نص محاضرة حنفي ولد الدهاه حول الطريقة التجانية (الحلقة 1)

2015-04-23 16:32:00

بسم الله الرحمن الرحيم ...اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق والخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق والهادي إلى صراطك المستقيم وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم.

.

عنوان المحاضرة:العلاقات الروحية بين المغرب وموريتانيا ؛ (التجانية نموذجا)

إن العلاقات الروحية والثقافية مع ما كان يعرف في السابق بالمغرب الأقصى قديمة ومترسخة ومتعددة الأبعاد. وليس البعد الروحي أقلها شأنا فمن المعروف تاريخيا أن بلاد ما بات يعرف الآن بالمملكة المغربية ظلت رافدا مستمر العطاء فأغلب الطرق الصوفية وصلت إلى بلادنا هذه من جهتها ـ كـالشاذلية وفروعها؛ الزروقية والناصرية والجزولية وبعض أسانيد الطريقة القادرية ... إلخ

غير أن الطريقة التيجانية وصلت إلينا من بلاد المغرب الأقصى لتكون هذه الحلقة مصدرا لنشرها جنوب الصحراء بل في عموم الحزام البشري الواقع في الساحل الإفريقي، وهذه خصوصية للتيجانية في موريتانيا أعطتها أهمية تاريخية واجتماعية خاصة.

فالطريقة التيجانية الآن تمثل إحدى الطرق الكبرى في العالم الإسلامي من حيث عدد المعتنقين ومن حيث قوة الأثر في الواقع الاجتماعي للشعوب.

وسميت هذه الطريقة بالتجانية نسبة إلى الشيخ الإمام العارف الرباني سيدي أبي العباس أحمد بن محمد التجاني رضي الله عنه وأرضاه؛ الذي جاء في أساليب الدلالة على الله بما لم يسبق إليه، وأتى في مسالك التربية والترقية بما لم يعرج أحد عليه، لبلوغه رضي الله عنه وأرضاه أقصى درجات الكمال في الجمع بين العلم والحال، والهمة والمقال، فأسست طريقته على تقوى من الله ورضوان ،وشيدت من العلمين الظاهر والباطن على أقوم القواعد والأركان. ومدار دلالته رضي الله عنه على كمال تعلق القلب بالله تعالى وعلى ما يوصل إليه، وكلامه في رسائله وأجوبته طافح من ذالك بما يبهر العقول. ؛ فالشيخ سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه وإن كان جزائري المولد فإنه مغربي الأصل[1] والدار والخيار.

وإعطاؤكم ترجمة لهذا الشيخ الجليل رضي الله عنه يبدو من باب استبضاع التمر إلى أرض هجر؛ وترجماته كثيرة ومستفيضة سواء في طبقات الفقهاء أو في طبقات مشايخ التصوف. ولكن لابد أن أنبه إلى أنه لم يتأخر عنه أحد أوعاصره إلا وترجم له.

 

دخول الطريقة التجانية إلى بلاد شنقيط

        اتصل بالشيخ سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه بفاس مطلع القرن الثالث عشر الهجري خمسة من الشناقطة نشروا هذه الطريقة  بدرجات متفاوتة، ولقد انجر عن ذلك أن أصبحت هذه الطريقة في أواخر القرن الثالث عشر ضاربة بجرانها في عموم هذه البلاد ثم ما إن انتصف القرن الرابع عشر حتى أضحت أهم طريقة صوفية تنتظم الناس من حيث الكم والكيف.

وهؤلاء الرجال الخمسة هم:

1-العالم العلامة أبوزيد سيدي عبد الرحمن الشنقيطي:

قال عنه سيدي العربي بن السائح : كان إماما جليلا في سائر العلوم وكان يدرس بفاس العليا وكان جميع نجباء وقته يسيرون من فاس الإدريسية على أرجلهم لحضور مجلسه وتخرج على يده جماعة حسبما هو مصرح به في بعض الفهارس توفي رحمه الله سنة 1224هـ ودفن بفاس العليا . [2]

2- احمد سالم بن الإمام الوداني:

قال عنه سيدي أحمد سكيرج [3]ومنهم العالم العامل والعارف الواصل أبوالعباس احمد سالم الوداني.:" أخذعن الشيخ صحبة أخيه السالك الآتي الذكر وترافقا إلى الحج وتوفي صاحب الترجمة بالحرم الشريف ورجع أخوه إلى ودان.

