حدث *أحمدو سالم ولد الداهي*، قال: أتذكر أيام ريعان الشباب والحي عند بئر *بَدْغُوغَه* إذ نزل بنا *المختار ولد حامد وأحمدو ولد بارك الله* بعد صلاة المغرب، فبنى لهما *محمذن ولد الداهي* قبة بيضاء وفرشها وأوقد *حَسْكة* وقام على إعداد الشاي بيده وتماديت أستمع حديثهم، فلما تناولوا العشاء أعاد *محمذن* الشاي ثانية وبدأت السهرة تزدان وتحلو وتشعبت طرائقها إلى كل طريف، فقال *محمذن للمختار*: هل في وسعك أن تلزم هذا الروي؟ قال المختار: وما هو؟ فرد عليه محمذن بقوله:
*إن بالقلب من هوى ذي الدغوغ*@ *محرقا للضلوع بل للدغوغ*
فقال *المختار* سأحاول وانقطع عن الحديث مع الجماعة وجلس كالمتأمل، وبعد يسير وقت، قال: اسمعوا مني ما تيسر لي من هذا الروي فأقبلوا عليه منصتين، فقال:
إن بالقلب من هوى ذي الدغوغ---محرقا للضلوع بل للدغوغ
أكرمتني صيدٌ به ورمتني---غيده في الفـؤاد رمي الدغوغِ
يا أخلايَ عرجوا بي قليلا---واربعوا بي على ربى ذي الدغوغ
أسق أطلال من به قطعتني---وأنا واصل بدمع دغوغ
واقرآها مغلغل القول عني---فحقيق علي رعي الحغوغ.
فساد الضحك الجماعة من معالجة المختار للروي، حيث أبدل "درورا" بـ "دغوغ" تأسيا بنطق الفرنسيين للراء، إذ يقلبونها غيناوعلى طريقة *واصل ابن عطاء*، فقد كان ألثغ يبدل هو كذلك الراء غينا.
وقلب كلمة "الحقوق" إلى "الحغوغ" على طريقة الغلغلة التي توجد في بعض مناطق موريتانيا..
وكان حي *المختار* الذي قدم منه عند "عگْلَتْ بُكَافَ" فقال *محمذن للمختار*: إليك رويا آخر، فقال المختار: إيه، فقال محمذن:
أذر الدموع لنا سحا وتَوْكَافَا---لما تناءيت عن "غَشْوَاتِ بُوكَافَا"
فرد المختار:
يا ليت شعــري هل من عند "بُوكَافَا" --- في حفظ عهدك زاد اليوم أوكافا
وليته لم يزل في العهد يذكرنا --- إن حل بالگَبْلَ أو بُوكَافَ أو گَافَا.
وقال *أحمدو ولد بارك الله*:
ما إن يبلغني بُوكَافَ عن عجل --- إلا أمون تباري الريح *سوكافا*.
ولم يشاركهما *أحمدو* في روي بَدْغُوغَه، وبعدها انفض السامر ولاذ القوم بالنوم بعد سهرة أديبة غاية في الإمتاع والمؤانسة.
منقول..