عند دخول الفرنسيين أطلقوا على مناطق “ارگيبة و آفطوط ولعصابة اسم (Cercle de l’Assaba) دائرة لعصابه ، واختط الرائد” آرنولد ” سنة 1907 مدينة كيفه لتكون عاصمة للدائرة التى شهدت إذاك توسعا شمل أجزاء من ولايتي الحوض الغربي وغيدي ماغه ومقاطعة امبود في ولاية غور غول, إلا أن هذا التوسع تراجع في فترات متفاوتة، لتستقر الولاية علي مساحتها الحالية كولاية تفصلها عن الولايات المجاورة حدود تتماشى غالبا مع حواجز طبيعية، فمن الناحية الشمالية تفصلها عن ولاية تگانت المرتفعات المعروفة باسم (إحصيرتْ تگانت) وهي هضبة جبلية تمتد من الشمال إلى الجنوب في شكل مرتفعات يبلغ عرضها 20- 50 كيلومتر وأقصى إرتفاع لها يبلغ 550 مترا وهي تفصل منطقة آفطوط غربا عن سهول كيفه، ومن الغرب يحدها وادي ”گورگل الأبيض” الذي يفصلها عن لبراكنه، ومن الجنوب يوجد مجرى ”كاراكورو” ومن الشرق هضبة ”أفله” التي تشكل الحدود الشرقية للولاية.
وانطلاقا من هذا تقع ضمنَ المجال المناخي الساحلي وتسود فيها الأراضي الرملية وتتميز بتعاقب ثلاثة فصول، وتنقسم جيولوجيا إلي مجموعتين كبيرتين هما: سلسلة الموريتانيد ”واوه”, وحوض تاودني ، وتتوزع الولاية منطقتان رئيسيتان تفصل بينهما سلسلة الهضاب, وهاتان المنطقتان هما: منطقة ”ارگيبة” ومنطقة ”آفطوط”:
تتكون منطقة ارگيبة في معظمها من السهول, وتضم مقاطعات: ”كيفة, كنكوصة, بومديد ” إضافة الي الجزء الاعظم من مقاطعة گرو , وتقع هذه المنطقة فيما بين سلسلة هضاب تكانت وهضبة لعصابه و” أفل ” ووادي” كاراكورو”.
أما المنطقة الثانية فهي منطقة آفطوط الواقعة الي الغرب من الهضبة وتضم مقاطعة باركيول, وجزءا من مقاطعة گرو.
وتتشكل في معظمها من الوديان والمصبات المائية, وتمتاز بخصوبة أراضيها الزراعية نظرا لتربتها الطينية القابلة للزراعة أكثر من غيرها.
فهي منطقة زراعية بالكامل وآفطوط فى تشكيلته الكبرى يقوم على تداخل بين لبرا كنه وتكانت و گورگل و العصابة وبين المرتفعات الصخرية والوهاد المنبسطة والهضبات السامقة وبين أشجار الأيك والسدر وحشائش السافانا وبين الآكام والمنحدرات حيث تتوزع قرى آفطوط ونجوعه ”آدوابَه“
من جوك إلى سيلبابي – كيفه و الملگه، وأغورط، لگران، كوروجل، وانواملين – كنكوصه، ساني، تناها، هامد – بو امديد، لفطح، احسي الطين باركيول، لبحير ، بولحراث ، الرظيظيع، دغفك، لعويسي، كلّير لحرش – گرو، أودي اجريد، كامور ابلا اجميل الغايره يقول الأمير عبد الرحمن ولد اسويد أحمد ”الدان”:
من بولحراث ابلا اجميلْ :: مدَّ صَبْحِتْ مِسّايرَ
فالليلْ اتروحْ – ابلاَ اجميلْ – :: هيّادْ ءُ فمْ الغايرَه
فى هذه المنطقة ولدالشيخ محمد يحيى ولد الشيخ الحسين بن محمدو ”آدّو” بن محمذن بن ألمين بن أحمد بن أچفاق محمد بن الحبيب بن محمد بن أحمد بن محمد بن ابراهيم بن محمد بن ابراهيم بن القاضي يعقوب بن علي بن موسى بن رمضان ” رمظان ” بن جاكن الأبر الحميري.
