لعل السؤال المفتاح لقراءة هذا المقال، الأول من نوعه المطلوب لنقاش إحدى الاشكالات التي يتجنب البعض طرحها للدراسة، وتقديمها للرأي ،تشكيل الوعي.. كقضية السلطة السياسية،، ويأتي السؤال على النحو التالي :
هل يمكن اعتبار التوصيف، والنقد، هما الوجهان لظاهر المقال، ومضمونه؟
وهذا يقتضي تحديد المقال على أساس العناصر التالية:
١ - تقديم النظام السياسي في صورته العامة التي، قد لا تحتمل التقسيم الذي لم يراع فيه مظاهر الاختلاف، إن على مستوى الذاتي، أم الموضوعي في واجهات الظاهرة التي اراد لها الكاتب، أن تتميز كل سلطة عن اختها: (( السلطة الشمولية،، والسلطةالاستثنائية،، والسلطة المدمقرطة))، ولعله - الكاتب - اجتهد بغض النظر عن النظرة التقييمية في حدود، الاصابة من الخطأ في اقتراحاته الخاصة التي لا تساعد الى هذا الحد من جهة المنهج، والنظرية في دراسة الظاهرة، موضوع المقال، ولا تساعد على إظهار دور مجتمع السلطات المتسلسلة زمنيا، ولكنها متداخلة، ولا يفصلها عن بعضها البعض الا غياب وجوه، وحضور أخرى من المجتمع الذي أخذ بتلابيب السلطات في ذواتها، وادمجها في مجتمعه خلال الحركة المحصورة في افقه المغلق بحكم شبكة العلاقات الاجتماعية، وهي، كأوتاد الأرض في ثباتها، لأنها من عناصر" التعرية" اكثر من البيئية للطبيعة الاجتماعية التي أضيف اليها، الأداء للدور الوظيفي للنظام السياسي من جهة مؤسسيه ليخرجوا من النافذة، تحت شعار اللافتة: " الاستقلال السياسي المشروط" ليدخلوا من حين لآخر من باب الرؤساء المستبدلين بغيرهم، والجميع،
من السابقين والتالين اهم، كانوا " وكلاء" تابعين، دون أن يشكل ذلك مظهرا مناقضا للحالة في أية واحدة من السلطات ، كما ان الذي أتي تاليا منها لم يشكل مركبا من النقيضين السابقين- بالمعنى الهيجلي - لقراءة " العينة" في التجارب السياسية التي، هي جزء من ظاهرة " الاستعمار الجديد" - على رأي جان بول سارتر -
٢ - إن حضور موضوع المقال " السلطة المتعالية"، كما اسماها الكاتب، و ربما شكلت اربكا ذهنيا للقارئ في فهمها من اول المقال الى نهايته.. الأمر الذي يثير التساؤل حول ما الذي قدم الكاتب من انظمة السلطات للقارئ، وما الذي ترك،؟ وهل المطلوب لدى القراء، هذا الذي ترك، او الذي تمت الإشارة اليه عن قرب تارة، و عن بعد طورا من جهة الإشارة، الإيحاء،، لا غير؟
٣- لعل المقال بدون شك قراءة للواقع السياسي، بحثا في لا في عنوانه عن " انتروبولوجيا"، بما ترائى للكاتب في الأخيرة من" التغيير"، دون التركيز على أن الاخير مرتبط بالسيرورة، والتطور في الدراسات التاريخية في العلوم الانسانية، الاجتماعي منها، والثقافي..
بينما " الغرائبية" فترجع - فيما ترجع - الى تنوع ظواهر مجتمعات علم " الأناسة" - بدلا من النسبة الى البدائية - ، لدى بعض الدارسين..
ولو امعن الكاتب النظر قليلا في قيمة الإضافة النوعية في طرح الموضوع للنقاش خلال التوصيف، و الانتقاد الموفقين في تقديم السلبيات التي تجاوزت السلطة الى النخبة السياسية، مع التعميم ليشمل النخبتين الفكرية، والسياسية، وربما كان سبب الصعوبة - ان لم اقل استحالة - في الفصل بين النخبتين نظرا للمشترك الوظيفي في خدمة "السلطة المتعالية" - بلغة صاحب المقال - ...
وحبذا لو كان الكاتب قرأ الواقع السياسي بفهمه، ومحمول وعيه الوطني، بدلا من الاستنجاد بكاتب قرأ النظم الاسياسية في المجتمعات النامية على أساس مسلماته القبلية، هكذا يوصف فكر " فوكوياما" يا عزيز الكاتب.
