اختراع طبي لداء السكري يثير زوبعة في الجزائر (تفاصيل)

2016-12-27 17:57:00

"رحمة ربي" هو اسم منتج جزائري رُوج له في البداية على أنه دواء يشفي نهائيا من مرض السكري المزمن، وانتهى به المطاف كمكمل غدائي ثم سحبته السلطات من التداول، ورافقه طيلة هذه المسيرة جدل كبير وهستيريا في الأسواق الصحية في البلاد.

.

وسحبت السلطات الجزائرية، في 7 ديسمبر/كانون الأول الجاري، هذا المكمل الغذائي  المعروف اختصارا بـ(RHB) من الصيدليات بعد أن شرع في تسويقه في 24 نوفمبر/تشرين الثاني على أساس أنه يداوي مرض السكري المزمن.

وقالت وزارة التجارة الجزائرية، عبر بيان اطلعت عليه الأناضول، إنها "تحذر المواطنين من مكمل غذائي يتم تسويقه في الصيدليات، يقدم على أساس تقليص مضاعفات مرض السكري المزمن، بعد أن تم تطويره وإنتاجه بمحافظة قسنطينة" شرقي البلاد.

وذكر البيان أن "مصالح مراقبة النوعية وقمع الغش لوزارة التجارة وكإجراء وقائي، باشرت سحب هذا المنتج وأخذ عينات لتحليلها والتحقق من مطابقتها للمعايير".

وأضاف أن "مصالح وزارة التجارة تعلم الصيادلة وبقية التجار أن تسويق هذا المنتج قبل الحصول على نتائج التحاليل ستعرضهم لعقوبات إدارية وجزائية".

وأكد توفيق زعيبط، مخترع هذا المكمل، خلال مناظرة تلفزيونية الشهر الجاري، جمعته برئيس عمادة (نقابة) الأطباء الجزائريين بقاط بركاني، أنه "قدم العينات والمكونات الخاصة بهذا المنتج لوزارة الصحة".

وذكر المتحدث في المناظرة التي بثتها قناة الشروق نيوز (خاصة) أن منتجه "تم تحليله من طرف المخابر المعتمدة في الجزائر؛ ومنها مخبر باستور الحكومي، ولم يعثر به على أي مواد كيماوية أو جزيئات ضارة".

ووفق زعيبط، فإنه "اتبع الإجراءات القانونية المعمول بها في المجال التجاري، بعد أن وجهته مصالح وزارة الصحة نحو وزارة التجارة لتسويق هذا المركب الدوائي".

وعلق على منتجه بالقول "المكمل الغذائي كانت له نتائج جيدة بشهادة من استهلكوه".

وأضاف "كل هذه الضجة والدعاية المضادة يراد منها رأسي وليس أمور أخرى".

وتابع "استهلاك المكمل الغذائي يجب أن يرافقه مواصلة استشارة الطبيب المعالج للمريض".

وانطلقت قصة هذا المنتج المثير للجدل بعد عرض قناة الشروق نيوز لتحقيق مع أحد الباحثين الجزائريين يسمى توفيق زعيبط، بمدينة قسنطينة شرقي البلاد، منتصف فبراير/شباط 2016، يزعم فيه توصله لاختراع دواء لمرض السكري.

ويقدم زعيبط، نفسه لوسائل الإعلام الجزائرية، على أنه باحث في الطب ومخترع منذ 2001، وخاصة في الأمراض المزمنة العضوية والجلدية.

وحاولت الحكومة الجزائرية تبني الفكرة، حيث استقبل وزير الصحة الجزائري عبد المالك بوضياف، الباحث زعيبط ، في 19 فبراير/شباط الماضي.

وخلال الاستقبال، أفاد بوضياف بأن "الوزارة أخذت عينة من أدوية هذا الباحث، وستخضعها لإجراءات علمية للتحقق منها، وعرضها لرقابة المخابر والخبراء المختصين في البلاد".

وظهرت حالة من الهستيريا في الجزائر بعد أن انتشر الخبر في انتظار الشروع رسميا في تسويق هذا الدواء، الذي أطلق عليه صاحبه تسمية "رحمة ربي"، ورمز له بالحروف اللاتينية "RHB".

وتحصي الجزائر أكثر من 4 مليون مصاب بداء السكري، ما يشكل نحو 12% من العدد الإجمالي للسكان ( نحو 40 مليون نسمة) حسب الإحصائيات الرسمية لوزارة الصحة.

وعرفت مدينة قسنطينة شرقي البلاد، تهافتا غير مسبوق للمواطنين وخاصة المصابين بالسكر، قدموا من مختلف أنحاء البلاد بغية الظفر بهذا المنتج.

وتشكلت طوابير طويلة أمام الصيدليات التي شرعت في التسويق، في 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وتم تداول الصور على نطاق واسع في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي.

وشرعت عديد الصيدليات في الجزائر في تسويق منتج "رحمة ربي"، وخصوصا في مدن شرق البلاد، وحدد له سعر ألف و700 دينار (16 دولارا تقريبا).

وفي السياق أفاد رئيس عمادة الأطباء الجزائريين (نقابة) بقاط بركاني، لـ"الأناضول" أن "الأمر لا يعدو أن يكون مكملا غذائيا"، داعيا السلطات الرسمية للتدخل ووضع حد لهذا الغش.