كان الحي من ارماظين قد استوطن أرض الگبلة قديما وهناك ترعرع أجداد محمد يحيى شارك جده الأكبر ألمين بن أحمد بن أچفاق مع الزوايا فى شرببه ودرس جده محمدو ”آدو” على محنض باب ولد اعبيد وأخذ التصوف ” لورد الشاذلي” عن العلامة محمذن فال ولد متالي، ودرس فى محظرة أهل أحمد ولد العاقل ويقول فيهم :
سلام على أشياخنا غرة العصر :: قضاة بلاد الغرب فى أي ما مصر
انتقل ءادو إلى منطقة ” أگان ” حيث سكن الحي من ”ارماظين” يقول الإمام بن ماناه الجكني:
على أنجاد آگان الأعالي :: بحيث الدهر ينسكب الربابُ
ونحن النازلون ذرى المعالي :: ونحن التاركون لما يُعابُ
ونحن بنوا النضال فنحن أدرى :: كأنا أهل مكة والشعابُ
ثم استقر آدو ” 1792 – 1872 ” فى آفطوط وأسس محظرة متنقلة بين تگانت و آفطوط ، كان عالما يشار إليه اختلف مع لمرابط محمد الأمين ولد أحمد زيدان فى مسائل كان الصواب فيها مع آدّو فقد حكم لمرابط محمد الأمين بضمان ناقة على أنها قتلت وقال آدّو إن الحكم ناقص الأدلة وبعد فترة قصيرة جاءت الناقة تدب مع ولدها، وفى عدم جواز كسر جمع مجبرات عندما نبه آدو على خطأ تكسيره بمجابر.
يحكى أنه فكر فى عبادة تستغرق فكره وبصره ويده فوجدها فى استنساخ كتاب الله والتصدق به فكان لايفتر عن ذلك.
ومن المتواتر لدى ذويه أن نفرا من الجن أقنعوه بوجوب تدريسهم فأتفق معهم على أن يخصص لهم زوال الأربعاء للتدريس وزوال الخميس لفض النزاعات، فكانت الناس تسمع صوته وهو يدرسهم وكانت تسمع صرير أقلامهم.
كان صوفيا عابدا زاهدا له الكثير من الخوارق و الكرامات وكان مستجاب الدعوة بارعا فى تعبير المرائي.
ولم يكن ابنه الشيخ الحسين ” 1877 – 1972 ” دونه.
ولد الشيخ الحسين سنة 1877 تلقى العلم على يد أخيه الأكبر باب ولد آدّو وعن أفلواط ولد محمدو وأخذ الطريقة القادرية على الشيخ التراد ولد العباس القلقمي وأجازه بعد أربعة أشهر قضاها عنده.
عرف الشيخ الحسين بالعلم والورع والصرامة كان سيدا عزيزا فى قومه له مواقف معروفة منها فصله لقومه عن إيالة زين ولد العبقاري وامتناعه عن دفع المغرم ”العشر” مرتين للمستعمر ولقاء ”امبود” المشهور يقول ماناه ولد محمدو :
أولاك مولاك من إنعامه شيما :: مازال مولاك يابشراك يسديها
أبدى الخيام لنا و”امبودَ” أبعده :: حمدا لمبعده منا ومبديها
تزوج الحسين بالفاضلة آمنة بنت خطارو ولد الطالب اعل ورزق منها بثلاث بنات هن على التوالي: مريم وفاطمة وأم كلثوم.
سافر الشيخ الحسين فى رحلة لجلب الميرة، وترك زوجته حاملا ، وفى صباح جميل من صباحات شتاء سنة 1920 فى قرية ” امردة ” تلك ” الشلخة ” الوادعة فى ذلك الوادي القابع بين أحضان آفطوط بين بولحراث والغايرة والتابع لمقاطعة باركيول رزقت آمنة بطفل وديع جميل المحيا زاد فرحة استهلاله كونه جاء بعد ثلاث بنات سمته أمه آمنة تيامنا باسم أبيها خطارو.
وحين حضر والده الحسين من غيبته وعلم بالخبر لمعت أساريره وتهلل وجهه وقال إسمه يحيى فقد كان سمع قبل ذلك هاتفا يقول ”إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى” ولقبه لفرط حبه بإضافته للمتكلم ”يحيانا“
بدأ محمد يحيى ”يحيانا” بالتهجي وقراءة القرآن وهو حدث على تلامذة أبيه الشيخ الحسين مثل عبد الرحمن ولد أحمدو، وألمين ولد الطالب محمد، ومحمد بيب ولد سيد أحمد.