كما يدعو للاستغراب، عدم مراعاة محدودية القراءة للفكر الفلسفي الأمريكي، الأمر الذي كان حصل استحضاره لاستبعدت من المقال اسم الفيلسوفة الامريكية "سوزان انجر" في النقد الادبي، والحس الوجداني في القيم الفنية، و الموسيقى، والفنون التشكيلية، وهذا - طبعا - لا ينطبق على الاستشهاد بآراء "مارك أوجيه، وجان بول كولاين " عن الانتروبولوجيا، لكن كتابهما، يعد قاموسا مختصرا للنظريات، ورصد الاتجاهات، ووالاقتصار عليه، اظهر في المقال الاستشكال حول " التغيير" و" الغرائبية"،، وهما مبسوطون في مختلف المؤلفات التي تغني عن استحضارهما كمفهومين، ليسا من مفاهيم الانتروبولوجيا ..
وبالرجوع الى الملاحظة حول مفهوم "التعالي" هل قصد منه عدم ارتباط قوى السلطات السياسية ذات العمر الستيني(٦٠) مع الواقع ، وهو امر، وحد من جهة، واجهات النظم السياسية في علاقاتها بالواقع الاجتماعي، واكثر من ذلك وحدها للانقياد ، لتلك السلطات المذكورة نحو الواقع ل" التكيف" معه بدلا من أن تكيفه وفق رؤية تغييرية، تستجيب لمطالب المواطن، والمجتمع.
بينما انحصر دورها في تقديم " الوجبات"، كالسريعة الضرورية لإمداد اقتصاد الغرب الامبريالي، ماوراء البحار "، الجهة المقابلة؟ عكس ما أشار اليها صاحب المقال..
وهناك استدراكات، قد لا تخالف بالضرورة، توجه الكاتب العام، وهي تتعلق بعدم جدوى البحث الانتروبولوجي في سياقه الذي تؤطره الظريات التي تؤسس للثقافة وفق الشروط العرقية، الإثنية، وتعدد الثقافات غير المكتوبة بشكل افتراضي في مجتمعنا، ولعل من الدوافع الخفية في الانتروبولوجية المصدرة للمجتمعات الافريقية، أن هذه البحوث في هذا المجال ان حصلت، ستشكل عقلا جمعيا عاما من المخيال الاجتماعي غير المتثاقف، وذلك لتكون تلك الدراسات بديلا عن البحث الاجتماعي الذي يطرح هموم الفرد، والاسرة، والنظام التربوي، والثقافة العامة، وواتجاهاتها ، والدروس التاريخية..
وعندما أشير الى هذا الاقتراح من جانبي ، فلا بد من التذكير بأني على خلفية مما أقدم من رأي في الموضوع، و سبق ان درست الطلاب في الجامعة مادة الانتروبوليا الاجتماعية، والثقافية ..
ومن يرجع من الكتاب إلى قائمة الأساتذة المتعاقد معهم من الذين كانوا يستلمون رواتبهم ضمن طابور عمال النظافة في كلية الآداب، سيجد اسمي في قائمة المدرسين لمادة الانتروبولوجيا الثقافية والاجتماعية، خلال السنتين دراسيتين: (١٩٩٨-٩)
أخيرا :
أشير الى قيمة اعطاء الأولوية للبحث الاجتماعي الوطني على الانتربولوجي - الموجه بأطر نظرية فرنسية - في مجتمعنا غير المؤسساتي، حتى يتمكن القائمون على دراسة المؤسسات والاحداث، الوقائع، ومجالات الثقافة العامة، ..
لذلك يطرح السؤال : - الموجه بالهم المشترك العام - أيهما الأولى بالاهتمام، كمناهج للبحث، والرؤى، البحث الاجتماعي الذي ساعد المجتمعات النامية على بناء الانظمة الاجتماعية، وتحديثها، أو البحث الانتروبولوجي الذي درس - ويدرس - العقل الأسطوري، والخرافي، و القيمي في الاعراف، والعادات المتجاوزة، وذلك، لغرض أن تؤسسى للمعطى الثقافي في هذه المرحلة الانتقالية، من التخلف الى التطور المنتظر؟
وفي مجتمع أحادي الثقافة العربية الاسلامية، لأن الثقافة الفرنسية لم تؤسس لرافد ثقافي في مجتمعنا، فقد اقتصر دورها الوظيفي في توجيه السلوك الإداري التسييري، لذلك يسأل عما هي الضرورة للبحث عن التنوع الثقافي؟
وفي مجتمع لا يعتمد على الرأي العام، أو الخاص في تغيير النظام السياسي، او تحسين الأداء السلوكي، او تأثير التطور الثقافي،، فما قيمة البحث في الاتجاهات العامة، والميول الفردية من أجل التعرف على اتجاهات المجتمع..؟
وما قيمة البحث في غياب الاهتمام بتحديث النظم الاجتماعية، أو أن الأمر، يتعلق بقياس نسبة التفكك الاجتماعي لكل من مجتمع - جماعات - القرى، ومجتمع المدن؟
ولمن ترجع أهمة هذه البحوث: المجتمع الموريتاني، أو اتجاهات الانتروبولجيا الفرنسية ذات التوجه الوظيفي بحثا، الامبريالي غاية...؟