وهو صاحب الأبيات التي مطلعها :

إلى أحمد التجاني وجهت رغبتي              وما ضاق من أمري وما قل من صبري[4]

 3- السالك بن الإمام الوداني: ستأتي ترجمته.

4- الطالب جدوالعلوي:

      قال عنه العلامة سيدي أحمد سكيرج في كشف الحجاب :العالم الذي ضربت أكباد الإبل لاقتباس الأنوار من مشكاته وشاعت في جميع الأقطار في زمانه فضائله الدالة على علو مقامه الجهبذ الكبير والقدوة الشهير قاضي شنقيط وإمامها..........[5]

قال عنه في المنية:

والعلوي حبر شنقيط العلم               الطالب العلامة البحر الخضم.

لم أعثر على ذكر لتاريخ وفاته عند جميع من تر جم له لكنه مدفون في شنقيط وقبره معروف وقدزرته مرارا لله الحمد. ويذكر له سند في نيجريا.

5-الشيخ محمد الحافظ بن المختار لحبيب العلوي :

 وهو الذي تم الانتشار الفعلي للطريقة التجانية على يده وستأتي ترجمته.

        وقد ذكرت بعض المراجع رجلا سادسا اسمه عثمان الفلاني ولكن خبره لم يتأكد عندنا. ولعل الذي ذكره من تلامذة الشيخ التبس عليه مع آخر يدعى عثمان الفلاني وهو من تلامذة الشيخ محمد الحافظ.

وقد استقبل أهل بلاد شنقيط بحفاوة بالغة الطريقة الجديدة فاعتنقها الكثير منهم ووجدوا فيها غذاءهم الروحي وضالتهم المنشودة، فألفوا فيها الكتب ونظموا القصائد في مختلف البحور، وكانت لهم معها صولات وجولات حتى تسمت في مدينة ولاته التاريخية بطريقة العلماء، إذ لم يكن يأخذها من أهل هذه المدينة إلا من بلغ مرحلة متقدمة من العلم.

وظلت الصلات بفاس والذهاب إليها للزيارة واعتبارها مرجعية روحية تتملك نفوس منتسبي هذه الطريقة ؛فكان كل من قصد منهم الحج لا بد أن يمر بفاس ذهابا أو إيابا أوهما معا ولهذا قال بول مارتي في كلامه على الطريقة التجانية إن المنتسبين لها من أهل موريتانيا يعتقدون أن المرور بمدينة فاس ركن من أركان الحج ؛ وقد وثق أعلام من أهل الطريقة تعلقهم بفاس؛ فقال العلامة محمدي بن سيدي عبد الله المعروف ببدي في قصيدة طويلة له يمدح بها الشيخ سيدي أحمد التيجاني قال:

سار عنها إذا ويمم فاسا    فأضاءت له دياجي الدجون

حق في أهل فاس إذ ذاك بيت    وقليل له سواد العيون

يا لفاس وحبذا أرض فاس     ولفاس تشوقي وحنيني

قام فيها أزكى المقام ليهدي     بهدى المصطفى الرسول الأمين

نفث الدر واليواقيت فيه       من فيوضات بحره المشحون

غبط القلبُ تربةً ضمنتهُ      يا لشيخ بأرض فاس دفين

و كذلك يقول القاضي والعلامة سيدي محمد بن آب رحمه الله في التشوق إلى زيارة الشيخ التجاني رضي الله عنه:

حبوا على البطن أو مشيا على الرأس     أمضي إلى مجمع الأنوار في فاس

أعفر الخد في تلك المعاهد لا            من بانقوســــــــــا وباتلا وبطياس

تلك الزيارة أرجوها وكنت بها         حيران أضرب أخماسا بأسداس

 على سأرجع مغفور الذنوب           ومســـــــــــــــــتور العيوب وراج بعد إياس

ولو تتبعنا ما سطره فحول الشعراء التجانيين في التغني بخصال الشيخ سيدي أحمد التجاني والتشوق لزيارته لما كفتنا الدواوين ولا المجلدات.

