تأملات في آيات من القرآن الكريم

2016-01-09 03:08:00

 قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [لقمان: 29].

.

 

سبحان ربي العظيم، إنَّ الله يُعطينا من آياته ما يدلُّ على قدرته ووحدانيَّته، دليلاً وراء دليلٍ، ويخاطب فينا العقل والفؤاد والأبصار؛ لعلَّنا نَعقِل أو نُفكِّر، أو نَرَى.

 

فهذه آيات لا يَعقلها إلا َّذَوُو الألباب، أو الأفئدة الصافية، أو الأبصار التي ليس عليها غِشاوة،

 

وفي هذه الآية الكريمة يُعطينا دليلاً يراه ذَوُو الأبصار كلَّ يوم؛ ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ﴾.

 

فعلى الرغم من أنَّ الليل والنهار طولهما معًا أربع وعشرون ساعة، لا يزيد دقيقة واحدة، فإننا نرى الليل والنهار يتساوَيان في عدد ساعاتهما أحيانًا، كما نرى أنَّ الليل يزيد في طوله تدريجيًّا على حساب ساعات النهار، فيطول عنه كثيرًا، وبالتالي تنقص ساعات النهار في بعض فصول السنة، ثم نرى الليل يتناقص تدريجيًّا، وتزيد ساعات النهار على حساب ساعات الليل، فيطول عنه كثيرًا، وبالتالي تنقص ساعات الليل في بعض الفصول الأخرى، إذًا، فما الحكاية؟ وما الآية؟

 

الآية: إن الله يولِج الليل في النهار؛ أي: يُدخل الليل في النهار، ويأكل من ساعاته، ونرى الليل يَزحف على النهار.

 

ويَلِج فيه (يدخل)، فترى الفجر مثلاً في الساعة الثالثة، ويتقدَّم ويتقدَّم؛ حتى يصلَ إلى الساعة السادسة صباحًا تقريبًا، وهذا ولوجُ الليل في النهار شتاءً.

 

كما أنه يولِج النهار في الليل، فيأكل النهار من زمن الليل ومساحته، فنرى المغرب مثلاً في الساعة الخامسة مساءً، ويتقدَّم ويتقدَّم؛ حتى يصل إلى الساعة الثامنة تقريبًا؛ وهذا هو ولوجُ النهار في الليل صيفًا، وفي أثناء ولوجهما بعضهما في بعض، يزيد هذا ويَقصر هذا؛ حتى يتساوَيان، فيكون فصل الربيع أو فصل الخريف، يأتي فصل الربيع حين يَلِج النهار في الليل، أو حين زحف النهار على الليل، ويأتي فصل الخريف حين يَلِج الليل في النهار، أو حين زَحفه عليه.

 

ومن آياته الظاهرة لكلِّ عينٍ، أنه سَخَّر لنا الشمس والقمر اللتين حقَّقتا معجزة ولوج الليل في النهار، وولوج النهار في الليل، فتراهما مُسَخَّرين لتحقيق هذه المعجزة بانتظام دقيقٍ، لَم تتخلَّف عنه، ألا ترى أنَّ أهل الفلك ضبَطوا تقويم شروق الشمس وغروبها مع هذا الولوج - من الليل في النهار، أو من النهار في الليل - بدقَّة مُتناهية، أليس هذا هو التسخير المعني في الآية الكريمة؟

 

إنه تسخير إلى أجلٍ مسمًّى يَعلمه الله - سبحانه.

 

وأنَّ الله بما تعملون خبير، ألا يَعلم مَن خلَق؟ بَلَى، إنه العليم الخبير، فهل في ذلك آيات لأُولِي الألباب؟

 

10 - قال تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90].

 

قال ابن مسعود - رضي الله عنه - عن هذه الآية الكريمة: "أجمعُ آية في القرآن لخير يُمْتَثل، ولشرٍّ يُجْتَنب".

 

ورُوي أن عثمان بن مظعون قال: ما أسْلَمت ابتداءً إلاَّ حياءً من رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حتى نزَلت هذه الآية وأنا عنده، فاستقرَّ الإيمان في قلبي، فقرأتُها على الوليد بن المغيرة، فقال: يا ابن أخي أعِدْ، فأعدتُ، فقال: "والله، إنَّ له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنَّ أصله لمُورق، وأعلاه لمُثمر، وما هو بقول بشر".