ثم وصل إلى محمد المختار ولد السالم الذى يعتبر أهم أشياخه وهو فتى حدثا حيث حفظ القرآن عنده وكان طفلا ظاهرة.
ودرس على أبيه الشيخ الحسين كما استفاد وهو حدث من عمه أحمد فال ولد آدّو ويقول إنه استفاد منه وهو طفل مسألتين أحداهما بيت حفظه منه لحظة حكاه والثانية أنه أزال أثر السواك عن شفتيه أثناء الصلاة بصوت فعلم الطفل بداهة أن ذلك لايبطل الصلاة.
قرأ علوم القرءان على شيخه محمد المصطفى ولد ديه، وانتقل إلى محظرة العلامة الشيخ سيد المختار ولد عبد الملك الذى أجازه فى مقرأ الإمام نافع وقرأ عليه مختصر خليل فى هذه الفترة ونبغ فيه.
ويروي عن نفسه أنه بينما كان نائما ذات ليلة أيام دراسته هذه إذ رأى أنه شق صدره فاستيقظ وهو يمسح صدره بيده ليرى هل شق فعلا وفى هذه اللحظة شعر بسعة غير عادية فى صدره فعرف أنه الفتح من الله تعالى فأخذ باب اليمين من مختصر خليل وهو سبعة أقفاف والقف درس يومين فحفظ الباب بسهولة.
ثم درس فى محظرة لمرابط أحمدو ولد مود، ثم ذهب إلى محظرة لمرابط اباه ولد محمد الأمين ثم مر على محظرة أبي الدين ولد عبد الرحمن، ثم محظرة محمدو ولد البنيه، ثم محظرة محمد الأمين ”آبه” ولد محمد المختار، الذى درس عليه باب الفر ائض ثم محظرة لمرابط الحاج ولد فحفو الذى درس عليه نصف ألفية ابن مالك.
بدأ الشاب يحيانا وقد تضلع من العلوم فى إحياء محظرة أهل آدّو والمتنقلة وراء النجعة فى تكانت بين ”لحصيره” و ”أيرشْ” وقد انثال عليه الطلبة من كل حدب وصوب ومن مناطق مختلفة وقبائل شتى ينهلون من علمه.
امتاز بكاريزما ميزته عن غيره كان جميل الخَلق على خُلق حسن الإقراء والشرح والأداء، يمتلك قدرة فائقة على إيصال المعلومة للقارئ ويقدر مستويات الفهم لدى طلابه فيعطي كلًا ما يناسبه بسلاسة ألفاظه وقدرته الفائقة على التعبير وصوته الجهوري المدوي ودماثة خلقة المعهودة.
كان مهيبا وقورا صداعا بالحق ولا يخاف فى الله لومة لائم جوادا كريما ورعا زاهدا وكان غاية فى الذكاء دائم المطالعة لا يفتر عن النظر فى الكتب ولا ينقطع عن القراءة ليلا ولا نهارا إلا لضرورة معاش أوأداء فريضة أو لظروف قاهرة كالمرض أو المطر أو انعدام الحطب أيام البادية.
تبحر فى جميع العلوم خاصة الأصول والتفسير وعلم الحديث فكان قطب الرحى ومرجع العلماء.
كان يحفظ الموطأ بأسانيده ، جلب له محمد خالد ولد محمد سيدينا فى السبعينات كتاب فتح الباري من جمهورية مصر فتعقبه حرفا حرفا حتى حفظه برمته.
كتب سلم الأخضري يوم الثلاثاء وحفظه ليلة الأربعاء ،كان يحفظ القصيدة من حكاية واحدة ، وقلما قرأ كتابا إلا وعلق فى ذهنه.