وفي المقابل فقد أخذ علماء ومشايخ مغاربة أسانيد في الطريقة التجانية عن رجال من الشناقطة وافتخروا بأخذهم عنهم ومن أمثلة ذلك ما وقع لأبي المواهب سيدي العربي بن السائح قدس الله سره فقد ذكر عن نفسه أنه أخذ عن فريد عصره ووحيد دهره الشيخ عبيدة بن محمد الصغير التيشيتي المعروف بـ:"ابن امبوجة" رضي الله عنه.

قال رضي الله عنه في إجازة كتبها بخط يده للعلامة الأوحد السيد بلقاسم بن سيدي محمد بن قاسم بصري ما نصه :"الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد نبيه ورسوله الصادق الأمين وعلى آله الطاهرين وصحابته الأكرمين وبعد:

فإني أستخير الله تعالى بعلمه وأستقدره بقدرته وأقول مستعينا بحوله وقوته ومستندا إلى فضله ومنته:

قد أجزت في تلقين ورد شيخنا الشيخ الأكبر الخاتم المحمدي الأشهر القطب المكتوم والبرزخ المختوم مولانا أبي العباس التجاني الحسني رضي الله عنه وأرضاه للسيد الأسمى والدرة النفيسة العصماء الفقيه النبيه الزكي النزيه المقدم سيدي بلقاسم نجل سيدنا العلامة المقدم المقدس بالله سيدي محمد بن قاسم بصري المكناسي لكل من رغب إليه فيه وطلبه منه من المومنين والمؤمنات طائعا أو عاصيا صغيرا أو كبيرا حرا أو عبدا بعد قبوله الشروط المشروطة فيه المقررة لدى أهله وذويه و آكدها المحافظة على الصلوات المفروضة وإيقاعها في الجماعة إن كان الإمام يستكمل الطمأنينة في الركوع والسجود ويتم جميع الأركان على الحد المحدود في ذلك شرعا مع المحافظة على تكميل الطهارة كذلك ثم التفرد به فلا يجمعه مع ورد من أوراد المشايخ أصلا ثم ترك زيارة التعلق والاستمداد لكل حي أو ميت مع تعظيم الكل ومحبة الكل واحترام الكل بقدر الإمكان وعليه بتقوى الله العظيم وسلوك طريق الرفق والتيسير في معاملة إخوانه وكل ما يأمرهم به أو ينهاهم عنه على حد ما هو مصرح به في رسائل الشيخ ووصاياه رضي الله عنه وأرضاه؛ وقد جعلت له أن يقدم لتلقين الورد من يظهر له إن احتيج لذلك لبعد مسافة أو نحو ذلك، بشرط الأهلية في ذلك على الحد المعروف والسنن المألوف وهذا كله بما من الله به وانتهى إلينا بالأسانيد الصحيحة عن شيخنا رضي الله عنه وخصوصا السند الحافظي فقد أجازنا به الشيخ الجليل ترجمان الحقائق ولسان اللطائف والرقائق العارف بالله سيدي عبيدة بن محمد الصغير التيشيتي مؤلف كتاب ميزاب الرحمة الربانية وغيره فيما كتبه لنا بخط يمينه وهو عندنا الآن عن أخيه الشيخ الإمام سيدي محمد بن محمد الصغير مؤلف الجيش الكبير وهو عن الشيخ الجليل العلامة المحقق سيدي بانم وهو عن الولي الصالح سيدي مولود فال عن الشيخ الكبير ذي القدر الخطير أحد ورثة شيخنا وخلائفه رضي الله عنهم أجمعين سيدي محمد الحافظ الشنقيطي رضي الله تعالى عنه .

