قال تعالى في سورة الإنسان (الآية- 13) في وصف حال أهل الجنّة جعلنا الله وإياكم منهم: (مُتّكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً).
والمعنى الذي درج عليه معظم المفسرين هو أن الزمهرير البرد، وهذا هو الشائع لغة، ويكون المعنى أن أهل الجنة لا يعانون فيها حر الشمس ولا قرص البرد. ولكن هنالك من يرى أيضاً أن الزمهرير في لُغة بعض قبائل العرب ليس البرْد، لأن البرد لا يُرى، فكيف يقول في الآية (لا يروْن)! فالزمهرير هنا بمعنى القمَر حصراً، بحسب أصحاب هذا التأويل.
والمعهود والمطرد في القرآن الكريم أنه كل ما وردت كلمة [شمس] تليها كلمة [قمر] كقولهِ تعالى في سورة الرعد الآية- 2 (وسخّر الشمس والقمر) وقولهِ في سورة يونس الآية- 5 (الشمس ضياء والقمر نوراً) وأيضاً في سورة الأنعام الآية- 96 (الشمس والقمر حُسباناً).
وجاءت هنا الكلمتان بالنكرة بدون [ الـ ] التعريف، فقال (لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً) أي: لا وجود لأي شمس أو قمر في الجنّة.
قال ثعلب: الزمهرير بلغة قبيلة طيْء هو القمر. وقال راجز منهم:
وليلةٍ ظلامُها قد اعتكرْ.. قطعتُها والزمهريرُ ما ظهر
أي: قطعتُهـا والقمرُ ما ظهر.
والآية تتكلم عن الشمس والقمر (لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً) وهما وسيلتا حساب الزمن، والزمن يأتي من حركة المكان، لقولهِ تعالى في سورة التوبة الآية- 36 (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ) والزمن يبدأ ( يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) أي: يوم خلق الحركة من خلال الأرض والسماوات.
فلو تمكنّا، مثلاً، من إزالة الشمس والقمر في يوم خميس.. فلن يأتي يوم جمعة، ولأصبح يوم الخميس هو اليوم الآخر، الذي لا يوم بعدهُ، أي: [يوم القيامة].
ولذلك قال عن الجنّة في الآية الكريمة خالدين فيها أبداً، لعدم وجود زمن من خلال وسيلتي الحساب والتقويم [الشمس والقمر] فقال جل من قائل: (لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً). هذا والله أعلم.