من أسباب شيوع الأخطاء اللغوية

2021-05-12 03:57:00
نشر *علي الطاهر* في *مخبر اللسانيات*: مجموعة *فيسبُوكية* متخصّصة..
 
*من أسباب شيوع الأخْطاء اللغويَّة*: .
 
لقد شاعَ في اللُّغة العربيَّة أخطاء كةثيرة، لا تعدّ ولا تُحصى، فاهتمَّ بعض العلماء - قديمًا وحديثًا - بِجمعها وتصنيفِها، والتَّنبيه عليها، والإرشاد إلى الصَّواب فيها،  فما هي أهمّ الأسباب التي أدَّت إلى شيوع هذا الكمّ المزعِج من الأخطاء في لغة الضَّاد؟
هنالك جُملة من الأسباب:
أوَّلاً: قد تسرَّب إلى لغة العرب مِن بعض العرَب أنفُسهم بعضُ الأخطاء، ولكنَّها النَّادر الَّذي لا اعتبار به؛ لأنَّها غير مخلَّة بنظام اللّغة العام، وقد أدْخل العلماء ذلك فيما سمَّوا بالشَّواذّ، وإن لم يكن الشَّاذُّ في حدّ ذاتِه خطأ شنيعًا، كما أنَّه ليس كلّ شاذٍّ خطأً
 
ثانيًا: بعد انتِشار الفتوحات الإسلاميَّة اختلط العرب بكثيرٍ من الأجانب ، وحملَهم شغفُهم لفهم رسالة الإسلام على تعلُّم اللغة العربيَّة، ولكن هذا التعلّم إنَّما هو ارْتِجالي لَم تُعَدَّ له عدَّته وأدواته، بل هو شفوي يتلقَّى بالاختِلاط والسَّماع؛ ولذلك شاعت الأخطاء في كلام المسلِمين الأعاجم؛ لعجْزِهم عن التِقاط الأصوات العربيَّة والتلفُّظ بها كالعرب، فاضطرَّ العلماء إلى إعْداد قواعدَ وضوابِط لقراءة القرآن سالمًا من الأخطاء والتَّحريف، وللمحافظة على سلامة اللغة العربيَّة، وتيسير تعلُّمها لغير العرب، والنَّاشئين بينهم.
 
ثالثًا: عرف العصر العبَّاسي قفزة حضاريَّة عالية، وصلتْ بالمجتمع الإسلامي إلى أوْج الحضارة الإنسانيَّة المركَّبة من جَميع أجناس الحضارات السَّابقة، الَّتي أصبحتْ بالتَّرجمة والنقل مسلمة وحضارة واحدة متكاملة وبلغة واحدة لا ثانية لها، وكان لترجمة علوم الأمم السَّابقة أثرٌ واضح على كثيرٍ من أساليب اللّغة العربيَّة، ولكنَّ العلماء وأغلبهم من غير العرَب - كانوا بالمرصاد، فهبّوا لجمع المادَّة اللغويَّة، والكشْف عن أسرار اللُّغة العربيَّة وخصائصها، فجمعوا وألَّفوا ووصفوا وقعَّدوا وضبطوا، ولَم يسمحوا لأيْدي الضَّياع والرَّكاكة والدَّخيل لتمتدَّ إلى أصول اللُّغة العربيَّة ونظامها، وأسس روعتِها وجمالها، ورونق أساليبِها.
 
رابعًا: عصر الانْحطاط  لقد دبَّ إلى اللّغة العربيَّة فساد كبير، وتحوَّلت إلى تُحَف من الأحاجي والألغاز، وميْدانًا للتَّباري في تكْديس الغريب .
 
خامسًا: بذل بعض روَّاد النهضة العربيَّة المخلصين قُصارى جهودِهم لإحْياء اللُّغة العربيَّة، وإعادة أُسُسها المقوَّضة، وتَخليصها من الشَّوائب، وعواقِب عصور الانْحِطاط، ولكن ظهر إلى جانبِهم دعاة التَّغريب والعلمانية، وهُم الَّذين يزعُمون - مفترين - أنَّ اللّغة مجرَّد وسيلةٍ للتَّعبير كيْفما اتَّفق، لا داعيَ للحِرْص على نظامها وقواعدها مادام المقْصود يتحقَّق بأيّ شكْلٍ من أشْكال التَّعبير.
 
فنادى بعضُهم إلى ماسمَّاه: "البلاغة العصريَّة"، وبعضُهم إلى ما سمَّاه: "اللّغة الثالثة"، بل نادَى بعضُهم  إلى ضرورة كتابةِ اللُّغة العربيَّة بالحرْف اللاتيني لتسهل قراءتُها على الجميع.
 
سادسًا: الاستِشْراق؛ لا أحد يَجهل جهودَ بعْض المستشْرقين ذوِي النيَّات العلميَّة الحسنة، ودوْرهم في البحْث العلمي في التُّراث العرَبي الإسلامي، ولكن لا يَنبغي أن نغترَّ ببعْض النّيَّات الحسنة فنزكِّي كلَّ مَن هبَّ ودرجَ باسم الاستِشْراق؛ فقد وقع المستشْرِقون في أخطاء علميَّة كثيرة، ومزالِق منهجيَّة خطيرة، فيما أنْجزوه عن الحضارة الإسلاميَّة، بما في ذلك البحْث اللّغوي والأدبي اللَّذين ارتكبوا فيهِما - عن جهلٍ في الغالب، أو عن قصدٍ - ما لا يُعَدُّ ولا يُحصى من الأخطاء الفاحشة، فتارةً يتوهَّمون، وتارة يدَّعون، وأخرى يَقيسون قياسًا فاسدًا على لغاتِهم وأفكارِهم وآدابِهم، وتارة يؤوِّلون القضايا بِحسب أهوائهم، وكثير يعتبِرهم نَماذج راقية في البحوث اللغويَّة والأدبيَّة، لا يَجوز الطَّعن فيها كأنَّها وحي منزَّل، 
 
