النعمة نعمة تتلاشى و تذوبْ../ القاضى هارون ولد إديقبي

2023-05-07 23:05:45

سمحت لي مهمة عمل في النعمة باستكشاف المدينة العتيقة التي أسسها الشرفاء القادمون من ولاتة بواد بِنَّعْمانْ قبل قرنين من الزمن.

بعد صلاة فجر الجمعة الغائظ أخذت مسبحتي الجيلية، و دخلت من خلال زقاق السلم المؤدي إلى المسجد العتيق الذي تعصرن تعصرنا قضى على جزء من تاريخ المسجد.

كان المسجد مكانا لحوليات النعمة التي تختزل تاريخ المدينة.

واصلت السير  إلى أن وصلت إلى الطريق المؤدية الى البهْكَه فآشميم و الذي على حافته تقع مقبرة قديمة بها قبر سيدي سيدي عثمان القلقمي "قضَّايْ الحاجْ"أحد الشرفاء الثلاثة الذين انبعث من أضرحتهم خط الندْوة أيام خبطة النعمة المشهورة في سبعينيات القرن المنصرم، و ليست هذه أسطورة حسب سكان النعمة... عجبت كثيرا من تلك الشجرة الوحيدة المنتصبة على هذا الضريح شجرة في واد من الصخور تجسد كرامة هذا الولي الشريف.

لما أنهيت زيارة المقبرة رجعت من زقاق آخر يودي إلى صخرة النعمة التي يقال إنها أخرجت من البئر العتيق... بواسطة أحد رجالات المدينة أيام الشريف مولاي اسماعيل.

وصلت الى الصخرة الاسطورة ومنها اتجهت إلى رحبة أهل مولاي اليزيد و أهل مولاي حمزةَّ وقفت في الرحبة وعن يميني منزل العالم المجدد محمد يحي ولد سليمة الولاتي تذكرت فتاوي الرجل و تجديدياته. 

ثم قمت بزيارة لأحد منازل المدينة الذي يختزل تاريخ العمارة النعماوية ذات النمط الولاتي المفعم بالإفريقية.

 دخلت باب الحوش و من كَتُّو إلى السَّكفَة إلى المخزن حيث يوجد كَنَاري مستودع الحبوب يتم ملؤه من الأعلى وتفريغه من الأسفل وهو مكان التجمع في فصل الشتاء ثم ولجت الى الضُّرْبِ وهي حجرة متوسطة للسكن  ولما ههمت بالخروج إذا بسِنْدِنْدُو سلم صغير يؤدي الى الطابق العلوي حيث القُرْبُ بيت النوم وقد يخصص للعرسان الجدد و لما هبطت رأيت جَكْمَاجُورْ  معلاق صغير مخصص لتعليق الاشياء ثم رأيت لِمْعَالقَْ و رْكَايْزْ  ثم لِخْرَيْزةْ فحجرة الصلاة المعلقة تعليقا عجيبا على سطح احد جدران السَّكَْفةْ بشكل تكون خلفه خزنة الجواهر و الأشياء الثمينة عندما تخرج من كَتُّو الى الحوش ستجد عن اليمين حجرة القُدُورْ ثم حوش الحيوان ثم المطبخ النعماوي فَلِّي ثم غرفة الراحة أو لِكْنيفْ إِنْيَٰي كَِي الذي يتم تفريغه بشكل دائم، تمر تحت البيت سلسة من المجاري المائية لتفريغ مياه الأمطار و مياة الصرف. 

البيت النِّعماوي مسقوف بشكل عجيب من اعواد النخيل وبعض الأشجار الخالدة .

عندما تخرج من الحوش النعماوي تجد رَحْبَةً أو ساحة شبه عامة للتجمع توجد بالمدينة العتيقة رحاب قليلة مطلة على دور أعيان المدينة الشرفاء و تطل المدينة كلها على بطحة على حوافها النخيل و مقبرة أهل مولاي اسماعيل الذي يوجد ضريحه حاليا في سوق المدينة حيث تكالبت عليه الدكاكين لتسد جميع الممرات المؤدية اليه في تحد صارخ للقيم و التاريخ و التراث .. لقد دافع المولى اسماعيل عن المدينة حيا بتأسيسها بعد ان قدم من ولاتة بعد وفاة مولاي عبد الله شيخ العافيه و ميتا عندما انبعث من قبره خط الندوة أيام اعتداء البوليزاريو حسب الرواية النعماوية فمن يدافع اليوم عن روضة هذا الشريف و اخوته واعمامه... 

لم استطع زيارة هذا الضريح كما هو حال احفاد صاحبه الشرفاء لهذا السبب.. ارجو ان تتاح لي فرصة قادمة.

من زار النعمة ولم يذق سَنْكَتِّي و يشرب دُقْنُو فقد فاته شيء كثير.... ومن لم ير فكلور النعمة فلن يفهم التناغم الاجتماعي العجيب الذي تشهده المدينة.... التي أسسها أشراف قادمون المدينة خلاف القاعدة  التي تسود المدن القديمة التي أسسها بداة انتقلوا من طور البداوة إلى التمدن بفصل عوامل شتى .. حيث قدم هؤلاء الشرفاء من ولاتة و إليها من تْواتْ و تَافِيلالتْ.. ليؤسسوا مدينة عالمة عاملة بعد تحلقت حولهم جموع من المحبين فتشكل بذلك خليط بشري نادر  من شعوب شتى مختلفة الاوان تصدح بكلمة التوحيد و تدين بمحبة آل البيت المطهرين.

ختمت زيارتي بنقاش مع أحد أبناء المدينة طلبت منه أن يقوم بانشاء بيت نعماوي ولاتي نموذجي في قلب المدينة العتيقة و بنفس النمط العمراني ليكون مزارا للسياح و الزائرين و معرفا بمدينة تندثر أمام أعيننا دون أن نفعل اي شيء....

إن استنطاق تاريخ أمة لا بد له من : قبر و كتاب و بيت و طعام؛ لتعرف مدى رقي الفعل التاريخي الذي تركته أي أمة.

 كل هذه الأربعة تحتضر حاليا في مدينة النعمة. فأغيثوها.

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122