ما احتدم الجدل و احتدَّ النقاش حول قضية من قضايا هذا الــ(لا)ـــوطن ــ إلاّ و كان موضوعه خلافيا ومتعلقا بالأحداث المفصلية التي انقضت من تاريخه القصير ــ واشتدَّ حوله الغموض،وغابت عنه المؤشرات ،و تضببتْ الرؤية إليه ،وانعدمت عليه الأدلة ،وغنَّى أو بكَى كلٌّ ، فيه،على "ليلاه".
.
موجب هذا الحديث أن الأحداث غير المسبوقة التي تدور هذه الأيام في البلد ومحورها الانتخابات الرئاسية التي تَحَكَّمَ إيقاعُها الصاخبُ المتكررفي دورة حياتنا بآثاره الفاقعة التي لم نتفق يوما على نعتٍ ما يميزها منذ أن أدمنا تناوبها مع الانقلابات حتى قلص بعضُنا الفرق بينهما إلى حدود التماثل .
إننا بحكم جملة من الخصائص التي تميزنا ،عشنا أول مظهر للدولة الحديثة مع مورتانيا كبلاني التي ترجمها ب"تراب البيضان" ثم بعد عقود استسلمنا لنفس الدولة مصغَّرة بوجوه وطنية 28نوفمبر1960 التي دخلنا بعدها دوامة ما بعد يوليو1978..
ومع الدوار الذي رافقنا منذ خاض بنا من لا نعرفهم خضخاض أوحال مصائر الدهماء، لم نستطعْ أن نكشف ملابسات الأحداث اللاهبة ولا الفاعلين الحقيقيين أو الوهميين الذين أشعلوها ولا من أخمدوا أوارها ,ولا من عاد فأشعل حرائق الخراب أو كثف دخان الانسحاب ، كما لم نعرف، في مواسم الصحوات الديمقراطية من فاز فيها ومن خاب ومن ذاب ومن أذنب في حقنا ومن تاب،وهل أناب؟
فاصلة مفيدة:
ذات ليلة من شهر ديسمبر1992 كنت في سهرة سياسية انتخابية ثلاثية في مدينة داخلية رئيسية ببيت وجيه سياسي هام بحضوره وتشريف من شخصية وطنية خارقة ذكاء وطول تجربة وبقاء في الواجهة عارضا ومعارضا ,كنتُ لقيته لأول مرة فيها ، فكان، ربما الموريتاني الوحيد الذي بهرني عقله الخام المكرر،كما اعتبرته رابع شخص ،ففي علمي المحدود ، انطبق عليه ـ في مجاله ـ قول ابن هانئ الاندلسي:
كانت مساءلة الركبان تخبرنا
عن جعفر بن فلاح أطيب الخبر
ثم التقينا فلا والله ما سمعت
أذني بأحسن مما قد رأى بصري
تحلقنا حول مذياع سوني رقمي هو الأحدث آنذاك، نتسقط بيانات وزارة الداخلية عن نتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت نفس اليوم ، وكانت الحملة شرسة والنتائج غير مضمونة أمام تسونامي "أحمد ولد داداه" ،الذي لولا انعدام حالة مدنية يركن إليها،لأخذت الأمور ـ لصالحه ـ مسارا مغايرا وبنسبة لا تقبل الشك.
بادرته: سيدي ،للتاريخ، من هو مدبر انقلاب 10يوليو1978 ؟؟
قال بدون تردد أنا...وفلان ،ثم في فترة لاحقة ،فاتحنا فلانا لأنه مسنود خارجيا أما فلان فقد حاولنا أن نصنع منه بطلا فما استطعنا..هــ
هكذا يضيع البلد بضياع تاريخه لشفاهية الروايات وارتباطها بمزاجية الرواة و سرعة استبدال المواقف بالتي هي أدنى..
وإذاكان لضرب المثل بهذه الرواية المضببة من هدف،مني بكل تواضع، فهو ضرورة أن نحفظ البلد من خلال تخليق الأحداث التي تصنع المستقبل الآمن لمواطنيه لتكون رأيا سياسيا يفخربه من قاده أو تبناه ..لا خبط عشواء من تصب تمته ومن تُخطئ يُعمَّر..
وبعدُ،،
فبما أننا نشهد ساحة، لم يعُد اليوم فيها من يقف على الضد من العملية السياسية الانتخابية الجارية فليتحمل الجميع مسؤولية ماستكسب يمينه غداة عدِّ الأصوات وتجييرها لمن هي له..
• فهل ستتغير العادة التي كنت أتخذها ثابتةَ علاقتنا بمجريات تاريخنا :
إن "خصوصية هذه الأرض (وأهلها) أن لا سِرَّ فيها ولايُعرفُ لها سر".
ولنكتب للآتين من الأجيال مقولة الرئيس المؤسس المرحوم الاستاذ المختار ولد داداه:
"إن موريتانيا ستكون كما يريدها شبابُها أن تكون"
