تعمدت عنونة هذا المقال بصيغة التنكير هكذا (مشتركات) تجنبا لصيغة التعريف التي تقتضي شمولا في العرض لن يتسع له المقام.
.
عندما تكون الوقائع التاريخية متداولا سردها على نطاق واسع، أو أكثر من ضيق على الأقل، فإن تناول دلالاتها وعبرها يكون أكثر إلحاحا من سرد أحداثها التاريخية المنصرمة في مسعى لبناء الذات، أو الذوات الاعتبارية الوطنية.
وأظن المقاومة الجهادية في مغربنا العربي عموما، وفي موريتانيا والمغرب خصوصا، لم يزل تناولها السردي غالبا على تناولها الدلالي والاعتباري بما يخدم الوعي الوطني لمعركة البناء والنماء في البلدين، وهو أمر مفهوم بتهميش التاريخ الجهادي في المنهاج التربوي للبلدين، أو لموريتانيا على الأقل.
لذلك أكتفي من ذكر الوقائع بما يؤسس لمقصد الدلالة والاعتبار، مقسما هذا المقال، فيما عدا المقدمة والخاتمة، إلى محاور ثلاثة، هي: دوافع الاحتلال، و أساليبه، ومقاومته.
أولا: الدوافع: كما هو معلوم فإن دوافع احتلال المغرب وموريتانيا قائمة على ثنائي من تلازم الخوف والطمع في نفوس المحتلين.
أما الخوف فمن ديانة إسلامية منفردة بخصائص الوسطية والعقلانية والبساطة، سبق أن مثلت للمحتلين في الأندلس على مدى من القرون طويل، وبقيت، بعد الأندلس، على ما اعتراها من تراجع وضعف في عهد ملوك الطوائف، معتقدا لعرب أعزهم الله تعالى بها، على ما أودعهم من شيم النخوة والإباء.
وأما الطمع ففي متسع من ضخامة الثروات والموارد الطبيعية كفيل برفاه من يصل إليه على نحو ما.
ثانيا: الأساليب: لقد استخدم المحتلون في منطقتنا مختلف الأساليب والوسائل من أسلحة حية، وسياسة تفريق، ودعاية إعلامية، وكان لكل منها بالغ الضرر على شعوبنا، لكن كان أبلغها ضررا سياسة التفريق الأمضى في هزيمة الشعوب والتغلب عليها من السلاح الحي الذي لا يوصل المحتل إلى مبتغاه ما لم تفعل الحرب النفسية، بسياسة التفريق، فعلها في المجتمعات المستهدفة بالاحتلال.
وبالدعاية وسياسة التفريق حقق الاحتلال الكثير من سعيه لتجميد عوامل البقاء والنماء في شعوبنا بحصار شرعنا الإسلامي ولغتنا العربية قبل الشروع في نهب خيراتنا بسيطرته شبه المكتملة على منطقتنا في النصف الأول من القرن الماضي.
ومن الجدير بالملاحظة ما طبع أسلوب المحتل من تزامن وتشابه في البلدين، حيث كانت بداية احتلاله الفعلي لهما في العقد الأول من القرن الميلادي العشرين، بعد ما أمضى في كل منهما العديد من رحلات التجسس والاستطلاع قبل الشروع في الاحتلال الفعلي لهما، ثم الاقتراب من سيطرته عليهما في العام 1912م بموجب معاهدة الحماية في المغرب، وما زامنها من عقد الاتفاقيات في موريتانيا، ثم حضور المقاومة السياسية بعد ذلك إلى حانب ما استمر من مقاومة مسلحة في البلدين قبل استقلالهما بتقارب زمني في العقد السادس من ذلك القرن حيث كان استقلال المغرب في نوفمبر من عام 1956م وكان استقلال موريتانيا في نوفمبر كذلك من عام 1960م .
ثالثا: المقاومة الجهادية: بحكم الترابط العضوي القائم بين موريتانيا والمغرب، ابتداء من النشأة، وتواصلا مع المراحل والأطوار، كان لمقاومة الاحتلال في البلدين عديد من المشتركات القائمة على منحى من الترابط والتداخل الوثيقين، فقد ظل الشناقطة ينظرون إلى المغاربة باعتبارهم مصدر النشأة والتأسيس لدولة المرابطين على الصعيد الشنقيطي، وظل المغاربة ينظرون إلى الشناقطة باعتبارهم من أقام تلك الدولة العظمى، بمقياس زمانها، على الصعيد المغربي.
وبتبادل هذ الاعتبار الإيجابي بقيت الروابط والمشتركات دافعا لحركة الأخذ والعطاء بين الطرفين إلى عهد الاحتلال فكانت مقاومته خاضعة لمقتضيات ما تأصل واستقام بينهما من روابط ومشتركات.
ولعل خير مثال على ذلك ما كان من قيادة الأمير المغربي مولاي إدريس لكبرى معارك الجهاد في موريتانيا(معركة النيملان أوائل القرن الميلادي العشرين) وما زامنها تقريبا من قيادة الشيخ أحمد الهيبه الشنقيطي من قيادة معارك جهادية عدة في الجنوب المغربي.
وختاما لهذا المقال نخرج منه باعتبارات ثلاث:
أولها: أن من دلائل عظمة الإسلام وحضارته، أن يتعرض أهله لمثل ذلك القهر والاضطهاد من قبل تلك القوة العاتية، وتبقى معتقداتهم ومبادئهم، وتطلعاتهم، قائمة في نفوسهم وضمائرهم، يقيهم إسلامهم، بحاضنته العربية، شرور المسخ والانتكاس !!
ثانيها: أن ما هناك من تمايز وتغاير بين المغرب وموريتانيا لا يعدو كونهما جزأين او طرفين لكيان واحد استطاع الاحتلال فصله بما رسم من حدود تخدم أطماعه وخططه الماكرة.
ثالثها: أنه بديه، بمفهوم الموافقة كما يقول الأصوليون، أن مشتركات موريتانيا والمغرب، وروابطهما المتجذرة، قائمة بذاتها بين عموم أقطار المغرب العربي الذي لم تزل حدود
الاحتلال ودسائسه تحرمه من طوق نجاته. الوحيد، طوق اتحاده وتضامنه!!
محفوظ / الفتى