 

سبحانك ربي، ما أعظم ما أنْزَلت على رسولك!

 

إنها شهادة جاءت من كافر، فكيف تكون شهادة المؤمن؟!

 

وأعظم من هذه الشهادة، ما رُوِي من أنَّ قومًا ذهَبوا إلى أبي طالب عمِّ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقالوا له: "إنَّ ابن أخيك زعَم أن الله أنزَل عليه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ... ﴾، فقال لهم: اتَّبعوا ابن أخي، فوالله إنه لا يأمر إلاَّ بمحاسن الأخلاق"!

 

وبعد هذا يُنكرون ويَسخرون، ويقولون: أساطير الأوَّلين، ألا خَسِئوا وساء ما يقولون.

 

وهذه الآية الكريمة من إعجاز القرآن، ومن جوامع الكَلِم، فعلى الرغم من قِصَرها، فإنها حَوَت ثلاثة أوامر، وثلاثة نواهٍ:

أمَرَت بالعدل؛ أي: الاستقامة، والمساواة، والتوسُّط، والإنصاف.

 

وأمَرَت بالإحسان، وهو إتقان العمل والعبادة، وإيصال النفع إلى الخَلق.

 

وأمَرَت بإيتاء ذي القُربى، وهو إيتاء الأقارب حقَّهم من الصِّلة والبِر وصِلة الرَّحم.

 

وبعد الأمر بأُمَّهات الفضائل وأسمى المكارم في إيجاز وإعجاز، جاء النهي:

حيث نَهَت عن الفَحشاء، وهي كلُّ قبيح من قول أو فعلٍ مما عَظُمت مفاسده.

 

ونَهَت عن المنكر، وهو كلُّ ما أنكرَه الشرع بالنهي عنه، وهو يضمُّ جميع المعاصي والرذائل.

 

ونَهَت عن البغي، وهو عطفٌ للخاص على العام؛ ليتأكَّد أنَّ ظُلم الناس والبغي عليهم من الشر، وذلك حين نَفهم البغي بمعنًى عام يشمل كلَّ أنواع الظُّلم والمعاصي.

 

كل هذا - الأمر والنهي - جاء موعظة من الله لنا، فقد نبَّهنا إلى الخير، وأمرنا به، ونبَّهنا إلى الشر، ونهانا عنه، فهل نحن مُتَّعظون؟ وهل نحن مُنتهون؟

 

11- قال تعالى:

﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا ﴾ [الإسراء: 36].

 

هذه الآية من النصائح الغُر، التي يربي بها الإسلام أتباعَه، وهي منهج قويم ينبغي اتِّباعه، ونصيحة غالية لا تُقدَّر بثمنٍ.

 

أيها المسلم، ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾، لا تقف: قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "لا تَقل"، وقال العوفي: "لا ترْمِ أحدًا بما ليس لك به عِلمٌ".

 

وقال قتادة: "لا تَقل: رأيتُ ولَم ترَ، وسَمِعت ولَم تسمع، وعَلِمت ولَم تَعلم".

 

والفعل "تقفو" من القفا، وهو خلف الإنسان، ومنه القافية، وهي قفا بيت الشعر وآخره، وقد يكون المعنى - والله أعلم في الآية - لا تتكلَّم عن أحدٍ من وراء ظهره بما لا تَعلم، ولا تتَحرَّ أفعال الناس من خلفهم، وتدسَّ أنفَك تَتْبَع أخبارهم فيما يَكرهون، بما ليس لك فيه حقٌّ، فهو إذًا المنع عن تتبُّع الناس بالسمع أو بالبصر، أو بالظنِّ والشك، ثم تبني على ذلك أحكامًا ليست من حقِّك، وليس أمرها موكولاً إليك، فإن مَن يفعل، فإنه سوف يُسأل عن ذلك يوم القيامة.

 

﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مسؤولاً: مُحاسبًا عليها، سيُسأل العبد عنها يوم القيامة؛ قال تعالى: ﴿ اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾ [الحجرات: 12].

 

وفي الحديث: ((إيَّاكم والظنَّ، فإن الظنَّ أكذبُ الحديث)).

