بيان المقاومة البوعماتية/ الشيخ ولد لحبيب

2013-03-04 19:54:00

لم تكن نواكشوط في بداية تسعينيات القرن الماضي مخيفة إلى هذا الحد الذي نشهده الآن، والذي دونت بعض ملامحه في مقال “فبراير المسكين..و نواكشوط المخيفة!”.

.

كانت نواكشوط العاصمة إذ ذاك بريئة، نقية، لا تضع كل هذه الأصباغ الفاقعة التي تحاول بها  الآن تجديد عمرها الأزيد من الخمسين ، وأهلها كانوا مثلها  في ذلك الوقت في غالبيتهم. في ذلك الزمن الذي لا يبعد كثيرا عنا الآن، وفي ملتقى شارع جمال عبد الناصر وشارع جون كينيدي ” وتلك بصمة تتفرد بها نواكشوط وحدها من بين كل عواصم العالم حين تجمع الرجلين”، وقف مراهق يحاول أن يكون شابا مكتمل الرجولة، كانت عيناه تتابعان سيارة ” كوجيترم” وهي تعلن عن جوائز سحبها المغري، فكر المراهق بأن يشترك، ويشتري كيس حلوى، ولربما يستطيع عندئذ أن يغير وجه حياته، ويشتري سيارة، ويتيه بها على كل أقرانه، كما يفعل العشرات من أبناء الأثرياء الجدد في نواكشوط في تلك الحقبة، امتدت به الأحلام وهو يستقل الباص متجها إلى مقاطعة تيارت، دون أن يجرؤ على أن يغامر بمحاولة تحقيقها، من خلال شراء ورقة حظ من شركة رجل الأعمال الصاعد آنذاك محمد ولد بوعماتو.لقد كان المراهق هو النقيض أو الضد للسيد محمد ولد بوعماتو، الذي جرب كل الطرق للوصول إلى قمة المال والأعمال في موريتانيا، ولم يتردد لحظة واحدة في المغامرة، واستطاع أن يصل فعلا ويحقق أحلامه!. واليوم وبعد مرور عقود على قصة ” كوجيترم”  التي كانت بداية الصعود الصاروخي للسيد محمد ولد بوعماتو، ها نحن نشهده وهو يختزل فلسفته  البوعماتبة، في عبارات أخيرة من بيانه الذي نشر بالأمس: “ولمن لديه شك في هذا، فأنا عنيد ولا أستسلم..إذا هذا بيان مقاومة..”!.
اليوم أيضا وبعد بيان المقاومة البوعماتية يضع الكثيرون أيديهم على قلوبهم فرقا وخوفا من الآتي، يذهب التأويل ببعضهم إلى حد ربط حالة الانفلات الأمني والجريمة المنظمة، و انتشار المخدرات، واتهام الرئيس الجنرال عزيز بالمتاجرة بالمخدرات من طرف نائب برلماني فرنسي، وحتى حادثة الرصاصة الصديقة،,,..، بالحرب المندلعة منذ أسابيع بين الرئيس الجنرال عزيز ورجل الأعمال محمد ولد بوعماتو، و من ورائه الرئيس العقيد السابق اعل ولد محمد فال.
من جهة أخرى فإن قادة منسقية أحزاب المعارضة  يضعون أيديهم  في جيوبهم ، ثم يوسعونها علها تحتوي على أكبر كم من أموال محمد ولد بوعماتو، التي يتوقعون أن يضخها  هناك، في مظهر من مظاهر مقاومته البوعماتية، و انسجاما مع روح بيانه ذاك!، وينبري قادة أحزاب منسقية المعارضة لإعلان دعمهم لولد بوعماتو، وتحت شعارات خجولة تختزل كلها في حماية رجال الاقتصاد الوطني، وبالتالي حماية بيضة البلد، و اتخاذ موقف أخلاقي من الرئيس الجنرال عزيز الذي يحاول حسب وصفهم تدمير كل رجل أعمال يقول له لا !!.
وإذا فعلى طرفي الشعب : العامة والنخبة يوجد خوف وترقب من جهة، وأمل وحلم في مقاومة هيمنة الرئيس الجنرال على السلطة، وانتعاش لأمل ترحيله بمساعدة الذي قال في بيان مقاومته إنه عنيد ولا ييأس!.
غير أن العارفين بخبايا وتفاصيل العلاقات المتشابكة بين الإخوة الأعداء : الرئيس الجنرال عزيز، ومحمد ولد بوعماتو، والعقيد ورجل الاستخبارات السابق اعل ولد محمد فال، يرون في هذه الحرب المندلعة، تفاصيل أخرى ونهاية قد لا تلامس ثنائية الخوف والأمل المذكورة آنفا عند العامة والنخبة.
ذات مساء منذ عامين تقريبا، كنت شاهدا على حكاية يرويها أحد صحافة التلفزيون الحكومي المعروفين، وهو ممن رافق الحملات الانتخابية للرئاسيات الماضية.
كان الرجل يتحدث عن العلاقة بين الثلاثي عزيز، وبوعماتو، وولد محمد فال، ويحكي عن حادثة في مدينة كيهيدي الجنوبية، حيث يلقي النهر بكل أسراره في حضن أرض تتراوح بين الصخرية الجامدة والرملية الطينية، وحيث ترتفع درجة الحرارة إلى حدود الخمسين درجة دون أن يؤثر ذلك في أخلاق الناس ولا في قدرتهم على التصرف بهدوء وروية.