عرف بميزتين: الحفظ والضبط، كان رحمه الله من العلماء الذين صانوا العلم فصانهم وعظموه فى النفوس فعظم، رحم الله القاضي العلامة أباالحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني:
فَإِنْ قُلتَ زنـد العلم كابٍ فَإِنّما :: كَبا حين لم نحرس حِماهُ فأظْلَما
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ العِلْم صانُوهُ صانَهُم :: وَلَوْ عَظَّمُوهُ في النُّفوسِ لَعُظِّما
وَلَكِـنْ أَهانـُوهُ فَهانُوا وَدَنَّسُوا :: مُحَيَّـاهُ باِلأَطْماعِ حَتَّى تَجَهَّمَا
وَلَمْ أَقْضِ حَقَّ العِلْمِ إِنْ كُنْتُ كُلَّما :: بدا طمع صَيَّرْته لـيّ سُلَّمـَا
وَلَمْ أبتذلَ في خِدْمةِ اَلعِلْمِ مُهْجَتِي :: لأخْدِمَ مَنْ لاقَيْت لكـن لأخدما
أَأَشْـقَى بِهِ غَرْسـًا وَأَجْنِيهِ ذِلَّة ::: إِذًا فَاتَباعُ الجَهْلِ قَدْ كانَ أَسْلَمَا
وكان رجلا وجيها فى قومه مهابا واسع التأثير والإفادة في مجتمعه ينصح ويوجه ويسهم في معالجة القضايا، ومركز القرار الفصل فى جميع الخلافات بين سكان المنطقة والقبائل وصاحب الرأي المطاع وقطب جماعة الحل والعقد.
فى سنة 1979 جاء إلى انواكشوط لمعالجة اببنته وصادف ذلك افتتاح المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية، وكانت وزارة العدل والتوجيه الإسلامي تبحث له عن أساتذة من العيار الثقيل لأنها أرادته صرحا نوعيا يخرج القضاة والأساتذة الأكفاء.
فعلم الأمين العام للوزارة أحمد ولد عبد الله بوجود الشيخ ” يحيانا ” فوجدها فرصة ذهبية لرفد المعهد بطاقة من حجمه فزاره مع مدير المعهد الأستاذ اسلمو ولد سيد المصطف وبعض الوجهاء وبعد جهد جهيد وأخذ ورد أقنعوه بضرورة التدريس.
فاستقر بانواكشوط وبدأ رحلة العطاء وابتكر طريقة تربوية تسير فى ظلال المتون وتأتي بزبدة الفنون.
كان يعطي لكل قسم ما يناسبه ولم يكن يحضر الدروس ولا يفتح كتابا وإنما يبدأ الدرس بعبارته المعهودة ”بسم الل” فيتقاطر العلم سلسلا من سلسل وكان يحفظ بالضبط أين انتهي فى درسه السابق فى كل قسم وفصل دون أي خلل ولو طال الزمان ، ولكم اشتاق الطلبة لعبارته تلك ”بسم الله”.
وكان يحيانا على تواضعه صاحب إجابات مسكتة فقد كان مرة يدرس طلابه بالمعهد العالي باب العطف من الألفية حتى وصل قول ابن مالك:
وليس عندي لازما إذقد أتى :: في النظم والنثر الصحيح مثبتا
فقال تلميذ مشاكس هذا غير صحيح فالتفت إليه يحيانا وقال:
فاليوم أصبحت تهجونا وتشتمنا :: فاذهب فمابك والأيام من عجب
والبيت شاهد للمسألة.