 

وفي حديث آخر: ((إنَّ أفرى الفِرى أن يُرِيَ الرجل عينَيه ما لَم تَرَيا))؛ أي: أكذبُ الكذب أن يقول الرجل: رأيتُ، وما رأَى شيئًا.

 

قال تعالى: ﴿ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾ [المائدة: 105].

 

صدَقتَ يا ربُّ، لقد علَّمتنا ما لَم نكن نعلم، فسَمِعنا وأطَعْنا، غُفرانك ربَّنا وإليك المصير.

 

12- قال تعالى:

﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [الإسراء: 53].

 

ما أجمل الأدب القرآني الذي دأَب القرآن الكريم على تربية المؤمن عليه، وكيف لا وقد قال الرسول الكريم: ((إنما بُعثْتُ لأُتَمِّم مكارم الأخلاق))، وقال عن نفسه - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أدَّبني ربي، فأحسَن تأديبي)).

 

وهذه مدرسة محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - تقوم على مكارم الأخلاق، وحُسن الخُلق، فلا غَرْوَ أن ترى الله - سبحانه - يأمر رسوله بأن يتلوَ على أصحابه ما يُهذِّب نفوسهم؛ لتَشيع المودة والرحمة.

 

يا محمد، ﴿ قُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾، عليهم أن يتلمَّسوا أحسنَ القول وأطيب الحديث، فالكلمة الطيِّبة صدقة؛ ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ﴾ [إبراهيم: 24].

 

وهذا هو منهج الله الذي أمَر عباده أن يتَّبعوه، ليس مع بعضهم البعض فقط، ولكن في دعوتهم إلى الله أيضًا؛ ليكونوا نموذجًا يُحتذى ونورًا يُهتدى إليه، فقال: ﴿ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل: 125].

 

﴿ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [العنكبوت: 46].

 

﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ ﴾ [المؤمنون: 96].

 

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا ﴾ [فصلت: 33].

 

ما أحسن الكلمة الطيبة! وما أجمل وَقْعها على النفوس!

 

وما أعظم أن يقول المرء التي هي أحسن!

 

أن يقول التي هي أحسن إذا حكَم بين الناس.

 

وأن يقول التي هي أحسن إذا أمَر الناس بالمعروف.

 

وأن يقول التي هي أحسن إذا تكلَّم.

 

وأن يقول خيرًا أو ليَصمُت.

 

﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾ [البقرة: 83].

 

ويجب ألاَّ نُبادل الناس بالإساءة إساءة؛ بل الأحسن والأفضل والأقوم، أن نُبادل بالسيئة الحسنة؛ ﴿ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ﴾ [البقرة: 178]، ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ [فصلت: 34].

 

ما أحسن أدبَك لنا يا ربَّنا! وما أعظمَ منهجك الذي رسَمتَ لنا!

 

13- قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ [الحج: 1- 2].

 

تبدأ الآية الكريمة بخطاب الناس جميعًا - مسلمهم وكافرهم، المُطيع والعاصي - ليَلتفتوا إلى ما يأتي بعد النداء؛ ليَتنبَّهوا، ولتتيقَّظ مشاعرهم، وتتفتَّح عقولهم، وتَصحو ضمائرهم وقلوبهم لهذا الأمر عظيمِ الشأن، بالغِ الخطر؛ ليَتَّقوه، ويَحترسوا منه.

 

﴿ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ﴾؛ أي: احترسِوا بطاعته من عقوبته، واحْذَروه من أن تتركوا أوامره، وتَفعلوا ما نهاكم عنه؛ حتى تكونوا أهلاً لرحمته، ومُستحقِّين لمغفرته في يوم يَشيب فيه الولدان، وتُبَدَّل الأرض غير الأرض والسماء، وما يحدث في الدنيا من خرابٍ وتدمير يملأ القلوب رُعبًا وفزعًا، فإن ما سيحدث في أوَّل الساعة أمرٌ رهيب، مثَّله الله لنا بما تَفهمه عقولنا، وتتصوَّره مداركنا، وتَستوعبه أحاسيسُنا، وقد مرَّ على الإنسان بعض نُذُره في حياته الدنيا وهو على بيِّنة منه؛ لئلا يكون للناس على الله حُجَّة يومها؛ إذ ﴿ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴾: هولٌ كبير، وخَطْب جليل، وطارق مُخيف، وحدَثٌ هائل، والزلزال هنا لعلَّه ما يحدث للنفوس من فزعٍ ورُعب، ولقد صوَّرت الآيات ذلك أصدقَ تصويرٍ وأحسَنه وأرْوَعه؛ لأن الناس يوم يَرونها ﴿ تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى ﴾، فكلُّ امرئ بأمر نفسه مشغول مذهول، فتَذهل كلُّ امرأة عن أحبِّ الناس إليها، وتَغفل كلُّ مرضعة عن رَضيعها مَن هَولِ ما ترى، بل تُسقط الحامل جنينها قبل موعده من شدَّة الهول والخوف والاضطراب.