سابعًا: وسائل الإعلام الحديثة بِمختلف أنواعها؛ فقد اتَّفقتْ جميعًا على مسْخ اللّغة العربيَّة، وتسْمية الأشْياء بغيْر مسمَّياتها، وتَهجين المعْجم اللّغوي فيها، وتغْليب الألْفاظ الأجنبيَّة على العربيَّة، وإلغاء الإعْراب تمامًا، سواءٌ في الإذاعة أو التليفزيون أو السينما.
 
 
ثامنًا: الكتاب المدْرسي غير المراجع  
 هو من أخطر أسباب شيوع الأخْطاء اللغويَّة؛ وذلك أنَّه: 
كلّ مقرَّر مدْرسي مكتوب بالحرْف العربي فنصيب اللّغة العربيَّة فيه إنَّما هو الحروف؛ وذلك أنَّ التَّساهُل في التَّنازُل عن المستوى اللّغوي كلَّ سنة - تحتَ غطاء ضعْف مُسْتوى المتعلِّمين - جعلَ الكتاب المدْرسي أخطاء يتناقلها المتعلِّمون بالتَّدريج، سنة بعد أُخْرى، فأثر ذلك في مستوياتِهم اللّغويَّة؟!
 
تاسعًا: تقصير الجامعات العربيَّة في تدْريس علوم اللّغة العربية؛ إنَّ كثيرًا من الجامعات العربيَّة اهتمَّت باللغات الأجنبيَّة وأهملت علوم اللّغة العربيَّة، كلاًّ أو بعضًا، بِحيث لا تُذْكَر اللّغة العربيَّة في جلّ الشُّعب الدّراسيَّة، وما يقدَّم في كثيرٍ من شُعَب اللّغة العربيَّة لا يَمتُّ إلى اللّغة العربيَّة بصلة؛ لأنَّه يعتمد المناهج والمراجع الغربيَّة، ويُهْمل المناهج والمصادر العربيَّة الأصيلة والأصليَّة؛ والسَّبب الرئيس في ذلك: ضحالة مستوى المدرّسين وجهلهم باللغة العربيَّة.
 
*علي الطاهر*
......................
*تعليق العبد الفقير*
أجدتَ، أخي الكريم، في وضع الأصبع على بعض مكامن الدّاء الذي تعاني منه اللغة العربية...
وإن في ما سقتَ من حديث عن الأخطاء دليلا على ضرورة تنقية اللغة الفصحى من شوائب لوثة الأعجام بإنشاء أكاديمية عربية تسهر على منح التراخيص للكلمات والتعابير التي ترى فيها ولها ضرورةً ملحةً في خدمة اللغة العربية وزيادة رصيدها بما لا بديل عنه في لغة الأم..
فحياة اللغة، أية لغة، تفرض الأخذ والعطاء والتبادل والاقتراض من اللغات الأخرى، مجاورةً وغيرَ مجاورةٍ، من نفس الأسرة أو من رابطة نسَبية مغايرة...
على أية حال، حززتَ في المفصل وشخّصتَ جوانب جوهرية من الداء المزمن والعُضال الذي يعيق سلامة وصفاء اللغة العربية ونقاءها ويصيبها في مقتلٍ بانتشار الأخطاء اللغوية المغيرة للبنية الدلالية...ثم يقولون لك إن الخطأ الشائع خيرٌ من الصّواب المهجور أو المهمل...
أخي الفاضل، بقي عليك، حسب رأيي المتواضع:
• أن تشير إلى أنّ العرب، منذ فجر ظهور ظاهرة الإعراب والنحو، ظلّوا، إلى يوم الناس هذا، [يتحدّثون 'عن' اللغة العربية أكثرَ ممّا يتحدثون بها'..]، يهتمّون بالنحو النظري البحت أكثر من اهتمامهم بالنحو الوظيفي...!!!
يبدأون بتدريس القواعد اللغوية لطلبة ليس لهم زادٌ ولا رصيدٌ لغوي عليه يُسقطون هذه القواعد ويطبقونها، وهذا لعمري، من باب وضع العربة أمام الحصان...!!
• هذا، وإن من أسباب ضعف مستويات أبناء اللغة العربية والناطقين بها من غير أبنائها، أن هذه اللغة ليست لغة الشارع والحياة اليومية، فلا نكاد نسمع الحديث بها إلا في المحافل الرسمية أو قاعات الدرس أو في الخطب الدينية، أما إذا مشيت في الأسواق ودخلتَ معترك الحياة اليومية فإنك لا تكاد تلاقي من يحدثك بالعربية، بل لن تجد إلا من يسخر منك إن أنت كالمته بالفصحى، هذا إن لم يعتبرك متعالما ومتثاقفًا ومتعاليا على العامّة ممّن لم يُكتب لهم أن يتعلموا هذه اللغة أو بها..
تلك، أخي الكريم، وجهة نظر تحتاج مناقشة وتعميقا...
لك التحيةُ وخالصُ الودّ...
 
ابّوه ولد محمّدن ولد بلبلاّه..
المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122