ثار الليلة الماضية واليوم (الأربعاء 12/5/2021) جدل واسع بسبب ما قيل إنه رؤية لهلال شوال ليلة الأربعاء (مساء الثلاثاء) من قبل جماعة من الناس في بعض المناطق الداخلية في موريتانيا، مع عدم اعتماد لجنة الأهلة لتلك الرؤية.
.
وقد اتصل بي العديد من الناس يسألون عن الحكم، ويطلبون بيانه للعامة.
واستجابة لهذا الطلب أقول:
1- ليس لدي علم بسبب عدم اعتماد لجنة الأهلة لتلك (الرؤية) وتمكن مراجعة اللجنة في ذلك.
2- إن الحساب الفلكي يؤكد استحالة رؤية هلال شوال الليلة الماضية (مساء الثلاثاء، ليلة الأربعاء) في جميع الدول الإسلامية بما فيها موريتانيا، كما يظهر في الخريطة المرفقة.
وفي مثل هذه الحالة فإن المحققين من اهل العلم يقولون بعدم اعتماد الشهادة بالرؤية.
ويفرقون بين قول الفلكيين بإثبات الهلال بالحساب فقط دون الرؤية، فلا يعتمدونه، وبين قولهم باستحالة رؤيته، فيعتمدونه.
وهذا هو القول الراجح في هذه المسألة.
ومن أحسن ما وجدت في هذا الموضوع من كلام أهل العلم، ما قاله الإمام السبكي رحمه الله في فتاواه، حيث نص على أنه إن دل "الحساب على عدم إمكان رؤيته -ويدرَك ذلك بمقدمات قطعية- ويكون في غاية القرب من الشمس، ففي هذه الحالة لا يمكن فرضُ رؤيتنا له حِسا، لأنه يستحيل، فلو أخبرنا به مخبر واحد أو أكثر ممن يحتمل خبره الكذب أو الغلط، فالذي يتجه (عدم) قبول هذا الخبر، وحمله على الكذب أو الغلط.
"ولو شهد به شاهدان لم تقبل شهادتهما، لأن الحساب قطعي والشهادة والخبر ظنيان، والظن لا يعارض القطع، فضلا عن أن يقدَّم عليه، والبينة شرطُها أن يكون ما شهدت به ممكنا حسا، وعقلا، وشرعا، فإذا فرض دلالة الحساب قطعا على عدم الإمكان استحال القبول شرعا لاستحالة المشهود به، والشرع لا يأتي بالمستحيلات.
"ولم يأت لنا نص من الشرع أن كلَّ شاهدين تقبل شهادتهما سواء كان المشهود به صحيحا أو باطلا.. ولا يترتب وجوب الصوم وأحكام الشهر على مجرد الخبر أو الشهادة حتى إنا نقول: العمدة قول الشارع صوموا إذا أخبركم مخبر!، فإنه لو ورد ذلك قبلناه على الرأس والعين، لكن ذلك لم يأت قط في الشرع، بل وجب علينا التبين في قبول الخبر حتى نعلم حقيقته أولا.
"ولا شك أن بعض من يشهد بالهلال قد لا يراه، ويشتبه عليه، أو يرى ما يظنه هلالا وليس بهلال، أو تريه عينه ما لم يَرَ، أو يؤدي الشهادة بعد أيام ويحصل الغلط في الليلة التي رأى فيها، أو يكون جهله عظيما يحمله على أن يعتقد في حمله الناس على الصيام أجرا، أو يكون ممن يقصد إثبات عدالته فيتخذ ذلك وسيلة إلى أن يزكى ويصير مقبولا عند الحكام..
"وكل هذه الأنواع قد رأيناها وسمعناها، فيجب على الحاكم إذا جرب مثل ذلك، وعرف من نفسه، أو بخبر من يثق به أن دلالة الحساب على عدم إمكان الرؤية أن لا يقبل هذه الشهادة، ولا يثبت بها ولا يحكم بها، ويستصحب الأصل في بقاء الشهر، فإنه دليل شرعي محقق حتى يتحقق خلافه.
"ولا نقول الشرع ألغى قول الحساب مطلقا والفقهاء قالوا: لا يُعتمد، فإن ذلك إنما قالوه في عكس هذا (اي إثبات الرؤية بالحساب)" ( فتاوى السبكي 1/209)
وبناء على ما تقدم فالصحيح أن اليوم (الأربعاء 12 /5/ 2021) هو المتمم لشهر رمضان المبارك.
تقبل الله صيامنا وصيامكم...
وكل عام والجميع بخير.
كتبه محفوظ بن الوالد (أبو حفص الموريتاني)