سنتان على طوفان الأقصى: المقاومة تنتصر ميدانيًا وتفاوض سياسيًا../ جمال بن ماجد الكندي

2025-10-10 16:04:31

السابع من أكتوبر 2023م، تاريخٌ مميز في أجندة الصراع الفلسطيني مع المحتل الإسرائيلي، وعنوانه كان “معركة طوفان الأقصى”. كانت هذه المعركة علامةً بارزةً وفارقةً ومفصليةً في تاريخ الصراع العسكري المسلح مع المحتل الإسرائيلي منذ حرب تشرين/الكرامة العربية عام 1973م.

لماذا كانت معركة طوفان الأقصى بهذه الأهمية الاستراتيجية حتى تُقارن بحرب 1973؟

الجواب: لأنها باغتت العدو بالهجوم وحققت عنصر المفاجأة عليه، وهو القاسم المشترك بين الحربين، مع تحقيق النتائج الأولية المتمثلة في كسر عنجهية “الجيش الذي لا يُقهر”، فقد قُهر في عام 1973، ومُرِّغ أنفه في التراب في معركة طوفان الأقصى.

إنّ معركة طوفان الأقصى تُعد إنجازًا عسكريًا كبيرًا للمقاومة الإسلامية في غزة، حيث استطاع نحو 1200 مقاتل فلسطيني، مستخدمين تقنياتٍ جديدةً برًا وجوًا، السيطرة على كامل معسكرات العدو الإسرائيلي في غلاف غزة، الذي كان يحميه ما يقارب عشرة آلاف جندي إسرائيلي. والمشاهد التي رأيناها من قتلٍ وأسرٍ للجنود الإسرائيليين ستبقى في الذاكرة العربية والإسرائيلية، إذ تُظهر مدى قدرة المقاوم الفلسطيني على تحقيق إنجازٍ عسكريٍ بارزٍ على العدو الصهيوني.

معركة “طوفان الأقصى” كانت عمليةً استباقيةً غير مسبوقة، إذ إنّ إسرائيل كانت في حروبها السابقة مع المقاومة الفلسطينية في غزة هي صاحبة الضربة الأولى، لتأتي ردود المقاومة بحجم الفعل، ثم يتدخل الوسطاء بعد ذلك لوقف إطلاق النار.

أما في “طوفان الأقصى” فكان المشهد مغايرًا تمامًا للسيناريوهات السابقة، إذ وقعت إسرائيل في خداعٍ استراتيجيٍّ مُحكَم جُرَّت إليه دون أن تشعر. فكما لم تتوقع الهجوم المصري في حرب عام 1973، كذلك لم تتوقع في طوفان الأقصى ما سيصيبها، ولذلك كانت الخسائر كبيرة في صفوفها.

اليوم، وبعد مرور عامين على معركة طوفان الأقصى، لا بدّ لنا من قراءة النتائج والتداعيات التي خلّفتها هذه المعركة في الداخلين الفلسطيني والإسرائيلي.

لقد تحققت نتائج معركة طوفان الأقصى بعنصرين أساسيين:

الأول، تدمير القوة الإسرائيلية في غلاف غزة، وإظهار قدرة المقاومة الفلسطينية على تحقيق النصر وإثباته بالصوت والصورة، وهي المفاجأة الكبرى لإسرائيل وحلفائها، بل حتى لحلفاء محور المقاومة في المنطقة، إذ لم يكن أحد يتصور أن معسكرات الجيش الإسرائيلي في غلاف غزة ستسقط بهذه السرعة، كأحجار الدومينو.

أما العنصر الثاني، فهو في أعداد الأسرى الذين باتوا في قبضة رجال المقاومة، وهي الورقة التي أصبحت — ولا تزال — وسيلة ضغطٍ قويةٍ على إسرائيل في مسار المفاوضات والتهدئة.

في هذا المقال سنحاول قراءة النتائج والتداعيات التي أحدثتها معركة “طوفان الأقصى”، ثم نحلل خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: هل كانت فخًّا للمقاومة أم لإسرائيل؟ أم محاولة لتحقيق نصرٍ شخصيٍّ لترامب ينال من خلاله جائزة نوبل للسلام؟!

