سؤال موجه لمحمد بن بلال إثر محاضرته التي نقلت عنه في اشرطة صوتية، ونشرت في وسائط التواصل المسيسة في موريتانيا،،
لعل ابن بلال أكثر العارفين في موريتانيا بالقواعد المؤسسة للنظم السياسية التي تركها المستعمر في مستعمراته السابقة، ومنها بلادنا،،وهذه القواعد ضعيفة الى حد ما، و هي بمثابة الاساس الذي اذا وصله الهدم انهار الكيان المؤسس عليه، نظرا لمحدودية القواعد المدنية للنظم حديثة العهد، فقد اختزلت أساسات النظم السياسية الحديثة في مجتمعنا العربية، والافريقية، في مؤسستي الجيش، والأمن الداخلي،، ومتى قضي على واحدة منها سقط الكيان العام في حروب أهلية لا آخر لها،، لذلك كان الاحرى بشخص وطني، وقد تبنى مشروع كل انظمة الحكم السياسي، أن يكون حسه الوطني مانعا له عن توجيه الاتهام المبني على خلفية البحث عن مصالح سياسية، وهو المعروف بالمراوغة ـ الا في هذه المكشوفة ـ خلال تاريخه السياسي، وانتزاعه لمصالحه الشخصية، دون اثارة هذه الاتهامات التي تتعلق بسياسة حكمه الاسبق الذي خدمه منذ انقلابه الذي أشرفت عليه فرنسا في العام 1984م،،
إن اتهام ولد بلال لمؤسسة الجيش الوطني، يعبر عنه, تبنيه للاتهامات السينغالية العنصرية التي وجهت لنظام حكم ولد الطايع، وجعلته يخرج من بعض المؤسسات الافريقية التي يسمح الاتنساب اليها بالتدخل العسكري لمناصرة فريق موريتاني على حساب الوحدة الوطنية،، وهذه من الأمور التي يعرفها الجميع بما فيهم ولد بلال، ثم إن إدانة حكم ولد الطايع، تشمل فريقه المشارك معه، وليس الجيش الوطني الذي يعد توجيه الاتهام له لعبا بنار الفتنة، وتمزيق وحدة البلاد،، وفي كل الاحوال، فهذه محاولة متأخرة للقفز من قارب الحكم السابق، وهو قارب مهتري منذ ثلث قرن ونيف، والتبرؤ من أخطاء تلك الفترة دون مبرر،، الا اذا كان تحت ضغط محكمة الضمير، والشعور بالذنب الشخصي ،، فهل كان صاحبكم نائما، أو فاقدا لوعيه، وهو الآن يلتمس طريقه الخاطئة لاستعادة وعيه البرغماتي بحثا عن توظيف جعله يصل النقطة الحدية من التهور الطائش، والاتهامات التي اطلقها جزافا،،؟!
وفي تقديري الشخصي أنه ضيع فرصة من هذا القبيل بعد ان احرق أوراقه، وعليه أن يكمل المشوار نحو اعترافاته، ويقدم نفسه للعدالة باعتباره شريكا، واعترافه الجزئي لايسقط الجرائم التي اعلن عنها في محاضرته، علاوة على كل السياسيين المخططين، وهم المسؤولون، وليس مؤسسة الجيش الوطني التي تلقت الأوامرـ كغيرها من أدوات التنفيذ ـ من الرئيس معاوية، وفريقه السياسي في حق الموريتانيين .. الا دورها في الدفاع عن وحدة البلاد و دفع حرب أرادتها فرنسا أن تكون بداية لحروب بين العرب واخوتهم الأفارقة في موريتانيا، وفي اتشاد، والسودان،،
كذلك إن إدانة ابن بلال قائمة، على أساس تشخيصه لخسائر الموريتانيين في السينغال، وحصرها في الجانب المالي، وتجنبه التصريح العلني عن المذابح التي لازالت في ارشيف القسم العربي لإذاعة ألمانيا ، والاشرطة التي صورت الجرائم التي قام بها المجتمع السينغالي، وشرطته، وعسكره، وهي جرائم لا تسقط بالتقادم، وقد قدمتها السفارة العراقية في السينغال للحكومة الموريتانية،، وهي موجودة، إذا لم يكن فريق ولد بلال, تعمد سرقتها لاخفائها،،
إن ولد بلال، تجاوز الخطوط الحمر باتهامه لموريتانيا في احداث 89.. وباتهامه لمؤسسة الجيش الوطني، وانحيازه غير المبرر، بل المدان، للطرف الأجنبي على حساب وطنه، والتلويح بضرب ثوابت الوحدة الاجتماعية في مجتمعه" الإثني" الذي عرف صراعات موجهة من طرف فرنسا، ونظام الحكم السينغالي حينئذ، ولعل كثيرا من الوطنيين، قد تفاجأوا بهذا الارتكاس الانتكاسي في وعي افراد هذه الفئة من المثقفين الذين لايجدون غضاضة في حرق سفينة الوطن إذا ما قادوها، واستعدادهم للبقاء في دفة الحكم، حتى يموتوا على التزلف للحاكم،، والآن وصل بهم البحث الفاشل الى تهديد نظام الحكم القائم، حيث وجد الأخير ضرورة في تغيير واجهات النظام ب"توزير" فريق وطني آخر،،
وكان على ولد بلال أن يعلن مخالفته للحكم السياسي القائم في بلاده، وهذا حق مكفول له، ولغيره،، ولكن الخروج عن تلك القاعدة إلى النبش عن هذه الاحداث، واستخراج منها التهديد لمؤسسة الجيش التي هي الوحيدة قادرة على حماية البلاد من التحديات الداخلية، والخارجية،، وهناك فرق شاسع بين التهديد بوثائق تتضمن الفساد المالي لرموز الحكم القائم، كما فعل "محمد ولد هارون ولد الشيخ سيديا "، وبين التهديد بزعزعة الوحدة الاجتماعية، وإدانة الجيش الوطني، والمطالبة بالتعويضات، وجبر الخاطر، وما الى ذلك من التزلف الماكر من أجل استمالة طرف وطني للركوب على ظهره بحثا عن مصالح شخصية،،!
وفي المقال مغالطات كبيرة، وكثيرة، لكن تصدره بهذين الجرمين ـ إدانة الجيش الوطني، والمطالبة بالتعويض بمعنى الاعتراف بالجريمة المفترضة، والتلويح بزعزعة الوحدة الوطنية ـ ، فهذه لم تترك مجالا للنقاش السياسي، والمطارحات الفكرية حول الاختلاف في الرأي، وتصحيح المغالطات مثل الخلط بين المحافظة على الوجود الاجتماعي الذي شكل امتدادا للوحدات الاجتماعية الافريقة في بلادنا، وبين الوجود الحضاري الذي تثبته العناصر المادة، والثقافية،، فهل وجد في بلادنا معالم حضارية غير مدننا القديمة، وهي بعيدة عن شواطئ النهر، أو آثار حضارية لمدن أخرى على شاطئ النهر، ولم يوجد من الآثار المشتركة غير آثار" كومبي صالح" وتقع الى جانب مدينة "ولاته"، وهي عاصمة لمملكة، كانت تحكم منطقة غرب افريقيا، الى جمهورية " غانا" لذلك استعار اسمها " كوامي نكروما" في العام 1957 بعد استقلال بلاده من الاحتلال الانجليزي،،
وكان ملك مملكة غانا اسمر البشرة، بينما وزراؤها بيض البشرة على حد ما ذكرت الوثائق التاريخية؟
إن افريقيا، وهي قارتنا جميعا، سميت باسم " افريقش" وهو رئيس القبيلة العربية التي هاجرت من اليمن الى تونس عبر البحر الاحمر، والمناطق الحضارية في افريقيا معروفة للجميع، ومعظمها في المنطقة العربية عدا ما هو موجود في جنوب افريقيا، والحبشة، رغم الاكتشافات الأنثروبولوجية للإنسان القديم في منطقة " تنزانيا"، ومعظم الآثار الحضارية، تكاد تكون محصورة في الصومال، والسودان، ومصر، وشمال إفريقيا عامة، حتى آثار مدينة " سرناكا" الفينيقية الواقعة بين النهر، و مدينة ".. Saint- Louis
وليس في هذا اشارة على عدم قدرة مجتمعات المنطقة على تجاوز التخلف الحضاري، والانتقال من مراحل، وحقب التخلف الاجتماعي، والثقافي والحضاري، لكن التملق، ولي حقائق التاريخ، والتزلف لقوى الخارج الاستعمارية التي حكمت الأقلية بالأكثرية على أساس رفض الأخيرة للتعامل مع المحتل الفرنسي، فهل يكون ذلك قاعدة لشرعنة اخطاء المستعمر، واجرامه في حرمان أبناء البلاد، واعتماده على سياسة " فرق تسد"، ؟
والغريب في الأمر هو المقارنة بحكم " اهل السنة" بدلا من الاكثرية " الشيعية"،، فهل كان ولد بلال جاهلا، أو متجاهلا للحقائق التاريخية في الحوادث السياسية في العراق منذ ثورة العشرين التي انطلقت من " دير الزور" والموصل" ، وهي المناطق العراقية الاكثر وعيا سياسيا، ومواجهة الاحتلال الانجليزي،، وعلى أساس مواجهة المحتلين، كان التفاوض، والتنازل لحكمهم في العهد الملكي، وبعده كانت الثورات الوطنية التي شارك فيها كل ابناء العراق، ولم يحل دون ذلك الاختلاف بينهم في المذاهب الفرعية، ولم يكن الأمر، كالذي وقع بين الأعراق الذي استغلته فرنسا في بلادنا،، ولكن هل انحياز الفرنسيين للإخوة الموريتانيين في الضفة، كان على أساس مناوأة الاحتلال، أو التواطؤ معه؟
وما الذي يبرر التمسك بالإرث الاستعماري، واتباع سياسة الاحكام التي دفعتها الضرورة لتوظيف ابناء الوطن، وغيرهم لتسيير الامور الادارية، فهل ذلك، تترتب عليه الحقوق الوراثية في الحكم، المهددة بالتعريب الذي كان موقف ابن بلال منه رافضا، وكذلك المعطيات الموضوعية التي تشرعنه، وتقصي في ذات الوقت اللغة الفرنسية التي هي بمثابة مصدر المصالح للإفرنكفونيين من العرب والافارقة الموريتانيين على حد سواء..؟!