العبودية بين تقصير الدولة وتشنج الخطاب/ أحمد يعقوب ولد سيدي

2013-02-25 08:53:00

لست أبدا ممن ينكرون وجود العبودية في موريتانيا، فلا دخان من دون نار كما يقال، ولم توضع كل هذه الترسانة القانونية وتدبج في الدستور إلا للتصدي لواقع ملموس، بل إنه تطالعنا ـ رغم التقصير في هذا المجال ـ أحكام قضائية

.

تصدرها المحاكم الموريتانية ضد ممارسي هذه الظاهرة، فمسألة وجودها أمر مفروغ منه. أما محاولة طمسها فهي مكابرة وهروب إلى الأمام ودفن للرؤوس في التراب كما هو دأبنا مع معظم القضايا..

لكن ما يقلقني الآن وأخشى ما أخشاه أن تضيع كل الجهود التي بذلت للقضاء على هذه الظاهرة المقيتة بين مطرقة تقصير الدولة وسندان الخطابات المتشنجة لبعض المنافحين عن العبودية، بل إن هذه الثنائية يوشك أن تكون معول هدم للنسيج الاجتماعي قد يقضي على الجميع عبيدا وأسيادا ومن هم بين ذلك، تطبيقا لنظرية ربما يريد البعض تطبيقها، وهي أن القضاء على الصفة يلزم القضاء على الموصوف وعلى الواصف..

لا مراء في أن الدولة مقصرة في العمل على استئصال هذه الظاهرة المشينة، ومواطن التقصير هنا كثيرة.. لكن ننبه هنا وبعجالة على أمور نعتبرها ضرورية ومستعجلة:

أولا ـ القيام بحملات تعبوية يقوم بها الإعلام الرسمي وينعشها العلماء وخطباء المساجد والمثقفون لتعبئة الرأي العام الوطني ضد العبودية من خلال تشنيع ممارستها وفضح ممارسيها وتوعية ضحاياها، وإبراز تعاليم الإسلام التي تبين أن الناس "سواسية كأسنان المشط"، وأنه "لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى" وأن بلالا "الحرطاني" رضي الله عنه رآه النبي صلى الله عليه وسلم أمامه في الجنة..

ثانيا ـ إنفاذ حملات إدارية وأمنية لتعقب هذه الظاهرة خاصة في أعماق البلاد ومناطقها النائية حتى يتم تطبيق القانون "وبيدي لا بيد قصير" فبدل أن تجد السلطات نفسها مرغمة على التعامل مع حالات تكشفها جهات تشكك الدولة في نواياها ودوافعها وطرق تعاملها مع هذه القضايا، تقوم ـ ولديها الإمكانيات لذلك ـ بالتحري اللازم عن هذه الحالات وتقديم المجرمين للعدالة..

ثالثا ـ تفعيل وتعزيز مبدأ التمييز الإيجابي لصالح شريحة لحراطين من خلال تكثيف خدمات البنية التحتية حيث يتواجدون، وهنا من الضروري تشجيع العاملين في مجال الزراعة من خلال انتهاج سياسة تمليكهم الأراضي التي يزرعونها على الأقل مناصفة مالكيها من الأسياد السابقين.

في المقابل، ورغم تنويهي بجهود المنظمات العاملة في هذا المجال، وإيماني بصدق نيات بعض الناشطين في هذه المنظمات، إلا أني أرى أن خطابا متشنجا بدأ يطفو على السطح في الآونة الأخيرة، ويوشك أن يضر هذه القضية العادلة أكثر مما ينفعها، وتظهر ملامح هذا "التشنج" في نقطتين بارزتين:

الأولى التحامل على الإسلام، فهذا الإسلام الذي كان أكثر معتنقيه في البداية من الموالي والمستضعفين ورغب في تحرير العبيد بكل الوسائل، ووضع قاعدة عامة "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا"، لا يمكن تحميله مسؤولية أخطاء البعض، ويندرج هنا طبعا حرمة المساس من علماء الإسلام ومذاهبهم وكتبهم، فاحتواء الكتب الفقهية على أحكام العبودية ليس مبررا أبدا للتهجم عليها، بل إن التهجم عليها هو تهجم على القرآن فقد احتوى القرآن على أحكام العبودية ليس ترغيبا فيها بل تعاملا مع واقع معيش، بل إنه ندب في المقابل على تغيير هذا الواقع وتحرير الأرقاء بمختلف الوسائل، وأثبت الأجر في ذلك...

ولا بأس بالتذكير هنا بأن العبودية مورست من قبل غير المسلمين وبشكل بشع، وضفاف المحيط الأطلسي تشي بما كان يمارس عليها من تجارة رقيق، كم أن نظرة سريعة على الواقع الديمغرافي في الغرب وفي الأمريكيتين تؤكد ذلك..

الثانية هي تحميل شريحة البيظان بكاملها مسؤولية العبودية، ومما لا مراء فيه أنه "لا تزر وازرة وزر أخرى" وأنه من البيظان من لم يمارس عبودية قط، ولا حتى آباؤه مارسوها من قبله، بل إن من بينهم منافحين ضد هذه الظاهرة خاصة من الإعلاميين والمحامين والحقوقيين والسياسيين، كما أن العبودية مورست من قبل كافة المجتمعات ومنذ أن كان الإنسان...

في الأخير أدعو الجميع إلى العمل معا من أجل اقتلاع هذه الظاهرة المشينة من خلال عمل جماعي صادق يجبر تقصير الدولة ويصقل خطابات المناضلين من مثالب التشنج.. وفقنا الله جميعا.

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122