هل من العدل، والإنصاف اختزال دور المثقف بحثا عما يعتاش به تحت ظلال" السدانة" الرمادية في وطنه، وقتله لضميره قبل أن يوقظه أثناء المحاكم القيمية ليل نهار ، والتداعيات الظاهرة، والخفية في التشاؤم غير المريح، والتفاؤل الكاذب احيانا بالوعي الوطني، أو القومي، أو الفئوي، أو العرقي، أو الماركسي، أو الليبرالي، أو الإسلام السياسي.. وكل منها يلقي ب"كلكل" مصائب الوطن، أو حتى باطرافها العضوية، أو الوظيفية: المادية، أو المعنوية التي يعبر عنها الوعي بالعجز عن التوعية العامة على الحقوق المدنية، والسياسية، وردمها في مقبرة " الوظيفة" التي هي استحقاق خاص للانتهازيين، وهي من قبيل ذر الرماد في العيون عن مواجهة النتائج للمشاكل الاجتماعية: النفسية، والصحية، والتعليمية، والاقتصادية، والثقافية، والحداثية، والعمرانية، إن مجتمعة، أم مفردة التي تواجه النظام السياسي، والمواطن الموريتاني، والأسرة في المجتمعين: المديني، والقروي..؟
وهل الكل في حالة عجز تام - لدرجة الفشل الكلوي -؟! لذلك لم يبق أمام المثقف العربي الموريتاني، إلا التحايل بالحياد السلبي بدلا من الاعتراف بدوره المساهم في تراكم التبعات، النتائج المؤلمة، وضرورة تقاسم المسؤوليات، وما تفرضه من التزام ، لذلك كان لرموز النخبة المثقفة الإبداع الثاوي في المراوغة لتسويغ المبررات، وضرورة التوافق مع نظم الحكم السابقة في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية..
بينما الحقيقة المخزية، أن الهدف الغائي لرموز النخبة المثقفة، هو الاحتماء تحت شجرة الحكم، والاختفاء بفروع القبائل الحاكمة دوريا، ثم حين يتم الاستغناء عن خدمات المثقف النخبوي، فحينها يتظاهر أمام الرأي العام بتحميل النظام السياسي ما وصلت اليه الاوضاع العامة جراء إهمال مختلف النظم السياسية للحقوق المستحقة للمواطن الموريتاني، ولسيادة الوطن المستلبة قبل الاستقلال الوطني، واثناءه على حد سواء…!
ومن هنا يلاحظ اللجوء الى الجدال العقيم المنشور في المواقع الافتراضية، وما يعنيه الحجاج الممل المعبر عن غياب الوعي السياسي بعد الاستنفاع به في مراحل سابقة خلال توزيع مصائب " التركة" الثقيلة، على قادة المحطات السياسية السابقة، والوقائع التاريخية، والاجتماعية، وتبريرا لتلك الأخطاء السياسية القاتلة للرؤساء السابقين، وأحيانا يفرض الانحياز غير المبرر للمثقف تلك التبرئات الجزافية الآثمة، وهي مدفوعة الثمن دفاعا عن أحد قادة الحكم، وكأن كل نظام سياسي، يوظف "طابوره الخامس" المعادي للمواطن، والوطن، كما وظف دور القبائل، والعشائر، وعلاقاتها، وابعادها الديمغرافية، وأحلافها الفضولية السابقة، ومعاهدات مشايخها مع المحتل الفرنسي منذ أكثر من قرنين على الأقل، كما أثبتت الوثائق التاريخية …!
و المثقف الموريتاني الوظيفي، هو على العهد تابع، و" يثلج" صدور قادة الحكم كيفما كانوا، وفي أي وقت ، وللقارئ الكريم، ان يراجع عناوين المقالات في المواقع الافتراضية، ذلك أن نسبة عناوين الدعاية للنظم السياسية الثلاثة في الفترة من (٢٠٥- ٢٠٢٣) تراوحت بين (٩٥-٨٠ %) !
ومعظم الكتاب في المواقع الافتراضية، يبحثون عن ترقيات وظيفية، أو عن استعادة الوظيفة السابقة التي حصل الاستغناء عن خدمات اصحابها في مراحل سابقة، او عن توظيف جديد عبر الدعاية السياسية ..
ولك أن لا تستغرب، أن تاريخ المسؤولين في وطننا، لم يسجل أن مثقفا ما، استقال من الحكم لاختلاف مع نظامه السياسي، أحرى أن يتراجع عن التماهي مع النظام السياسي مجددا في عمليات التدوير الوظيفي..!
وما لم يستبدل المثقف النخبوي المستوزر بغيره، فقد يظلمه من يطالبه بالدفاع عن كرامته، حين يهان بالتدرج في الوظائف من الأعلى الى الأدنى، فقد يصبح رئيس حكومة، ثم يصير وزير خارجية، ثم سفيرا، فرئيسا لمكتبة القصر الرئاسي،،!
وهل تجاوزنا في حق أبناء الوطن من النخبة المثقفة، وهم المضحون في سبيل تحمل الأمانة التي ترسخت في معتقداتهم من مناهج التربية الوطنية التي وضعتها فرنسا للنظام التعليمي قبيل رحيلها، وجددتها في الإصلاح التربوي في العام ١٩٩٩م.
لعل كل المتفاني من أجل " أنا " المثقف النخبوي، وليس من أجل الوطن العزيز، والدفاع عن مظاهر المجتمع التالدة والطريدة ، وخواصه التاريخية في " التخلف"، و" التبعية"، ولو تحت الضغوط الخانقة لقادة النظم السياسية المتعاقبة منذ ٦٣ عاما .. ؟!