 

ثم رَسَمت الآية صورة الناس في شدَّة اضطرابهم، وذهولهم وزَيَغان عيونهم، وغياب أذهانهم؛ حيث ﴿ تَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى ﴾، وهذا تصوير لتقريب المعنى وتشبيه الصورة القائمة بالصورة المعهودة؛ إذ إن المسألة ليست خمرًا، ولكنَّهم كأنهم سُكارى، وهي مسألة نفسية حادثة من شِدَّة الهول والفَزَع، والزَّيغ ووَقْع الصدمة، والخوف من العذاب الشديد، وكلها ظواهر علميَّة تدلُّ على صِدق نبوَّة محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي عاش في بيئة لا تعرف مثل هذا؛ فسبحانك ربَّنا، عَلَّمتنا ما لَم نكن نعلم، وأرْسَلت فينا أُمِّيًّا يُعلِّمنا الكتاب والحِكمة؛ إنَّك أنت العليم الحكيم.

 

14- قال تعالى:

﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ ﴾ [الحج: 3].

 

هناك خَلْق جاحدون، يدَّعون العلم والمعرفة وهم في غفلة وجهل عظيمٍ، يَسْعَون في الأرض فسادًا؛ ليَصدوا عن دين الله، وهم يَلَجُّون في آيات الله بالباطل، ويُزَخْرِفون القول، ألا ساء ما يفعلون!

 

هؤلاء الخَلْق ألْغَوا عقولهم، وأقاموا أدلَّتهم على وهمٍ، فمنهم مَن يَستبعد الحياة بعد الموت، ويُنكر البَعث؛ حيث يَرَون أنه من المستحيل أن يَحيا الإنسان بعد ما يَبلى ويَصير عظامًا وتُرابًا، ألا ساء ما يحكمون!

 

هؤلاء الخلق، لو أنصَفوا واستخدموا عقولهم المُغَيَّبة، لعَلِموا أن الذي أوجَد آدمَ من العدم وخلَقه من تراب، القادر على أن يَبعثه من موته، وهو عليه أهونُ، فكيف لا يستطيع مَن أحدَث الناس من عدمٍ؟! هل يَمتنع عليه إحياؤهم مرة أخرى؟! ولقد حاجَّهم الله بقوله: ﴿ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [الواقعة: 62].

 

وهذا عتاب عظيم، لا يَعْقِله إلاَّ كلُّ ذي عقلٍ سليم، وفكر مستقيمٍ، فكيف يُنكرون هذا وهم يعلمون كيفيَّة النشأة الأولى؟ أليس هو الله خالقهم من العدم؟!

 

﴿ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ﴾ [الروم: 27].

 

إنهم قوم مغالطون، يتَّبعون كلَّ شيطان مَريد - وهو العالي المتمرِّد - من الإنس والجن، وهذا حال أهل الضلال والغَي، والأهواء والزَّيغ، بغير حجة دامغة ولا علمٍ صحيح.

 

لقد نُشِر في جريدة الأهرام يوم الجمعة 11/ 4/ 1997م، أن فريقًا من العلماء قد اكتشَفوا أن الناس جميعًا ينتمون إلى أمٍّ واحدة "حوَّاء"، وهي التي خلَقها الله من آدمَ!

 

إنَّ أمرك عظيمٌ يا رسول الله، أيها النبيُّ الأمي، الذي أخبَرنا بذلك مُصدِّقًا لِما بين يديه من آيات الله، فهل بعد نتائج العلم المصدِّقة لقول الله من دليلٍ؟!

 

﴿ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴾ [الإسراء: 81].

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122