وقال بركاني: "هذا شخص اخترع ما يسمى بمكمل غذائي لمرض السكري".

وأضاف: "في البداية أراد تسويقه كدواء، لكنه تراجع لاحقا وقال إنه مكمل غذائي".

وحسب المتحدث فإن "استقبال هذا الشخص من طرف وزير الصحة جعل المواطنين يصدقون ويعتبرون ذلك اعترافا عليما بهذه المادة".

وأوضح بركاني، أن "عمادة الأطباء تدخلت وقالت حينها: إن أي دواء يجب أن يخضع لقوانين وضوابط صارمة، وإلزامية مروره بعدة مراحل".

وأشار محدثنا إلى أن "الوضعية الهستيرية تفاقمت أكثر خاصة مع التناول الإعلامي الكبير للقضية، خصوصا في الشرق الجزائري مع تولد نوع من الأمل للمصابين بهذا الداء".

وحمل بركاني الدولة بمختلف مكوناتها مسؤولية الوصول لهذه الوضعية.

وقال: "الدولة ككل لم تتمكن من التحكم في الوضعية وتكذيبها.. وزارة الصحة مسؤولة في هذا الأمر".

وأضاف: "حذرنا الناس والمرضى وأهاليهم بعدم الانسياق في هذه المناورة وضرورة اتباع نصائح الأطباء المعالجين".

وواصل: "اتخذنا موقفا، وأكدنا أن هذا الأمر يعتبر غش من طرف هذا الإنسان، ولكن الحكومة لم تتحرك لا محليا ولا وطنيا".

وشبه نقيب عمادة الأطباء هذه الوضعية بتلك المتعارف عليها في الأسواق الشعبية في الجزائر، أين تجد معالجين ومشعوذين يدعون القدرة على معالجة كل الأمراض.

ويجزم بركاني بأنه "لم يسمع في حياته المهنية الطبية بمكمل غذائي لمرض السكري، وهذا دليل حسبه على أن هذا كذب ولا علاقة له بالعلم".

وبالنسبة لعمادة الأطباء، يؤكد بركاني، أن "هذا المنتج لا يدخل في إطار طبي علمي، وهو خرق للنظام العمومي".

وتساءل "ما هي تركيبة هذه المادة؟ كيف تم منح الترخيص لتسويقها؟".

وتابع: "الأدوية في المخابر العالمية الكبرى تستغرق على الأقل 10 سنوات، وتمر بمراحل واختبارات".

وختم بالقول: "هذه ليست قضية طبية وعلى وزارة الصحة والداخلية والتجارة التدخل".

من جهته، دعا رئيس النقابة الجزائرية للصيادلة الخواص مسعود بلعمبري، السلطات العمومية للتدخل وإعطاء التوضيحات وإزالة هذا الغموض.

وأوضح مسعود بلعمبري، للأناضول، أن "النقابة لا تهاجم لا المنتوج ولا صاحبه بل تدعو الدولة للتدخل".

وذكر في هذا الإطار: "إذا منحوه ترخيص التسويق فليوضحوا ذلك لإزالة الالتباس".

واعتبر بلعمبري أن "صاحب المنتج تراجع، وقال إنه مكمل غذائي وليس دواء".

وتابع: "كل صيدلي يسوقه يجب أن يتحمل مسؤوليته في ذلك".

أما الفيدرالية الجزائرية لجمعيات مرضى السكري، فترى أن "الأمر يتعلق بمكمل غذائي باعتراف من صاحب هذا المنتج".

وأفاد توفيق بوستة، رئيس الفيدرالية، للأناضول، أن "توفيق زعيبط، روج لمنتجه في أول وهلة له كدواء، لكن بعد تدخل الجمعيات والأطباء تراجع المعني عن أقواله".

وقال: "نحن طرحنا سؤال للأطباء وهل في يوم ما الخلايا المسؤولة عن إنتاج الأنسولين في الجسم بيتا يمكن أن تعود للحياة بعد موتها وتنتج الأنسولين؟".

وتابع: "الأطباء والمختصون أجابوا بكلمة واحدة.. هذا مستحيل".

وأضاف بوستة: "حتى المكمل الغذائي يجب أن يكون خاضعا لرقابة المخبر الوطني لمراقبة الأدوية".

وأكد أن "أي دواء لا يُعتمد من طرف وزارة الصحة ولا يراقب من طرف المخبر المخول ويمر بالمراحل اللازمة فيجب تجنبه".

وحسب بوستة، فإن "هذا المنتج مكمل غذائي، وقبل تناوله من طرف المصابين بالسكري يجب عليهم مراجعة الطبيب المعالج".

وأوضح رئيس جمعيات مرضى السكري أن المنتج يحتوي على مادة "أوميغا" وبروتينات وإحدى الأعشاب الطبية المحلية.

وشدد على أن "الفيدرالية ضد أي علاج لداء السكري بالأعشاب الطبية؛ لأنه مرض عضوي ولا يجب مداواته بأعشاب طبية".

ويرى بوستة، أن "المختصين والمرضى لا يعرفون إلى اليوم، مدى وجود مضاعفات لتناول هذا المكمل الغذائي".

 

وكالات

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122