وقدمت هذا السند تبعا لسيدي عبيدة رحمه الله رعيا لتقديم العلو المعنوي في السند على العلو الحسي فإن كل واحد من رجال هذا السند عالم فاضل ولي بلا شك وإلا فسيدي عبيدة أخذ عن سيدي محمد الحافظ بلا واسطة فذكره للوسائط لكثرة من فيهم من الأعلام نفعنا الله بهم وأعاد علينا من بركاتهم، والسلام على كل من يقف عليه من الإخوان طالبا من جميعهم التفضل بدوام الدعاء لنا بصالح الحال وحسن المآل ختم الله لجميعنا بالحسنى آمين وصلى الله على سيدنا محمد الأمين والحمد لله رب العالمين وقاله وقيده في الثالث والعشرين جمادى الثانية عام 1296 هـ عبد ربه سبحانه وتعالى العربي بن السائح لطف الله به اهـ[6]

ومما هو في هذا المعنى ما وقع بين الشيخ محمد الأمين بن أحمد بدي والفقيه الشريف سيدي محمد بن محمد الحجوجي الحسني حيث نقل العلامة الحجوجي في كتابه نيل المراد في معرفة رجال الإسناد أنه كتب إلى الشيخ محمد الأمين بن بدي يطلب منه الإجازة في الطريقة [7] وهذا نص الرسالة:

يا ابن الكرام ومن حوى دررا علت      وسمت مراتبه على السرطان

بالمصطفى جد لي بفضلك سيدي        علي أفوز بمنـــــحة الرحمان

جد سيدي بإجازة محـــــــــفوفة          موصولة بلطــــائف العرفان

مطروزة لم يحك فرد وشيــــها           منظومة كجـــــواهر التيجان ...الخ

وكتب الشيخ محمد الأمين بن بدي في جواب هذه الرسالة بخط يده ما نصه:

الحمد لله وحده وصلى الله على من لا نبي بعده وبعد: فإني أجزت الشريف ابن الشريف إلى ما لا نهاية البالغ في كل فن الغاية الجامع بين الشريعة والحقيقة ؛ أيد الله به هذه الطريقة، صاحبي وخليلي ذي الود الممزوج بقلبي سيدي محمد الملقب بالحجوجي أقر الله به عين أهل وده وأرغم به أنوف أهل حسده، في إعطاء طريقتنا التجانية، وإن كان هو أولى بأن يفعل لي، إلا أنه جرت عادة ساداتنا  المثلى بإجازة المفضول للفاضل ، وإن كان غير مشارك له فأحرى المماثل، كتبه العبد الفقير إلى ربه ، المشفق من كثرة ذنبه محمد الأمين بن أحمد بن محمدٍ العلوي الشنقيطي يوم الاثنين 19 جمادى الأولى عام 1325 هـ

المآخذ التي يراها البعض على الطريقة التيجانية:

رغم انتشار هذه الطريقة المتسع وما تحمله من تعاليم روحية عميقة فقد أثارت بعض المسائل فيها أسئلة من بعض العلماء سرعان ما تطورت إلى مساجلات علمية استمرت طيلة القرنين الماضيين. ولقد تكونت من ردود التجانيين على المنكرين مادة علمية ضخمة و مهمة.

ولاشك أن أغلب العلماء قد سالمها وإن لم يأخذوها لم ينكروا على الآخذين لها. من هؤلاء
"شيخ الإسلام حرمة بن عبد الجليل والعلامة محمد مولود بن احمد الجواد مما حدا بالعلامة الشاعر الكبير سيدي عبد الله بن أحمد بن دامو الحسني مريد الشيخ سيديا؛ أن يفحم من أنكر عليها بإقرار هذين الشيخين بالسكوت لأنهما لا ينبغي لهما أن يقرا أحدا على باطل وفي ذالك يقول:

إن أمرا قد أحجم الحبر عنه           نجل عبد الجليل وابنُ الجواد

لجدير ان لا     تكر    عليه.          كيف كر البغال بعد الجياد؟

كما أن هناك علماء من غير أصحاب هذه الطريقة دافعوا عنها وعن شيخها كالشيخ أحمدو بمبا مؤسس الطريقة المريدية، والشيخ سيدي المختار بن عبد الجليل وهو أحد مشايخ الطريقة القادرية،والشيخ محمد سالم بن المختار بن آلما وهو أحد مشايخ الطريقة الناصرية الشاذلية الذي يقول:

مالي بسطوة أحمد التجاني      حتى أكذب ما يقول يدان

أنى أكذب طود علم شامخا      ظهرت كرامته بهي الشان

إلى أن يقول:

شيخ إمام كامل متيقن            حاو علوم الفتح والعرفان

 

أسانيد الطريقة التيجانية:

 وسنعتمد فيها الترتيب التاريخي بحسب تاريخ الوفاة.