وحده الرئيس المرشح السابق للرئاسيات، لم يكن يومذاك وأثناء وجوده في تلك المدينة السمراء البهية، بقادر على أن يتصرف كما الطبيعة والناس هناك.
يقول الصحفي إن الرئيس السابق العقيد اعل ولد محمد فال استشاط غضبا من جراء معلومة عاجلة بلغته أثناء وجوده في مهرجان انتخابي هناك، وأنه انسحب منه، ودخل إلى نزل قريب من المهرجان،  وبدأ في التحدث عبر هاتفه، ليسمع الصحفي ومن معه فجأة عبارات ساخطة منفعلة تصدر عن رجل الأمن الغامض وهو يقول: يا محمد فلتبلغ ذلك المغرور أن عليه أن لا يتعرض لاسمي في الوثائق التي قال إنه سيكشفها، وإلا فسيكون ردي قويا، وأنت تعرف أن لدي ما يمكنني من تحطيمه!.
يستمر الصحفي التلفزيوني موضحا أن المكالمة كانت بين ولد محمد فال وولد بوعماتو، وأنها كانت رد فعل من اعل ولد محمد فال على اعتزام الرئيس الجنرال المرشح للرئاسيات آنذاك، على  كشف وثائق تدين بعض المفسدين كما قال، ومن بينهم المرشح اعل ولد محمد فال.
ويروي الصحفي أنه بعد تلك المكالمة مباشرة، تلقت التلفزة الحكومية إشعارا بالتخلي عن تحضير وتجهيز الشاشات العملاقة، التي جرى الإعداد طيلة أيام لنصبها في ساحة في مقاطعة عرفات، وذلك لكي يتم بث الوثائق مباشرة عليها.!!.

و إذا فهو بيان مقاومة بوعماتية تعرف جيدا أن الثلاثي ولد عبد العزيز وولد بوعماتو وولد محمد فال هو ثلاثي متشابك على مستوى أوراق القوة والضغط التي يملكها كل منهم ضد الآخر، مما يجعل أي مقاومة من طرف أحدهم ضد الآخر ، مقاومة مدروسة و لا تتعدى بيانات وتصريحات حماسية، دون أن تغفل رد الفعل الذي قد يواجهها….،إنها معركة تشبه معارك عائلات المافيا الإيطالية لإختياز الأب الروحي: إنها تبقى دائما حربا محدودة وداخلية، ولا تنكشف أسراراها ولا أوراقها للآخرين!.

 

 

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122