آنستُ جرحك.. لا يأسٌ ولا حولُ..
لا غيمة في اجتراح الأفق تبتهلُ..!
كل المساءات أغوتْ من دمي شيعا،
تناثرتْ ودليلُ الساعة الخللُ..
لا طائرٌ بحديث الفجر يخبرُ عنْ
إزار بلقيسَ.. لا خلّ ولا سبلُ..
لا بحر للبحر لا برّ يصالحني،
لا خَصر يشغلُ.. لا حبّ.. ولا غزلُ..
لا وجهَ يبتسمُ المنفى له أبدا..
ولا شواطئ.. إلا الحزن والخبلُ..
وإنّ بيْنَ ديار الحزن متّسعا
لقامة الدمع، حيث اليأسُ والوجلُ..
بأيّ واد يهيمُ الشاعرُ الرجلُ؟
وحنظلُ اللحظات الصفر ينشتلُ..؟
وكم أرى من ظلال لا حدود لها
تنمو الظلالُ ولا ينمو لها ثقلُ..!
إنا كذلك يا أمّ الصروف وقدْ،
تنكرتْ بخطانا البومُ والدجلُ..
دم "الفواصل".. لا فصلٌ عواصفهُ
لوْ كانَ بالبتر والأسياف ينسدلُ..!
كل الدماء.. دمائي بعد فاصلة..
"لكنها باختبال الليل تختبلُ"..
كل الدماء.. دمائي كيفما انسكبتْ،
ذلتْ نوارسها، أو دالها جللُ..
كلّ المدائن حظّي ما صحا طللٌ..
لأنّ في مشرقيها بلّغَ الرسلُ..
وفي مسافتَها غنّتْ مسافتُها
غيمَ الزمان، وظلّ النخلُ يكتحلُ..
قالوا معا، ما لهذا الجرح منْ رقإ
يرجى، فقلتُ بحدّ السيف يندملُ..
فما يزالُ على العلات مرتفعا
روحُ السموّ، وفي ألوانه ثملُ..
وكلّ حبّة رمْل، من تعلّـقها
بآية السر، في إصرارها جبلُ
آت لك الفجر.. ضلعُ النصل ينبتهُ
تحثو به الخيلُ.. أو تصحو به المقلُ
إنا كذلك ما يدمى لنا نفرٌ
إلا وأزجله في بحّة زجلُ..
وكم تخلّـفَ عن "ذي قار" منخذلٌ
لكنها أصبحتْ تاريخَ منْ فعلوا.
يا سائلَ الرملِ إنْ ضربا، وإن عوزا،
إنّي إلى النجمِ من عينيك أنشغلُ..
والحلمُ لي منْ خلاءِ الريح منتبذٌ
صبا به الراحُ أو أغوى به الخطلُ
لمنْ تنهّـدَ هذا النهدُ.. غيرّ يدي..
أو "بسْترَ" اللحظ لي منْ حبه كفلُ..
وكنتُ أسألُ بوحي عن ملامحه،
وإذْ يجيبُ فلا حزنٌ ولا عللُ..
لكمْ سبانا علوّ الهام من زمن
حتى تمنى علينا سبْيَهُ النفلُ..!؟
واليومَ يا ورطةَ القيعانِ في قدمي،
قدْ لوثــتـْـني الخطى، واستوحلَ الوحلُ..
وعدتُ أدمنُ سكبَ النار في شُعَبي
علّ المحلقّ من أعنانه يصلُ..
لكنّ عزمي، ولي حـقٌ، ولي نسبٌ،
سيجرفُ الصعبَ، مهما بُسْتـِنَ الزللُ
لا غُصْنَ أرفعهُ!.. من يجرفون دمي
لا يعلمونَ بأنّ الحق متصلُ..
تلك الأكفّ التي لاحتْ مسالمة
لمْ يرقبِ الله من زيتونها شتلُ..
صالحتُ حزني، ولمْ أصعدْ لرابية،
لأنّ حلمي نسيمُ الأهل ما وصلواُ..
وإنّ حلمي إلى أحلامهم وطنٌ
بكلّ ماء العيونِ النجلِ يغتسلُ..
والدهرُ سيّـدُ هذا الدرب ما شربتْ
لحظَ السنين رجالُ السيف، والشعلُ
فنحْنُ أهلُ العلا إنْ عزّ منبتهُ
ونحنُ- والله - أهلُ الله إن سألوا..
فاندبْ دموعَ سيوف لا نساءَ لها..
كل الدموع إذا استبكيتها عسلُ..
لنْ تبتئسْ ومرايا النخل واحدةٌ
يساجلُ الأمسَ في إغوائها الأزلُ..
وابشرْ لمنْ ماتَ كيْ تحيى مدائنهُ
خفقَ البحار، ولا تغتالها النحلُ..
وابشرْ.. ففي كلّ جرْح نازفٍ ظللٌ..
وكلّ حرْف غفتْ في صمه الجُملُ.
نواكشوط في: 8/يونيو/2015