لمن لا يعرف الدكتور سلام فياض من القراء، فهو رئيس وزراء سابق لحكومة السلطة الفلسطينية،، وفي مقاله المنشور أول أمس بتاريخ ٢٨ اكتوبر، ذكر أنه، يعيد طرح رؤيته في هذا المقال، لإصلاح السلطة الفلسطينية، كما اقترحها سابقا في مقال نشره سنة٢٠١٤م.وقد يتساءل القراء عن الرؤية التي أصر الدكتور على طرحها مرة أخرى، وفي هذه الظروف بالغة الصعوبة على المجتمع العربي الفلسطيني أثناء مواجهته للعدوان الصهيوني الذي يشن حربا إبادة جماعية لمليونين وربع المليون في غزة علاوة على الحرب الإجرامية على ساكنة مدن الضفة. ولعل الجميع يدرك أن القضية المركزية للعرب في فلسطين، تمر بهذا المنعرج الخطير حيث الأساطيل الامريكية التي، تعزز قوتها بالسفن الحربية تهديدا بالحرب التي يشنها الصهاينة ، وقد حددوا أهدافها في القضاء على قوى المقاومة الفلسطينية، والتهديد بنكبة ثانية لسكان غزة بتهجيرهم إلى سينا، وسيليهم، تهجير سكان الضفة إلى الأردن في وقت لاحق، علاوة على التهديد بتغيير الشرق الأوسط.
و لا نجد تهديدا عربيا رادعا من طرف الانظمة العربية لمنع هذا التهجير، وإنما اقتصر نظام مصر على إشارات التلويح بالرفض لأسباب، لم يعلن عنها من طرفه، وقيادته بمثابة الذيل التابع، كباقي الأنظمة التابعة لأمريكا، وقد لا يشكل رفض واحد منها موقفا مبدئيا بقدر ما قد يكون راجعا الى التوافق على المقابل المالي لانظمة سياسية مفلسة اقتصاديا…!ولعل الكثير من العرب، وغيرهم، استوعبوا الرسالة لهذا التحشيد العسكري الغربي بعبور السفن الحربية الإنجليزية، والفرنسية، والألمانية إلى شواطئ فلسطين،،إن قضية الأمة المركزية تواجه واحدة من محطات الصراع العربي الصهيوني في تحد حقيقي، يستوجب البحث عن كل آلية تعزز الوعي، ومواجهة المخاطر المحدقة بالأمة،، لأن المؤشرات الحالية تدعو إلى التساؤل، هل نحن أمام هجمة استعمارية عسكرية، مهد لها الاحتلال الناعم ” العولمة” ستنتهي بالاحتلال العسكري الخشن الذي نعاني منه في سورية، وليبيا، والعراق، وفلسطين المستوطنة منذ ٧٥ عاما، وهي الآن ستصبح قاعدة لأساطيل الدول الاستعمارية التي خرجت منذ الاستقلال الوطني، وها نحن نواجه عودة الغرب بعد أن تمت تصفيته بالانقلابات العسكرية في أفريقيا، لكنه يستأسد على العرب تحت مبرر حماية المواطنين الغربيين في دويلة المستوطنين في فلسطين ؟! وحين طرح الدكتور سلام فياض مقاله، كان من المتوقع أن يتضمن مخاوفه، ومخاوف الرأي العام الفلسطيني، والعربي عموما من هذه الهجمة الامبريالية..!لكن القارئ لم يلحظ الإشارات الدالة على ذلك، وهذا محل استغراب البعض، وربما أدي تجاهله تلك المخاوف المشتركة الى فقدان رؤية صاحب المقال أية مصداقية .وقد طرح الدكتور سلام فياض أمورا داخلية، تتعلق بالسلطة الفلسطينية، وهذا من قبيل التجاهل الذي لا مبرر له موضوعيا، الآن لواجب المواجهة، وتأجيل ما عداه..!ومع ذلك أتساءل مع القراء ما هي أسس، وغايات الرؤية التي قدم الدكتور سلام فياض؟ لعل أولى الفرضيات التي استهل بها المقال، لا تستند إلى ما يجري في الواقع، حيث انطلق من أن ” في السنوات الأخيرة ، أدى غياب العنف المستمر على نطاق واسع إلى إنتاج وهم الاستقرار” والسؤال الاستنكاري، هل غاب العنف منذ الاحتلال الانجليزي في ١٩٢٠م، وإقامة الكيان الصهيوني سنة ١٩٤٧م ؟ وإذا كان كذلك، فما مبرر الثورات منذ ١٩٢٠، و١٩٣٦، وما بينهما من انتفاضات، وما بعدهما من حروب، ومواجهات، وتهويد للقدس، والمستوطنات في المدن، وفي أراضي الضفة على عهد اتفاقية أوسلو، ومنع حقوق المواطنين حتى في الصلاة في الأقصى والخليل في كل جمعة، بل في كل صلاة؟أما حين أشار فياض إلى الحرب الجارية ، فانطلق من فرضية تحميل قوى المقاومة كل المسؤولية، بينما هي تبرر العمل المقاوم بمبدأ “تحرير الأرض” المغتصبة من أهلها، ونجد فياض، لا يجد هذا المنطق مقنعا له ، وبذلك يكون موقفه منسجما مع طرح كل من ” جو بايدن” و النتن إياه”، حيث مالأهما، كما في الاقتباس التالي ” هاجمت حماس جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول ” ! وبناء على ذلك، فالإملاءات المطلوب تنفيذها من منظوره، هي :” يتعين على حماس أن تطلق سراح المدنيين الاسرائيليين الذين تحتجزهم دون قيد، أو شرط” !والسؤال الذي، سيبقى معلقا في انتظار الإجابة عليه، هو: هل في الوطن العربي، مثقف مهما كانت هويته القطرية، لا يعرف أن الكيان الصهيوني قائم على أساس النظام” الاسبارطي” العسكرتاري الذي، جند جميع المستوطنين، وهم، إما في الجيش، او والشرطة، او الجمارك، أو في الجيش الاحتياطي ، عدا المتدينين الانتهازيين الذين جندوا مؤخرا في إطار الميليشيات ك” الألوية السوداء ” في الضفة الغربية ؟!لقد أعطى سلام فياض مفهوما لتحرير الأرض، وأقل ما يعبر عنه، هو عدم اعترافه باحتلال فلسطين ، وهذا الموقف غريب صراحة، لأنه، يعبر عن الانحياز لموقف الآخر، ما دام كل عمل مقاوم لمواجهته يشكل ” الاندفاع نحو الهاوية “! وأين هذا من مبدأ الأثرة الذي، يعبر عن التضحية من أجل الدفاع المبدأ، أرضا محتلة كانت، أو حتى قيما لمؤسسة عسكرية، كما ذكر “دوركايم” – عالم الاجتماع الفرنسي – في دراسته لأسباب الانتحار، فاعتبر أن تضحية الجندي الألماني بقتله لنفسه دون أن يقدم إلى المحاكم العسكرية، هو من باب الأثرة تعبيرا عن الانضباط والحرص على شرف الجندية الألمانية، حيث كان يوضع له مسدس في مكتبه، إشارة إلى أنه أخل بشرف الجندية، فإن حرص على التضحية في سبيل مكانته معنويا في المؤسسة، يقوم بقتل نفسه، وإن آثر الإخلال بتلك القيم، فيتجاهل الالتزام القيمي، لكنه مقابل ذلك يفقد مكانته الاجتماعية بين أفراد المؤسسة ذات القيم الانضباطية ! اخيرا :طرح سلام فياض في نهاية مقاله، الحل الذي سيأتي ” في اليوم التالي” – على حد تعبيره – ، وهو يقصد بعد نهاية حرب الإبادة، وهو ” إعادة تشكيل منظمة التحرير” لتوسيع سلطة حكومتها، واستبعد، أن تحكم السلطة القائمة “غزة” بوحدها، والظاهر أنه أراد أن يشرعن حكمها بحركتي حماس والجهاد الاسلامي بعد القضاء على قوتهما العسكرية في غزة والضفة ، لتقبلا في إطار الطيف السياسي المدني، على أن تحكم السلطة بعد تشيكيلها ، حكما انتقاليا لمدة سنين دون أن يحددها، وبعد ذلك تقع انتخابات، لاختيار سلطة منتخبة لقيادة الدولة الفلسطينية على الأرض المحتلة في العام ١٩٦٧م. ولعل طرح سلام فياض يتناظم مع الدعوة التي صدرت عن الرئيس محمود عباس في ذات اليوم لطلب اجتماع عاجل لقيادة أنظمة الحكم في الأقطار العربية.. إذ ورد في مقال فياض ” التبني الإقليمي ” للسلطة الفلسطينية .
كاتب عربي موريتاني