كان شاعرا مطبوعا، لكن العلم شغله عن الشعر، ومن شعره يقول في الرثاء:
بفي الشامتين التربُ، ما الموتُ واصمُ :: ولا للفتى منه ولو عاش عاصمُ
وقد مات قبلَ الشّيخ أحمدَ هُرمزٌ :: وعادٌ وشدّادٌ وكسرى وعاصم
وقيصرُ والنعمانُ والموبَذانُ مَنْ :: أبَذّا وبَزّا من علته النعائم
وقد مات ذو القرنين مَلْكُ زمانه :: وقد مات لقمانُ الحكيمُ وحاتم
ومات أبو بكرٍ خليفةُ أحمدٍ :: أبي قاسمٍ خيرِ البرايا وقاسم
لقد مات يا أستاذَ مذهبِ مالكٍ :: بموتك إلا ما تُبينُ الرتائم
وما الشيخُ إلا شمسُ هديٍ تطلّعت :: فبانت من الدين القويم المعالم
وغابت فبالله الكفاية والرجا :: وبَوَّأهُ أعلى الفراديس راحم
يخوض بفُلْكِ العلم والفهم والتّقى :: بحورَ علومٍ أغفلَتْها العوالم
فتُخرَجُ من تلك العلوم نفائسٌ :: بنصٍّ إذا ما الغيرُ بالظنِّ راجم
فصدعُك في ركنِ الشّريعة بيِّنٌ :: وإني لذاك الصدعِ حَيرانُ هائم
أخاف على دين الهُدى صَوْلةَ العِدا :: وكنتَ له كالتّرس إذ أنت سالم
ونبراسُ ديجور العمى وشهابُهُ :: وسيفُ حسامٍ للضّلالة صارم
بهِ ارفضَّ عِقدُ الشّرع عند انقطاعه :: وهُوَّ لذاك العقد ما عاش ناظم
بنى بيتَ دين الله بعد انهدامه :: فهُدَّتْ به إذ مات منه الدعائم
وأخمدَ نارَ الغيِّ والغيُّ مظهَرٌ :: وأظهر نور الحقِّ والحقُّ طاسم
فهمُّك تجديدُ العلوم ودرسُها :: وهَمُّ بني الوقت الغِنَى والدراهم
لعمري إذا «الشفّان» هَبَّ عشيّةً :: وشُدَّتْ على الأذقان منه العمائم
لأنت المناخُ الرحبُ والمعقِل الذي :: إليه انتهتْ بين الأنام المكارم
وأنت رحيب الصّدر في كلّ أزمةٍ :: وأنت على العلاّت للضيف باسم
وعنك سؤال المعتفين وطارقٌ :: هدته كلابٌ والنّجوم العواتم
ثِمال اليتامى والأيامى ولبسُهُم :: طعامٌ لمن ضاقت عليه المطاعم
صلاةٌ وتسليمٌ على خيرِ مرسلٍ :: وآلِ وأصحاب أسودٌ ضراغم
تُرِبُّ به ما أصْبَت الأنُفسَ الصَّبا :: وناحت حَمامًا بالبكاء حمائم
وما رنّحت ريحُ الصّبا غصَن أيكةٍ :: وما هاج مشتاقٌ وما حَنَّ هائم
وله:
لقد ساءني في الله أن رُواتَنا :: يسيرون بالمرويّ سيْرَ الأجانبِ
إذا ما أتتْ بعدي من ايّةِ دولةٍ :: تقوَّلَ أخشاهم على غير غالب
يقول اعتذارًا وهْو فيه مثَرَّبٌ :: أخاف انتقامًا من أميرٍ مُغالِب
ويسطو بك السلطانُ خيرٌ منَ ان تُرى :: تُغَيِّرُ دين الله يا شرَّ كاذب
ولكنما المخشيُّ قطعُ عَمالةٍ :: بها شوَّه الوُرّاقُ وجهَ المطالب
وما حَرَّف الأشقَوْن نصَّ كتابهم :: ولكنْ معانيه لنيل المطالب
أيا علماءَ الدين أنتمْ رُعاتُه :: ولا شيءَ عن علم الإله بعازب
فإياكمُ بيعَ الديانة ضِلةً :: بأخبثِ مطلوبٍ مآلاً لطالب
فأنتمْ صدورُ الناس والكوكبُ الذي :: به يهتدي الأقوام بين الغياهب
فقوموا ولا تخشون في الله لائمًا :: وكونوا يدًا في الحق لا في التكالُب
وله:
آمِنْ هُديتَ وسلِّم ما أتاك به :: خيرُ البريّة عن ربِّ البريّاتِ
قِفْ عند حدِّك لا تطلبْ لنفسك ما :: لم يُعطَهُ أحدٌ من سائر النّات
الله عزّ وجلّ في الكتاب نفى :: إدراكَنا علمَ كُنهِ الوصفِ والذّات
كما نفى الله جلّ أن يشابهَه :: شيءٌ فنخرج عن حَيْزِ الجهالات
وقد نهى أن نخوضَ ما تشابه من :: ما جاءنا من أحاديثٍ وآيات
والصّحبُ معْ تابعيهم ثم تابعَهمْ :: قد فوّضوا أطلقوا سدّ المغارات
على ابن عباسٍ الحَبْرِ الملا وقفوا :: في الله لا تنظروا بل في الصّناعات
نُمِرُّ ما جاء من آيٍ ومن خبرٍ :: فيه اشتباهُ صحيحٍ في الروايات
لسنا نشبِّه لا ولا نعطِّلُ بل :: ننزِّهُ اللهَ عن دركِ الكمالات
وهذه العروةُ الوُثقى فمن أخذتْ :: بها يداه نجا من الـمُضِلاّت
ولست أنكر تأويلاً بمتجهٍ :: من المجاز وتخييلَ استعارات
وقد قفاه هُداةٌ من أئمتنا :: ذادوا عن السّعي في طرق الخيالات
لكنه ربما أفضى بصاحبه :: إلى انقطاعٍ به وسط العميقات
خيرُ الكلام الذي جلّت إفادته :: وقَلَّ ألفاظُه سهلُ العبارات
لله ربِّيَ فردٌ لا شبيهَ له :: قلْ واستقمْ ووصاة المصطفى تاتي
عليه أزكى صلاةٍ ما بدا قمرٌ :: وما اهتدى من مشى وسط الجماعات
الدين إيماننا بالوحي أجمعه :: وجهلنا الكيفَ من أصل الديانات
كان بالإضافة للمعهد العالي يقدم دروسا فى معهد رابطة العالم الإسلامي والمعهد العلمي السعودي ، وعمل فى لجنة صياغة القانون الموريتاني وفق الشريعة الإسلامية – الفقه المالكي – كما كان عضوا فى لجنة مراقبة الأهلة ولجنة تكوين عمال وموظفى بنك البركة الإسلامي.
ذهب سنة 1983 إلى السعودية رئيسا للجنة المشرفة على الإفتاء للحجاج الموريتانيين وزار دولة الإمارات العربية المتحدة سنة 1984 فى بعثة العلماء لإحياء شهر رمضان ضيفا لدى رئيسها الشيخ زايد فقدم عدة محاضرات، وسافر إلى السينغال وفرنسا للعلاج.
تخرج على يديه الكثير من العلماء والقضاة والأساتذة من أبرزهم ابن عمه محمدالعاقب ولد آدّو وابن أخته القاضي محمد الأمين ولد محمد بيبَ العلوي ومحمد المختار ولد امباله وأبوبكر ولد أحمد وأحمدو ولد الراظي وسعدنا ولد اعل سالم والفالي ولد المزروف ومحمد فاضل ولد محمد الأمين ومحمد يسلم ولد الدمين و غيرهم …
مساء يوم الخميس التاسع من المحرم 1408 هـ الموافق 3 سبتمبر 1987م توفي الشيخ محمد يحيى ولد الشيخ الحسين ودفن فى انواكشوط بعد عمر حافل بالعبادة والعطاء.
خلف رحمه الله الكثير من المحاضرات والفتاوى جمعها تلميذه القاضي يسلم ولد ديدي، وخلف علما غزيرا بثه فى قلوب الرجال لن ينقطع عمله منه إن شاء الل.
كتب عنه الأستاذ الباحث محمد المصطفى ولد الندى رحمه الله، وكتب عنه القاضي محمد يحظيه ولد المختار الحسن، وكُتب عنه فى مجلة (الشعاع) الصادرة عن المعهد العالي وجريدة الشعب ، إلا أن هذه المبادرات الشخصية لاتكفي .
يفول محمد ولد الا مام :
ويحيانا الرشاء لكل علم :: أفادته الأواخر والأوالي
أصابته الحوادث ليت شعري :: فمابال الحوادث لا تبالي
ذلك رجل ..من علماء البلد الكبار لم ينل حظه من التكريم أعطى فى تواضع جم ونكران كبير للذات، ورحل فى صمت كما رحل صنوه محمد سالم ولد المحبوبي والناجي وولد الندى و بداه والناه و ..
ذلك ديدن المنتبذ القصي
دخل أحد خريجي المعهد العالي دورة تدريبية وكان يدرسه بعض الأساتذة غير الأكفاء فقال :
ويرحم الله زمانا كانا :: أستاذنا فيه الفتى يحيانا
ونجل محبوب الرضى والناجي :: وغيرهم من سرج الدياجي
أبعد ذا طلبة نكون :: لهؤلاء إن ذا لهُونُ
كامل الود