من أهم النتائج والتداعيات لمعركة طوفان الأقصى كسرُ هيبة “الجيش الذي لا يُقهَر”، فقد قُهِرَ في هذه المعركة، حيث إن نحو 1200 مقاتل فلسطيني استطاعوا أن يدخلوا معسكرات غلاف غزة، ويخترقوا نظام المراقبة، ويُسيطروا على منظومة الإنذار والاستجابة المبكرة التابعة لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي.

وخلال ساعاتٍ قليلةٍ كان المقاتلون في قلب معسكرات غلاف غزة، وهذا الأمر يُقرأ عسكريًّا بأنه فشلٌ استخباراتيٌّ كبيرٌ أدّى إلى انهيار منظومة القيادة والسيطرة في جيش الكيان الصهيوني، وهو بحد ذاته إنجازٌ كبيرٌ يُكتب للمقاومة الفلسطينية في غزة.

ومع هذا الإنجاز، كان هناك إنجازٌ آخرُ تمثّل في عدد الأسرى الذين أُخِذوا من مواقع الجيش الإسرائيلي، فقد كانت ورقة الأسرى هي القوة التي فاوضت بها حركة حماس طوال السنتين الماضيتين.

من النتائج السياسية التي أحدثتها معركة “طوفان الأقصى” أنها أعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة السياسية والإعلامية بعد أن كان يُراد لها أن تكون من الماضي، خاصةً بعد موجة التطبيع السابقة والقادمة، التي تسعى إلى رسم خارطة طريق جديدة للمنطقة تتشكل وفق الهوى الأمريكي-الصهيوني.

فكانت معركة طوفان الأقصى أمرًا حتميًّا لإعادة مسار القضية الفلسطينية إلى الواجهة السياسية والإعلامية، والمطالبة من خلالها بتحرير الأسرى الفلسطينيين مقابل ما لدى حركة حماس من أسرى إسرائيليين، إضافةً إلى تأخير أو إجهاض المرحلة الثانية من التطبيع التي كانت ستتم على حساب القضية الفلسطينية وحلّ الدولتين.

من التداعيات الداخلية لمعركة “طوفان الأقصى” على الداخل الإسرائيلي، اندلاعُ المظاهرات المستمرة المطالِبة بعودة الأسرى، وعقدِ صفقةٍ مع المقاومة الفلسطينية لتحقيق ذلك. غير أن المماطلة والتعطيل من قبل نتنياهو كانا من العوامل التي أثارت الرأيَ العام في إسرائيل، وحركا الشارعَ المناهضَ لحكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة.

لقد أوجدت معركة طوفان الأقصى شرخًا في بنية الشارع الإسرائيلي تجاه معركة الجيش في غزة، والمطالبة بوقف الحرب وإجراء مفاوضاتٍ حفاظًا على حياة الأسرى الإسرائيليين. ومع كل ذلك، فإن عناد نتنياهو تسبّب في مقتل عددٍ كبيرٍ منهم، وهو ما جعل الشارع الإسرائيلي يضغط على حكومته لوقف الحرب.

ومن النتائج الخارجية لمعركة “طوفان الأقصى” تغيّر المزاج الأوروبي تجاه إسرائيل، وإعادة القضية الفلسطينية إلى مسارها الطبيعي في المطالبة بإقامة دولةٍ فلسطينية، وبدء مقاطعةٍ دوليةٍ لإسرائيل.

فقد دمّرت إسرائيل غزة، وقتلت وهجّرت الشعب الفلسطيني، لكن في المقابل ما حدث في غزة دمّر صورة إسرائيل دوليًّا، وأظهر حقيقتها للعالم ككيانٍ إرهابيٍّ يقتل الأطفال قبل المقاتلين.

وخسرت إسرائيل التعاطف الدولي، حتى من أقرب حلفائها في الولايات المتحدة، بسبب جرائمها في غزة. وقد حصلت فلسطين على اعترافٍ دوليٍّ، ولو كان شكليًّا، من قادة القارة الأوروبية مثل فرنسا وبريطانيا وإسبانيا وغيرها من الدول، كما تحوّل البرلمان الأوروبي إلى داعٍ قويٍّ لوقف إطلاق النار في غزة.

