في معنى الإعجاب/3.. / محمد الأمين الناتى

2017-03-06 07:09:00

ـ معنى التواصل:

لَئِن كان الإيصال ـ على نَحْو ما ذَكرْنا من قَبْلُ ـ صادرا عن ذات الكاتب، بما يَعنيه ذلك من إِغْراق في "الخُوَيْصَّة"، فإن التواصل ـ على الأقل في مُنْطلَقه، وفي ظاهر أمْرِه ـ يمثل مُخالِفا للإيصال؛ وكثير مِمَّن يسْتَلُّون الأقلام لتسجيل خواطرهم، مُدرِكون ـ قطْعا ـ فُروقَ ما بين "أفعل" و "تفاعل"؛ أفعل ذات الاتجاه الواحد، وتفاعل، وما تَقْتضيه من مُشاركة،

.

وما تَسْتَوجِب من أَخْذ وردٍّ، طَرَفاه حاضران في العملية؛ وحينئِذ تُحدِّد المواضعاتُ والآدابُ العامة حدودَ المُكابرَة، وحدَّ الصَّلَف والغُرور؛ وأَخفُّ درجاتهما ـ هنا ـ تَسْمو على دَرَكات المُقابِل، الذي هو إِمْلاء، واسْتِخْفافُ احْتِقار لمُجتَمَع بكامله.

وإِنْ هُم أُلاء أَغْفَلوا الانْخِراط، أو لَمْ يكن من هَمِّهِم التفاعلُ، بما يعنيه من تأثُّر وتأثير، فهُمْ مَحْكومون، طوْعا أو كَرْها بإشراطه وإكراهاته؛ فالتفاعُل، أيًّا تكُنْ صورتُه ومستواه، يكُنْ حضورُ الآخَر؛ وتنهار أسْوار "الخُوَيْصَّة"، وتنْجَلي حُجُب التَّقوْقُع على الذات المَقيت؛ ويأخذ الجدل الاجتماعي طريقَه إلى التَّمثُّل؛ فأدْنى مستويات الملابسة في التواصل، هي الإيذان بهَتْك أستار "الخُوَيْصَّة".

ولسنا غافلين عن أن بعْضا سيسارع في تَوْليفَتِه الحِجاجية إلى القول إن الحرية الفردية هي قِوامُ فلسفات ومذاهب اجتماعية لها أهميتها، مِثْلَما لها إسهامها في تاريخ الإنسانية، وأنَّ مُعْتمَد الليبرالية وحقوق الإنسان الإعلاءُ من قيمة الفرد؛ ولا مِراء في ذلك؛ إنَّما أَمْرُنا أَنَّنا نرى في الإيغال في الخصوصية الفردية، التي أُسِّس عليها في مفاهيمنا ـ تُراثًا وممارسة ـ ما يُجافي روح التراث، ويعوق النزوع المشروع إلى الانعتاق والتحرر، بأبعادهما الروحية والمادية.
"الخُوَيْصَّة" ـ إذَنْ ـ دون مُسْتتْبَعاتها واقْتِضاء مُسْتلْزَماتها، من أنانيَّة ونرجسية وانعزالية، هي دالٌّ من دَوالِّ التعبير النَّسَقِي عن الأزمة الثقافية أو ثقافة الأزمة، التي لا بد من مُغالبتها، والتصدي لما يُعشْعِش من تجسيداتها في وجداننا، المُداخَل في نسيجه بالركون إلى الاستسلام، والرتابة والخنوع للواقع المُغلَّب؛ وإضفاء أغطية الادِّثار وخمولِ غيْرِ مُقيمي الليْلِ إلا أقلَّ قليلِه؛ وأولى الخطوات فيما نَبْغي هدْمُ أسوار "الخُوَيْصَّة"؛ وعَقْل مَرْكَب أصحابها إلى الهروب؛ والتَّمْكين لثقافة الانْدِماج؛ وإفْهام دُعاة الانْعِزال و"الخُوَيْصَّة" أنَّ المُنْبَتَّ لا أرْضًا قَطَع، ولا ظَهْرًا أَبْقى.
ومعنى التواصل لاحق ـ بحول الله وقوته.

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122