من الصعب جدا أن نحصر في مقال واحد كل الخاسرين في انتخابات 21 يونيو، ولذلك فإني في هذا المقال سأقتصر على طائفة خاصة من أولئك الخاسرين، وهي طائفة تتميز عن غيرها من الخاسرين في انتخابات 21 يونيو لكونها تعيش الآن سكرات نصر زائف، ولأنها قد لا تتبين حجم خسارتها إلا بعد حين.
.
ويمكن القول بأن الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات، والذي كانت خسارته واضحة جلية هو المترشح بيجل، فهو لم يحصل إلا على نسبة ضعيفة جدا هبطت به إلى الرتبة الثالثة وبفارق بسيط جدا مع صاحب الرتبة الرابعة في انتخابات لم يتنافس فيها إلا خمسة من المترشحين.
إن التأمل في خسارة المترشح بيجل لابد وأن يقودنا إلى خسارة كتلة المعاهدة في مجموعها، وهي الكتلة السياسية التي قادت الحوار باسم المعارضة، ودافعت عن هذا الحوار الذي أفضى إلى انتخابات 23 من نوفمبر التشريعية والبلدية، وانتخابات 21 يونيو الرئاسية بإشراف من اللجنة المستقلة للانتخابات، تلكم اللجنة التي تعرضت لانتقاد قوي من طرف المعارضة التي لم تشارك في اختيار حكمائها السبعة، ولانتقاد أقوى من المعارضة التي شاركت في اختيار حكمائها السبعة. لقد انتقدها التحالف والصواب بقسوة بعد انتخابات 23 نوفمبر، وربما ينتقدها الوئام بشكل أقسى بعد الإعلان الرسمي لنتائج انتخابات 21 يونيو.
إنه يمكن القول هنا بأن أحزاب المعارضة المحاورة التي شرعت انتخابات 23 نوفمبر وانتخابات 21 يونيو بالمشاركة فيها، كانت هي الخاسر الأكبر. وتعد خسارة الرئيسين مسعود وبيجل أدهى وأمر، وذلك بعد أن تمكن المترشح بيرام من تحقيق نسبة لافتة في انتخابات 21 يونيو.
كما أن الأحزاب السياسية الأخرى، وبشقيها الموالي والمعارض، كانت هي أيضا من بين الخاسرين في انتخابات 21 يونيو وانتخابات 23 نوفمبر، بل إنه يمكن القول بأن الأحزاب السياسية كلها قد بدأت تخسر مكانتها منذ وصول الرئيس محمد ولد عبد العزيز، وذلك من خلال إغراق الساحة السياسية بالترخيص لعشرات الأحزاب المجهرية، وكذلك من خلال ترشيح من لا علاقة لهم بالسياسة باسم تلك الأحزاب المجهرية (انتخابات 23 نوفمبر)، أو من خلال الاستغناء عن أنشطة الأحزاب واستبدالها بسيل من المبادرات القبلية والعائلية (انتخابات 21 يونيو). وإذا كان يمكن لنا أن نتفهم أن يعمل الرئيس محمد ولد عبد العزيز على تفكيك وتهميش أحزاب المعارضة، فإن الشيء الذي لا يمكننا أن نتفهمه إطلاقا هو هذه الجهود الكبيرة التي بذلها ويبذلها الرجل من أجل تفكيك وتهميش كل الأحزاب الداعمة له، وبما في ذلك حزب الاتحاد من أجل الجهورية.
ويمكن أن نتحدث أيضا عن الشباب، وذلك بوصفه من أكبر الخاسرين في انتخابات 21 يونيو، وذلك رغم أن شعار تجديد الطبقة السياسية كان هو الشعار الأبرز في حملة الرئيس عزيز، وقد خصص له أضخم مهرجاناته في الحملة الانتخابية.
إن تجديد الطبقة السياسية يعني من قبل أي شيء آخر تجديد الأفكار وأساليب العمل السياسي، ويعني أيضا خلق بيئة سياسية صحية تمكن الشباب الراغب في دخول المعترك السياسي من الظهور، بل ومن الصعود والارتقاء في سلم العمل السياسي. ويمكننا أن نقول في هذه الجزئية بالذات بأن الرئيس محمد ولد عبد العزيز بدلا من أن يخلق تلك البيئة قد عمل ـ بقصد أو بغير قصد ـ على تدمير كل ما كان من شأنه أن يساهم في خلق تلك البيئة، ولم يعد أمام الشباب، إذا ما قرروا ممارسة العمل السياسي، إلا أن يعودوا إلى قبائلهم ويستنجدوا بها، أو يعودوا إلى شرائحهم أو أعراقهم ويستنفروها من خلال خطاب عرقي وشرائحي. لم يعد بإمكان أصحاب الخطاب الوطني الجامع أن يظهروا في هذا العهد، وإنما أصبحت تأشيرة الظهور خاصة بالمتطرفين، وبأصحاب الخطابات الضيقة، سواء كانت تلك الخطابات قبلية أو جهوية أو شرائحية أو عرقية.
