بالإتيانَ بمثله، والعرب بارعون في اللغة، وتحديهم -كما هي سنة الله في الأمم التي خلت- يكون بما هم متمكنون منه، ومحيطون بأسراره، إلّا أنّه ما زالت تدور بين الخاصة والعامة نقاشات وصراعات حول ماهية الإعجاز في القرآن، ففي حين يتفق الجميع على إعجاز القرآن اللغوي، فإنهم يختلفون على النواحي الأخرى من الإعجاز، وربما كان "الإعجاز العلمي" هو الأشهر والأكثر تداولًا.

.

لم يتداع إلى مسامعنا أنّ العرب تحدثت عن إعجاز للقرآن خلال فترة الاحتجاج باللغة -وهي فترة الاعتماد على كلام العرب من شعر ونثر كمصدر ومقياس في العلوم اللغوية، واستمرت إلى القرن الثاني الهجري في المدن والرابع الهجري في البوادي- غير الإعجاز اللغوي، والصراع المذكور آنفًا نشأ بازدياد الفجوة بين المسلمين وفهم اللغة العربية، وبالطبع لا تكفي حداثة القضية لاعتبارها خاطئة أو النظر إليها بريبة، ولكن ما اقتضى ذلك هو انشغال المسلمين عن الإعجاز الأساسي الذي جاء به القرآن، وهو الإعجاز اللغوي، فأصبح المسلمون يتناولون آيات معينة -بشكل منفصل- للحديث عن قضايا فيزياية وكيميائية وطبية وفلكية… الخ، والعجيب أنهم يفعلون ذلك دون التحقق العلمي الكافي منها، كما أصبح الكثير من رجال الدين يطوعون -وليس بالضرورة بنوايا مغرضة، بل العكس في الكثير من الأحيان- الآيات القرأنية لتناسب قضايا علمية جديدة، دون اختصاص وعلم كافيين.

 

إنّ النظر إلى القرآن باعتباره آيات تقدم حقائق علمية، وتجاهل إعجازه الأساسي -الإعجاز اللغوي- هو نوع من الهروب المريح الذي يمارسه المسلمون، فهم في هذه الحالة قد أراحوا أنفسهم من مسؤولية التعمق في علوم اللغة، ثمّ معرفة كيف كان القرآن معجزًا، ومن زاوية أخرى قد وجدوا ضالتهم الروحية في علوم آخرى. وإذا بحث المسلمون المختصون وراء العديد من الآيات التي قُدِّمَت على أنّها شارحة لظواهر علمية ما لوجدوا مغالطات ومبالغات كثيرة، والمشكلة تكمن في صعوبة تصحيح هذه المفاهيم المغلوطة لاحقًا، وإزالة القداسة عنها، ممّا يخلق رد فعل معاكس تجاه المفاهيم الدينية عامةً عند المسلمين، ولا نبالغ إذا قلنا أنّه مساهم رئيسي في ارتفاع نسب الإلحاد في العالم العربي عن ذي قبل.

ينبغي الكفّ عن التعامل مع القرآن كمادة علمية، والتفكير به ككتاب مقدس قدَّمَ إضافة لغوية معجزة إلى ذلك العربي الذي كان يتنفس بلاغةً، ويفيض بيانًا، "ويعبدُ ما يسيلُ من القوافي كالنُّجومِ على عباءِته، ويعبدُ ما يقولُ"، وهذا الأمر ليس يسيرًا على من أراد الاستسهال وإرضاء شغفه الروحي ببضعة آيات تفسر ظواهر كونية ما -أو قُدِّمت له على أنّها كذلك- بل يحتاج دراسة البيئة الجاهلية -والشعر هو مفتاح هذه الدراسة- ثمّ التزود بمعرفة كاملة بالعلوم اللغوية المختلفة؛ النحو والمعاني والبلاغة والبديع، لنعرف كيف كان القرآن معجزًا، ولنفهم بعض القصص التي نتناقلها عن تأثير بلاغة القرآن على العرب، مثل؛ قصة إسلام عمر بن الخطاب بمجرد سماعه سورة "طه"، وشهادة الوليد بن المغيرة المخزومي على بيان القرآن.

ناقش العديد من علماء المسلمين الإعجاز اللغوي، ومن أهمهم عبد القاهر الجرجاني في كتاب (دلائل الإعجاز)، ومحمد بن الطيب الباقلاني في كتاب (إعجاز القرآن)، وهي كتب تحتاج معرفة كافية بعلم النحو، لأنّها تبني عليه، مع إعادة التذكير بضرورة دراسة الشعر الجاهلي دراسة متأنية دقيقة، وفهم بلاغته وبيانه وصوره ومجازه وتراكيبه وأوزانه، لفهم أين كانت العرب، وماذا أضاف القرآن للغتهم، وكيف أعجزهم، وينبغي لمن قرر أن يفهم الإعجاز القرآني حقًا أن يعرف قبل أن يبدأ أنّها مهمة لا تناسب قصيري النفس وضعيفي الجلد والباحثين عن تصوّر ما لمعجزة جاهزة -وليس بالضرورة أن يفهموها- قُدِّمت لهم في آية تحمل ما هو أكثر إعجازًا من ذلك.

 

الباحث: مهند اعميره

 

نقلا عن الجزيرة

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122