أما في الولايات المتحدة، فقد امتدّ تغيّر المزاج تجاه إسرائيل إلى الشارع الأمريكي، الذي كان في السابق أكبر داعمٍ لها، لكنه اليوم تغيّر، خصوصًا لدى الفئة العمرية الشابة الأكثر نشاطًا في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تُظهر يوميًّا ما يتعرض له الشعب الفلسطيني في غزة.

هذا التحول أسهم في تغيّر المزاج الأمريكي العام ضد إسرائيل، وهو ما يؤثر في تبنّي السرديات السياسية لدى الناخب الأمريكي، فيصبح أكثر قربًا من فلسطين، سعيًا لكسب أصوات الفئة الشبابية التي باتت مؤثرة في تحديد مصير المرشحين، سواء في الحزب الجمهوري أو الديمقراطي.

الردّ الأمريكي السريع على لسان ترامب بالترحيب بقبول حماس، مع ترحيل باقي البنود إلى ما بعد المرحلة الأولى، سبّب إرباكًا كبيرًا لدى نتنياهو والمفاوض الإسرائيلي.

فقد كان يُراد من حماس أن ترفض مبادرة ترامب ليستمرّ العدوان، وتُتَّهَم بأنها السبب في استمرار العدوان الإسرائيلي بسبب رفضها للمبادرة الترامبية ـ إن صحّ التعبير ـ خاصةً أن هذه المبادرة لقيت ترحيبًا دوليًّا وإقليميًّا وعربيًّا.

غير أن نتنياهو حاول تشويهها، فجاء ردّ حماس ذكيًّا، إذ قبلت ببنودها الأساسية، وتم ترحيل النقاط التي تحتاج إلى إجماعٍ فلسطينيٍّ للتفاوض عليها لاحقًا.

خطة ترامب في طريقها إلى التوقيع والتطبيق، والسؤال الجوهري هو: ما الذي يضمن ألّا تعاود إسرائيل الحرب على غزة بعد تسلّمها الأسرى، سواء الأحياء أو الأموات؟

هنا يأتي الجواب من تأثير الشارع الغربي على سرديات الحرب الإسرائيلية على غزة، إذ أصبح على درايةٍ كاملةٍ بما يحدث من مجازر وتجويعٍ في القطاع بسبب العدوان الإسرائيلي. فالدعاية الإسرائيلية تواجه اليوم دعايةً مضادّةً قوية يقودها الشارع الأوروبي، ومن المستبعد أن يعاود الجيش الإسرائيلي المُنهَك الحرب مرةً أخرى على غزة بعد حصوله على ما يريد، وهو الأسرى.

كما أن نتنياهو لن يستطيع تسويق حربٍ جديدة بعد تحرير الأسرى تُقنع الشارع الإسرائيلي، بل قد تتسبّب له في عزلةٍ دوليةٍ أكبر دون مبرر. لذلك فإن تطبيق خطة ترامب في مرحلتها الأولى يُعَدّ نصرًا للمقاومة الفلسطينية في غزة، بينما ستحتاج بقية النقاط إلى وقتٍ طويلٍ قد تنتهي معه ولاية ترامب قبل تحقيقها في المرحلة الثانية، وهذا هو الذكاء الفلسطيني والفخّ الذي وقع فيه نتنياهو.

أن معركة طوفان الأقصى شكّلت نقطة تحوّل كبرى في مسار الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، إذ كسرت هيبة الاحتلال وغيّرت موازين الرأي العام العالمي. ومع تحوّل المزاج الغربي والأمريكي ضد إسرائيل، برزت المقاومة كصوتٍ شرعيٍّ يعيد للقضية الفلسطينية حضورها السياسي والإعلامي. وهكذا تحوّلت خطة ترامب من فخٍّ سياسي إلى نصرٍ ذكيٍّ للمقاومة الفلسطينية وورقة ضغط جديدة على الاحتلال.

كاتب عُماني

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122