1ـ السند الواداني:

نسبة إلى العالم العامل السالك بن الإمام الواداني، قال عنه التيجاني بن بابه في منية المريد

وكم   إمام   عالم     علامه                 نقادة    دراكة     فهامه

من ورد شيخنا الإمام قد ورد                حتى  تضلع  وفاز  بالمدد

كترجمان  العلم  و   القرءان                السالك  العلامة   الوداني

      توفي رحمه الله سنة 1245هـ ودفن بودان. وما زال سنده قائما لحد الساعة فقد أخذ عنه أحمد طهرا (سوفه) وهذا أخذ عنه الشريف محمد مختار (خاي) وعن هذا أخذ جماعة من بينهم تيرنو هامي بابا (تيلون) وعن هذا أخذ جماعة من بينهم تيرنو ممد بوكر كان في كيهيدي.

راجع في ترجمته: المجموعة الكبرى الشاملة 2/93 ترجمة 236.

 

2ـ السند الحافظي:

نسبة إلى العالم العامل والولي الكامل والعارف الواصل ذي المعرفة والتمكين. والرسوخ فى مقامات اليقين المربى بحاله وهمته الموصل إلى الله تعالى بلحظته الجامع بين الشريعة والحقيقة.الشيخ محمد الحافظ بن المختار بن احبيب  العلوي.

لم تحدد لنا المصادر تاريخ ميلاده لكن النقش الموجود عند ضريحه ذكر فيه أنه عاش73سنة وقد أجمعت المصادر أنه توفي سنة 1247هـ وعليه يكون تاريخ ميلاده سنة1174هـ. كما لم تذكر المصادر كذالك مكان ميلاده والأرجح عندنا أن يكون فى معاقل قبيلة تاشدبيت جنوب ولاية اترارزة. فجدته التاشدبيتية هي التى تولت تربيته. وقد ذكر العلامة محمدى بن سيدي  عبد الله الملقب بدى  فى نزهة المستمع واللآفظ فى مناقب الشيخ محمد الحافظ أنه قام لهذه الجدة مقام الأبناء والآباء.كما ذكر أن الأرض التى حبس فيها الشيخ محمد الحافظ نفسه على جدته كانت وخيمة كثيرة الأمراض وهي أرض الكبلة ووالده وإخوته بالساحل وفيه ماشئت من دين ودنيا.

وقد ذكر بدي بن سيدينا في كتابه الآنف الذكر أن سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم نظم منظومته في الأصول (مراقي السعود) في لوح الشيخ محمد الحافظ ، ولعل هذا من الأسباب التي كتب الله بها القبول لهذه المنظومة إضافة إلى إخلاص نية صاحبها وصلاحه فما اختار لوح الشيخ محمد الحافظ إلا لأمر.

وبعد عشر سنوات قضاها مع شيخه سيدي عبد الله بن الحاج ابراهيم بتكانت ارتحل الشيخ محمد الحافظ بنية الحج والبحث عن شيخ تربية ـ قيل إن ذالك تم بأمرمن سيدي عبد الله بن الحاج ابراهيم ـ فقادته العناية الربانية والقسمة الأزلية إلى قطب الأولياء وختم الأصفياء صاحب السر المصون والعلم المكنون سيدى احمد التجانى رضي الله عنه فصحبه ثلاث سنين حضر خلالها الإملاءات الأخيرة لجواهر المعانى. ونال مكانة سامية وعناية فائقة من شيخه، فقد أمه في الصلاة، وشهد له بأنه من أهل المقامات.

وبعد أن أروى ظمأه وملأ أوعيته وجرابه مما حبا الله به شيخه من علوم وأسرار وأنوار وفيوضات أذن له فى الرجوع إلى بلاده وأجازه، لكن المريد طلب من شيخه أن يوصيه.فقال له:لاتظهر حتى يظهرك الله. وعندما غادره قال الشيخ سيدي أحمد التجاني للحضور: وما محمد الحافظ إلا مزنة أرسلها الله إلى أهل المغرب.

        وبعد رجوع الشيخ محمد الحافظ إلى عشيرته اجتهد في تطبيق وصية شيخه فبالغ في التكتم على أمره ولم يظهر للناس إلا ما هو فيه من التبحر في العلم الظاهر، ولذا انكب عليه طلبة العلم من أبناء عشيرته ينهلون من معينه.

