مرتْ بنا،أمس،دون إحساس، ذكرى إعدام ليث الصحراء شيخ الشهداء عمر المختار، ووطنه الصغير يعيث به البغاث، ووطنه الكبير يرهبه موَّاء ملوك الطوائف وأمته كغثاء السيل...
.
ولم يبقَ غير الخالدين الثلاثة: الشعر والشهيد والقصيد...
قصيدة [ ركزوا رفاتك ] رثاء أمير الشعراء أحمد شوقي لشيخ الشهداء عمر المختار ننشرها بمناسبة الذكرى 86 لإعدام شيخ الشهداء عمر المختار يوم 16-09-1931م على يد الاستعمار الإيطالي الفاشستي ، في مدينة سلوق بالشرق الليبي .
__________________
ركزوا رفاتك
رَكَزوا رُفاتَكَ في الرِمالِ لِواءَ -- يَستَنهِضُ الوادي صَباحَ مَساءَ
يا وَيحَهُم نَصَبوا مَناراً مِن دَمٍ ،-- توحي إِلى جيلِ الغَدِ البَغضاءَ
ما ضَرَّ لَو جَعَلوا العَلاقَةَ في غَدٍ ، -- بَينَ الشُعوبِ مَوَدَّةً وَإِخاءَ
جُرحٌ يَصيحُ عَلى المَدى وَضَحِيَّةٌ -- تَتَلَمَّسُ الحُرِّيَةَ الحَمراءَ
يا أَيُّها السَيفُ المُجَرَّدُ بِالفَلا -- يَكسو السُيوفَ عَلى الزَمان ِمَضاءَ
تِلكَ الصَحاري غِمدُ كُلِّ مُهَنَّدٍ -- أَبلى فَأَحسَنَ في العَدُوِّ بَلاءَ
وَقُبورُ مَوتى مِن شَبابِ أُمَيَّةٍ -- وَكُهولِهِم لَم يَبرَحوا أَحياءَ
لَو لاذَ بِالجَوزاءِ مِنهُم مَعقِلٌ --- دَخَلوا عَلى أَبراجِها الجَوزاءَ
فَتَحوا الشَمالَ سُهولَهُ وَجِبالَه -- وَتَوَغَّلوا فَاِستَعمَروا الخَضراءَ
وَبَنَوا حَضارَتَهُم فَطاوَلَ رُكنُها -- دارَ السَلامِ وَجِلَّقَ الشَمّاءَ
خُيِّرتَ فَاِختَرتَ المَبيتَ عَلى الطَوى -- لَم تَبنِ جاهاً أَو تَلُمَّ ثَراءَ
إِنَّ البُطولَةَ أَن تَموتَ مِن الظما --لَيسَ البُطولَةُ أَن تَعُبَّ الماءَ
إِفريقيامَهدُ الأُسودِ وَلَحدُها ، -- ضَجَّت عَلَيكَ أَراجِلاً وَنِساءَ
وَالمُسلِمونَ عَلىاِختِلاف ِدِيارِهِم --لا يَملُكونَ مَعَ المُصابِ عَزاءَ
وَالجاهِلِيَّةُ مِن وَراءِ قُبورِهِم ، -- يَبكونَ زيدَ الخَيلِ وَالفَلحاءَ
في ذِمَّةِاللَهِ الكَريمِ وَحِفظِهِ ، -- جَسَدٌ بِبُرقَةَ وُسِّدَ الصَحراءَ
لَم تُبقِ مِنهُ رَحى الوَقائِعِ أَعظُماً -- تَبلى وَلَم تُبقِ الرِماحُ دِماءَ
كَرُفاتِ نَسرٍ أَو بَقِيَّةِ ضَيغَمٍ ، -- باتا وَراءَ ر السافِياتِ هَباءَ
بَطَلُ البَداوَةِ لَم يَكُن يَغزو عَلى -- تَنَكٍ وَلَم يَكُ يَركَبُ الأَجواءَ
لَكِن أَخو خَيلٍ حَمى صَهَواتِها -- وَأَدارَ مِن أَعرافِها الهَيجاءَ
لَبّى قَضاءَ الأَرضِ أَمسِ بِمُهجَةٍ -- لَم تَخشَ إِلّا لِلسَماءِ قَضاءَ
وافاهُ مَرفوعَ الجَبينِ كَأَنَّهُ ، --- سُقراطُ جَرَّ إِلى القُضاةِ رِداءَ
شَيخٌ تَمالَكَ سِنَّهُ لَم يَنفَجِر ، --- كَالطِفلِ مِن خَوفِ العِقابِ بُكاءَ
وَأَخو أُمورٍ عاشَ في سَرّائِها ، --- فَتَغَيَّرَت فَتَوَقَّعَ الضَرّاءَ
الأُسدُ تَزأَرُ في الحَديدِ وَلَن تَرى ، -في السِجنِ ضِرغاماً بَكى اِستِخذاءَ
وَأَتى الأَسيرُ يَجُرُّ ثِقلَ حَديدِهِ --- أَسَدٌ يُـــــجَرِّرُ حَيَّةً رَقطاءَ
عَضَّت بِساقَيهِ القُيودُ فَلَم يَنُؤ --- وَمَشَت بِهَيكَلِهِ السُنونَ فَناءَ
تِسعونَ لَو رَكِبَت مَناكِبَ شاهِق --- لَتَرَجَّلَت هَضَباتُهُ إِعياءَ
خَفِيَت عَنِ القاضي وَفاتَ نَصيبُها -- مِن رِفقِ جُندٍ قادَةً نُبَلاءَ
وَالسُنُّ تَعصِفُ كُلَّ قَلبِ مُهَذَّبٍ --- عَرَفَ الجُدودَ وَأَدرَكَ الآباءَ
دَفَعواإِلى الجَلّادِ أَغلَبَ ماجِداً --- يَأسو الجِراحَ وَيُعَتِقُ الأُسَراءَ
وَيُشاطِرُ الأَقرانَ ذُخرَ سِلاحِهِ --- وَيَصُفُّ حَولَ خِوانِهِ الأَعداءَ
وَتَخَيَّروا الحَبلَ المَهينَ مَنِيَّة -- لِلَّيثِ يَلــــــفِظُ حَولَهُ الحَوباءَ
حَرَموا المَماتَ عَلى الصَوارِمِ وَالقَنا -- مَن كانَ يُعطي الطَعنَةَ النَجلاءَ
إِنّي رَأَيتُ يَدَالحَضارَةِ أولِعَت -- بِالحَقِّ هَدماً تارَةً وَبِناءَ
شَرَعَت حُقوقَ الناسِ في أَوطانِهِم -- إِلّا أُباةَ الضَيمِ وَالضُعَفاءَ
يا أَيُّها الشَعبُ القَريبُ أَسامِعٌ --- فَأَصوغُ في عُمَرَ الشَهيدِ رِثاءَ
أَم أَلجَمَت فاكَ الخُطوب ُوَحَرَّمَت -- أُذنَيكَ حينَ تُخاطَبُ الإِصغاءَ
ذَهَبَ الزَعيمُ وَأَنتَ باقٍ خالِدٌ --- فَاِنقُد رِجالَكَ واختَرِ الزُعَماءَ
وَأَرِح شُيوخَكَ مِن تَكاليفِ الوَغى -- وَاِحمِل عَلى فِتيانِكَ الأَعباءَ.