تدويناتٌ في الرد على منكري الإجماع بشأن الردة / د. محـمد الأمين السملالي

2017-02-06 09:36:00

الشبهة الأولى: نفي "العقوبة" عن المرتد

يقول المعترض: (ترجح لدينا ما يقول به الترابي وغيره من المعاصرين من التمييز بين الردة الفكرية، والردة السياسية-العسكرية، فالأولى لا عقوبة عليها في القانون الجنائي الإسلامي) 

.

نقول:

- قال الإمام أبو الحسن ابن القطان (ت: 628هـ) "ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من بدل دينه فاقتلوه»، دخل في ظاهر قوله هذا الأحرارُ والعبيد، والرجال والنساء. 

وبه قال جمهور الفقهاء، ولا أحفظ فيه خلافًا" (انظر: الإقناع في مسائل الإجماع (2/ 270):

- وقال الإمام النووي (ت: 676هـ): "وأمّا قوله صلى الله عليه وسلم: (والتارك لدينه المفارق للجماعة)، فهو عامٌّ في كل مرتد عن الإسلام بأي ردة كانت، فيجب قتله إن لم يرجع إلى الإسلام" (انظر: النووي : شرح صحيح مسلم (ج 6 / ص 87 ).

- وقال الإمام ابن دقيق العيد (ت: 702هـ): "الردة سببٌ لإباحة دم المسلم بالإجماع في الرجل، وأما المرأة ففيها خلاف" (انظر: ابن حجر: فتح الباري ( ج19 ص: 317).

- وقال الإمام ابن بطال (ت: 449هـ): "اختلف العلماء في استتابة المرتد، فروى عن عمر بن الخطاب وعثمان وعلى وابن مسعود أنه يستتاب؛ فإن تاب وإلا قتل، وهو قول أكثر العلماء. وقالت طائفة: لا يستتاب ويجب قتله حين يرتد فى الحال". انظر: شرح صحيح البخاري لابن بطال (8/ 572).

تعليقنا:

اتضح من نقل هذا الإمام، وكذا من الإجماعات السابق ذكرُها أن سيدنا عمر بن الخطاب كغيره من الصحابة والتابعين وجميع المسلمين، قائلٌ بعقوبة المرتدّ، ولكنه يرى أنه يستتاب أوّلاً، خلافاً للقائلين بعدم الاستتابة، وهذا واضح من الأثر الذي أورده المعترض مستدلاً به وهو في الواقع حجة عليه، وفيه أن "رهطا من بني بكر بن وائل ارتدوا والتحقوا بالمشركين، وقتلهم المسلمون في المعركة، فقال عمر: "لأن أكون أخذتهم سِلْما كان أحب إليَّ مما على وجه الأرض من صفراء أو بيضاء، قال:[أنس بن مالك] فقلت: وما كان سبيلهم لو أخذتَهم سلما؟ قال [عمر]: كنت أعرض عليهم الباب الذي خرجوا منه، فإن أبوا استودعتهم السجن".

فسيدنا عمر كان سيعاقبهم بالسجن على الأقل. أليس السجن عقوبة؟

أما الإمامان النخعي والثوري، فقد قالا بالاستتابة والسجن المؤبد، وقد ورد رأيهما عند النووي هكذا: "قال الثوري: يستتاب أبدا ويحبس إلى أن يتوب أو يموت"، وعند أبي حيان هكذا: "ذهب النخعي والثوري: إلى أنه يستتاب محبوساً أبداً".

ونسأل من جديد: أليس السجن عقوبة؟

بقي أمر الخلاف في المرأة، فقد قال بعض أئمة الحنفية بأن المرتدة لا تقتل، وهو المشهور في مذهبهم، ولكن ما ذا بعدُ؟ هل تُكافَأُ على ردتها؟

إليك كلام أئمة الحنفية:

يقول الإمام السرخسي في المبسوط: "ولا تقتل المرتدّة، ولكنّها تحبس، وتجبر على الإسلام عندنا"(ج 12 / ص 241). وكيف يكون ذلك الإجبار؟ إليك كلام الإمام ابن الهمام: "ويُروى عن أبي حنيفة أنها تضرب في كل أيام، وقدرها بعضهم بثلاثة، وعن الحسن: تضرب كل يوم تسعة وثلاثين سوطا إلى أَن تموت أو تُسلم"( فتح القدير (ج 13 / ص 6).

والسؤال الأخير: من ذا الذي قال من علماء الأمة - كلها - بعدم (العقوبة) الدنيوية؟ وكيف ينسب هذا القول إلى سيدنا عمر وقد ثبت عنه عكسه بنقل الأئمة المعتمدين؟! وكيف ينسب للإمامين الثوري والنخعي وهما يقولان بعقوبة السجن المؤبد؟ وكيف ينسبه للاحناف وهم يقولون بالسجن والضرب؟!!

ـــــــــــــــــــــــ

الشبهة الثانية: التلبيس على العوامّ

لقد تبين من التدوينة السابقة أن الباحثين عن النقاش العلمي، هم أندر من الندور، وأن الهوى غلّاب، كما أن بيان "عدم الأمانة في النقل" قد كان كافياً لمن ينشد الحقيقة، ولذلك فسأكتفي بإضافة هذه التدوينة، وأصرف النظر عن الموضوع.

قال المعترض:

(لقد تمسك الترابي –ومثله في ذلك كثيرون- بمنطوق الآيات الناهية عن الإكراه في الدين، فقال: "من ارتد عن دينه فلا إكراه في الدين ولا استتابة" ... ويقول بعد ذلك: كما يراه الترابي ونؤيده فيه)

نقول:

قد اتضح أكثر من مرة أن العلماء المفسرين قالوا أن لا تعارض بين الآية والحديث، فالآية مخصوصة بالكثير من الآيات والأحاديث، ولا تعارض بين العام والخاص.

ولكن أريد الانتباه هنا إلى قوله: (ومثله كثيرون)!!

مَن هؤلاء الكثيرون الذين خرقوا الإجماع؟ غيرك وغير الشذاذ المعاصرين؟! إن هؤلاء الكثيرين إذا كانوا من العوامّ فلا عبرة بهم، وإذا كانوا من العلماء، فإنك قد فتشت في كل التراث الإسلامي، ولم تستطع أن تأتينا بعالم واحد يقول إن المرتد لا عقوبة عليه.

ثم انتبهوا إلى قوله: (فلا إكراه ولا استتابة)! من هذا العالِم المسلم الذي قال بعدم الاستتابة إلا ليطالب بما هو أشد منها، عبر تاريخ الإسلام كله؟!!

إن هذه الفقرة الصغيرة هي نموذج دقيق للتلبيس الذي يفوت على العوامّ، وخصوصاً إذا كانوا من الأتباع الناظرين بعين الرضا والتعصب.

وختاماً؛ أنصح من يفتنُهم زخرف القول، ويخدعهم بريقُ الكلام، أن يهتموا بالتركيز في ما بين السطور حتى لا يُدسّ لهم السم في العسل، وتؤدي بهم النتائج إلى أن يطعنوا في العلماء الراسخين، من الصحابة ومن بعدهم من التابعين، وأئمة الهدى والدين.

نقلا عن صفحة الدكتور محمد الأمين السملالي على فيس بوك

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122