أعجبتني مقابلة البودكاست التي أجراها الصحفي المتميز الشيخ محمد حرمه مع الضابط المتقاعد المختار ولد السالك، والذي بدا لي من خلال أحاديثه وردوده في ذلك البودكاست رجلا شهماً وصادقاً وغير ميال للمراوغة والمناورة، خاصةً في الشق العسكري من حديثه. وقد أشار السيد المختار إلى نقطة لفتت انتباهي بشدة، وهي تقع على التخوم بين الشقين السياسي والعسكري، حين ألمح إلى أن شقيقَه المرحوم الرائد جدو ولد السالك كان ينوي القيام بانقلاب عسكري بعد أن تخلص منه رفاقُه وشركاؤه في انقلاب العاشر من يوليو، قائلا إن تدبير انقلاب «لا يكلِّفه شيئاً». وأعتقد أنه في هذه، أي حصول النية على الأقل، كان صادقاً، إذ سبق أن قرأتُ للمحامي محمدن ولد الشدو، قبل سنوات من الآن، مقالا مناقبياً حول المرحوم جدو ولد السالك، يذكر فيه أنه زار جدو الذي كان ما يزال في «أسبوع» زواجه، فخرج إليه وهو يلف لثامَ «النيلة» حول عنقه ويمسك كُمَّيْ الدراعة أسفل خاصرته، فحدَّثه بغضب عن رفاقه العسكريين في الانقلاب قائلا إنهم تآمروا عليه وإنه لن يتركهم يناموا مرتاحين في مضاجعهم.
كنتُ أتوقع من السيد المختار ولد السالك، بحكم موقعه وعلاقاته في ذلك الوقت، أن يشرح لنا الأسباب الحقيقية للخلاف الذي تفجّر بين رفاق العاشر من يوليو، وهل كانت متعلقةً بالأهداف الثلاث المعلنة للانقلاب نفسه، أي إنهاء الحرب وإصلاح الاقتصاد والإدارة وإرساء النظام الديمقراطي، أم كانت تتعلق بالصراع على المناصب والحصص والمغانم؟
نعلم أن المرحوم جدو كان مصراً على تولي قيادة الأركان، وهو أمر رفضه معظم القادة العسكريين، وعلى رأسهم المصطفى ولد محمد السالك نفسه، ومعه محمد خونه ولد هيدالة وأحمدو ولد عبدالله. وأمام ذلك الرفض قَبِل المرحوم جدو، بدلا من قيادة الأركان، أن يتولى وزارةَ الداخلية. وفي الأثناء تكوّنت جبهتان داخل اللجنة العسكرية؛ جبهة المصطفى وجبهة هيدالة، كانتا متفقتين على شيء واحد هو ضرورة التخلص من الرائد جدو في أقرب وقت ممكن. وهذا ما حدث بالفعل قبل أن يصعد إلى المسرح ضابطٌ آخر من الكارهين لجدو، ألا وهو المرحوم المقدم أحمد ولد بوسيف الذي سيقوم، بعد ثلاثة أشهر فقط من إبعاد جدو، بانقلاب أبيض يحوِّل فيه المصطفى إلى رئيس بروتوكولي بلا صلاحيات. وسيبذل ولد بوسيف جهوداً لإخراج البلد من الورطة التي أصبح فيها بسبب التناحرات العشوائية وفقدان الرؤية لدى جماعة 10 يوليو، أي حالة التخبط الشامل التي يصفها، وبكثير من الدقة والتفصيل، الدبلوماسي الدولي أحمدو ولد عبدالله في مذكراته، وكان وزيراً للخارجية في تلك الظروف المرتبكة.
والسؤال الآخر الذي كان يُنتظر من السيد المختار ولد السالك أن يجيب عليه: ماذا تحقق في وزارة الداخلية خلال فترة نصف عام التي أمضاها عليها الرائد جدو، لاسيما في مجالي الحوْكمة والتعريب؟ وهل حاول اتخاذ إجراءات ثورية راديكالية لتعريبها وتطهيرها من المحسوبية والزبونية والرشوة وإساءة استخدام المال العام؟ وما الذي منعه، كوزير للداخلية، من تقديم خطط وبرامج فورية لتبني نظام التعددية الحزبية في حينه دون تسويف ولا تأخير، طالما أن العمل على إنهاء نظام الأحادية الحزبية وقطع دابره هو الدافع الأول لانقلاب العاشر من يوليو؟