والغريب في الأمر، أن موريتانيا التقليدية والتي قد تعتقد بأنها تعيش اليوم أحلى أيامها، هي أيضا من أكبر الخاسرين، وأقصد بموريتانيا التقليدية ( القبيلة، الوجهاء، الفقهاء، شيوخ الطرق الصوفية، رجال الأعمال).
إن القبائل التي طبلت لانتخابات 21 يونيو بمبادرتها، وإن الفقهاء الذين كانوا هم أول من طلب من الرئيس أن يترشح لمأمورية ثانية، وإن رجال الأعمال الذين أنفقوا بكرم على حملة المترشح عزيز، إن كل هؤلاء هم الذين شجعوا الرئيس أن يتمادى في انتخاباته الأحادية، وهم الذين صعدوا بالمترشح بيرام، وجعلوا منه أهم شخصية معارضة أفرزتها هذه الانتخابات. فعلى هؤلاء أن يتذكروا دائما بأن بيرام هو السياسي الوحيد الذي لا يمكن أن يتلفظ بكلمتين، إلا وكانت إحداهما تهديدا ووعيدا لرجال الأعمال وللفقهاء وللوجهاء من شريحة معينة.
ومن الخاسرين أيضا في هذه الانتخابات، الفائز الأول فيها، أي الرئيس محمد ولد عبد العزيز، فهذا الرئيس الذي عمل جاهدا على تهميش المعارضة المعتدلة واستبدالها بمعارضة متطرفة، والذي عمل أيضا على تهميش الأحزاب السياسية والسياسيين واستبدالهم بخلق جديد لا صلة له بالسياسية، وإنما هو خلق جاء من رحم القبيلة أو الشريحة أو العرق، قد فاته بأن الأحزاب السياسية، خاصة منها الأحزاب المعارضة، هي التي كانت تشكل دائما صمام الأمان للأنظمة المتعاقبة. وما فات الرئيس أيضا هو أن قادة أحزاب المعارضة الحاليين هم الذين منعوا مئات الشباب المعارض من الاعتصام ومن التوجه إلى القصر الرئاسي في مسيرة الرحيل الأولى والثانية.
وما فات الرئيس هو أن اللحظات الحرجة التي عاشتها الأنظمة في السنوات الأخيرة، لم تكن بفعل تهديد الأحزاب السياسية، بل كانت في غياب تلك الأحزاب ( ثورة الجياع في عهد الرئيس السابق، أحداث فصالة وأحداث ازويرات في عهد الرئيس الحالي، وأحداث نواكشوط التي كانت هي الأخطر، والتي حصلت بعد حادثة تمزيق المصحف الشريف في مسجد خالد بن الوليد..).
على الرئيس أن يعلم بأنه كلما همش الأحزاب السياسية، وكلما أغلق أملا لإمكانية التغيير عن طريق صناديق الاقتراع، وأنه كلما أحكم إغلاق ذلك الأمل، وقد فعل ذلك من خلال انتخابات 21 يونيو، فإنه بذلك يفتح تلقائيا أبوابا أخرى للتغيير قد تأتي من جهات غير متوقعة، وغير مأمونة، ولم تكن في الحسبان.
يحق للرئيس عزيز أن يشعر بالنصر لساعة من نهار لأنه فاز في انتخابات 21 يونيو، ولأنه تحول في ظرف وجيز من انقلابي يحاصره الاتحاد الإفريقي إلى رئيس لمأمورية ثانية مع رئاسة الاتحاد الإفريقي. ويحق أيضا للسيد بيرام أن يشعر بالنصر لأنه هو أيضا قد تحول وفي وقت وجيز من سجين ينتظر حكما شرعيا، إلى زعيم سياسي، يزكي المجلس الدستوري ترشحه، وتفرش له السلطة السجاد الأحمر ليكون معارضها الأبرز.
يحق للرئيس عزيز أن يشعر بالنصر لساعة من نهار لأنه أصبح رئيسا لمأمورية ثانية، ويحق للزعيم بيرام أن يشعر بالنصر لأنه تحول من سجين مطارد إلى معارض بارز، ولكن في المقابل، يحق لكل من تهمه الديمقراطية ويهمه مصير هذا البلد أن يشعر بالخوف والقلق من رئاسة عزيز لمأمورية ثانية، ومن زعامة بيرام للمعارضة في تلك المأمورية.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل