الناها..بنت سيدي،شمس من الرعيل الأول،تغيب!
حدثني والدي بَابَ ولد أبن رحمة الله عليه،قال:عرفت الناها بنت سيدي(رحمها الله)وهي يومئذ في سن المراهقة،مع أسرتها الكريمة بالسينغال،وأظنه قال(كولخ)النسيان مني وقد بدت لي عليها ملامح الذكاء والنبوغ،وكانت ملمة بالقراءة،والمطالعة بنهمٍ كبيرٍ كبير!
كان يحدثنا ونحن نستمع إليها وهي تقدم نشرةَ أخبارِ الساعة الواحدة زوالا بصوتها الحلو وأدائها المتقن الذي أضفى أبهة وجمالا،على أثير إذاعة الجمهورية الإسلامية الموريتانية!
في ثمانينات القرن الماضي،عرفتها عندما التحقت بالإذاعة،وتسمى آنذاك(هيئة الإذاعة والتلفزة الموريتانية)وعرَفت فيها سيدة فاضلة،موطأة الأكناف،حسنة الخلق،ملتزمة؛ عرفت فيها الجدية والإخلاص في العمل،والمثابرة،عرفت فيها الطموح الجامح،والانضباط،والاحترام،والنبل والمحافظة،والقناعة...
وليس هذا بغريب،فأختنا شبت وترعرعت في محيط اجتماعي راقٍ،تعلمت فيه الشيم والمزايا الرفيعة،والفضائل،وترسخت في ذهنها،وتحلت بها في حياتها اليومية فكانت نارا على علم،كما تقول العرب(الناها بنت سيدي..فهو اسم(يِنْكِطْ)كما يقال،في ثقافتنا الشعبية.
شقت الناها،طريقها إلى النجاح الباهر،في ظروف قاسية،يأتي في طليعتها،أن العمل الإعلامي،لم يكن مألوفا للمرأة،لا في محيطنا الإجتماعي فحسب،ولكن في المحيط الإفريقي والعربي بصورة عامة.
وفوق هذا،كانت هي المرأة الوحيدة التي ظهرت في الإعلام،رغم كل التحديات(قبل أن يُخلق الكرْم)
وقد كان لهذا النجاح والتفوق مسوغاتهما من كفاءة وجدارة،وإرادة قوية لا تعرف الخورفحققت ما تصبو إليه من أهداف سامية في هذا العمل المعروف بمهنة المتاعب!
إنها رحلة شاقة،طويلة،في مواجهة التحدي في مجالات الثقافة،والإعلام،والاجتماع،واجهت فيها الناها،علاماتٍ على الطريق،مما يعوق التقدم،وتأكيدَ الذات،وإنجازَ مكاسب مهنية رائدة!
تصوروا إخوتي الكرام،أنه كانت لأختناهذه شخصية قوية،ومعنويات مرتفعة،في كنف مجتمع محافظ،حتى لا أقول(متزمت)أو غير منفتح بطبيعة الحال،في دولة ما تزال في طور النشأة!
واكبت الناها هذه النشأة،بعزم وإصرار،ووطنية،متنامية،فأسهمت أيما إسهام في بناء الوطن،فكانت في طليعة النساء المتحمسات للعمل السياسي الرائد،سعيا إلى النهوض بموريتانيا حرة،ذات سيادة بأبعاد الكلمة.
كانت منشطرة،بين ثلاثة فضاآت:العمل الإعلامي والعمل السياسي،وتربية الأبناء،وقد كتب الله لها النجاح في هذا الثلاثي،بصبر وأناة وتؤدة.
فبالإضافة إلى ذينك الأولين،عملت أختنا على ترسيخ القيم والفضائل في نفوس أبنائها البررة،وربتهم أحسن تربية،جزاها الله خيرا،وجعل ذلك في ميزان حسناتها.
كان لي الشرف أن عملت معها في قطاع الأخبار بالإذاعة،وفي أغلب الأحيان،كنا نقدم النشرة معا كانت تحترز من الأخطاء اللغوية والنحوية والصرفية وتجتهد في الصياغة والتحرير،وكان تقديمها حلوا،يجعل من الجهاز الإذاعي شيئا آخر!
ثم جمعتنا التلفزة،إذ كنا من أوائل الصحفيين الذين حولوا إليها من الإذاعة،وهي إذ ذاك،قطاع تابع لها،فكانت منسجمة مع الشاشة،مُقنِعة،متمكنة من ناصية العمل بأدائها الإعلامي المتميز..
إنها كانت تعشق عملها باتزان،واطمئنان..
ما أحوجنا اليوم إلى(ناهات)يخلفنها في حقول الإعلام بجدارة،وكفاءة،ومهنية عالية!
فهل يُنجب إعلامنا مثلها؟
أم أن نوعها لن يتكرر إلا بعد مائة سنة،مما تعدون؟
أم أنه انتهى برحيلها؟!
عزاؤنا إلى أبنائها البررة،وإلى الأسَر الكريمة،وأهلنا جميعا وإلى الأسرة الإعلامية..
تغمدها الله برحمته الواسعة،وأدخلها الفردوس الأعلى من الجنة،وبارك في عقبها،ورحم السلف،وبارك في الخلف.
من زاوية ردم آوليك التي يكتبها أحمدو ولد أبن كل أربعاء على جريدة الشعب الوطنية.