وقد استمر على تلك الحال حتى قدم عليه أحد الشيوخ الأجلاء،والأرجح أنه محمذن بن ببانا وقيل هو يوسف بن المختار، فأجله الشيخ محمد الحافظ وقام له عن فراشه ولكن الشيخ القادم رفض الجلوس على الفراش وقال للشيخ محمد الحافظ: أتدرى الذي جاء بي إليك ؟قال له الشيخ محمد الحافظ لا.  فقال محمذن بن ببانا جئتك أريد أن تعطيني من الأمانة التى قدمت بها من الشمال .فأجابه الشيخ محمد الحافظ لقد قدمت ببعض الكتب وبشيء من ماء زمزم وكل ما تريد من ذالك فهو لك. فقال له محمذن دعنى من كل ذالك إنما جئتك أريد ورد سيدى أحمد التجانى. فعلم الشيخ محمد الحافظ أن الله عز وجل قد أذن للطريقة التجانية في الظهور على يده في هذه البلاد، فلقنه وردالشيخ سيدى أحمد التجانى ،ومباشرة بعد هذه الحادثة بدأ ورد التجانية ينتشر فلم يبت أهل بيت من ذالك الحي تلك الليلة إلاوفيهم من يتلو صلاة الفاتح. وبهذا الشكل شاع خبر الطريقة الجديدة وانتشرت أورادها في أسرع ما يكون كانتشار النار في الهشيم.

وكان ممن أخذ عنه في هذا المجلس أوقريبا منه الولي الصالح صاحب الكرامات والخوارق العابد الناسك سيدي محمد الحنفي بن العباس حرازمي السند الحافظي الذي قال عنه الشيخ محمد الحافظ إنه لاتصل منفعة منه لأحد إلا بواسطته كما ذكر أحمد بن محم في كتابه روض شمائل أهل الحقيقة في التعريف بأكابر الطريقة.

وكان من أوائل من أخذ عنه كذالك خليفته وصهره حسان الطريقة محمدي بن سيدي عبد الله الملقب "بدي"الذي قال عنه سيدي العربي بن السائح في البغية: العلامة الأوحد الفاضل الأمجد أبو عبد الله سيدي محمدي الملقب بالخليفة لقيامه بالخلافة في إعطاء الطريقة بعد وفاة شيخه سيدي محمد الحافظ رضي الله عنه وله خمسة آباء متتابعين كل واحد منهم يعد من أعلم أهل زمانه.اهـ

ولقد واجه المنكرين أقوى مواجهة فأدحض شبههم وفندها وبين بطلانها ومدح الشيخ محمد الحافظ بقصائد كثيرة بين فيها الكثير من أحواله وخصوصياته ، وبلغت الطريقة في فترة خلافته أوج ازدهارها ثم تنازل لابن شيخه الشيخ أحمدو بن الشيخ محمد الحافظ عن الخلافة عندما رآه  أهلا لها وقال في ذالك قولته المشهورة هانحن نرد الخير إلى مصدره.   

وجاء الولي الصالح الذي تضرب بولايته الأمثال الناسك الفاضل سيدى مولود فال اليعقوبى ليعطى لهذا الإنتشار بعدا أوسع، فأخذ بدوره الطريقة عن الشيخ محمد الحافظ وقدمه فيها وتزوج أخته.

وكان سيدى مولود فال صاحب تجوال وعلاقات واسعة جعلته يعد من أبرز الناشرين لهذه الطريقة جنوب النهر وفي بلاد السودان.

ففى أحد أسفاره تلك إلى فوتا تورو التقى بالسيد عبد الكريم الناقل وأعطاه الورد وقد أعطى هذا الأخير الورد بدوره للشيخ عمر الفوتى كما نص على ذلك الشيخ عمر الفوتى نفسه في كتابه الرماح. وعن طريق هذا الأخير انتشرت الطريقة في عموم غرب إفريقيا .

ولم يقتصر نشر سيدى مولود فال للطريقة التجانية على دول الجوار فحسب بل تعداها إلى نيجيريا والسودان والحجاز .

 

يتواصل....

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122