إذا كان الهدف من الإجراءات الجنائية هو الكشف عن الحقيقة، خاصة من خلال عمل قاضي التحقيق الذي يبحث عن أدلة الإدانة والبراءة على حد سواء، فإنه يتعين مع ذلك احترام حرية المتهم وتأكيد ضماناتها فلا قيمة للحقيقة التي تم الوصول إليها على مذبح الحرية، فمتى تمت المأساة التي تتمثل في إدانة بريء وتبرئة مجرم فقل: سلام على مجتمع أصبح في طور الانحلال.
.فالبحث عن الحقيقة يجب أن لا يتم بأي طريقة كانت، لأن إطلاق يد الباحث ليختار لنفسه كيفية بحثه يخشى منه المساس بحرية الأفراد وإهدار حقوقهم.
ولذلك فقد اعتنت البشرية دائما بالاعتراف للفرد لمجرد كونه إنسانا بحقوقه الأساسية، كما اهتمت بتحديد أسس معاملته إذا أصبح في موضوع اتهام.
وفي هذا السياق يندرج حق المتهم في الصمت الذي كرسته عديد التشريعات المعاصرة ومنها التشريع الموريتاني كحق أصيل من حقوق الدفاع ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يستخدم ذلك الحق ضد المتهم ولا أن يعتبر استخدامه له دليلا على ارتكابه الجرم.
وقد نص المشرع الموريتاني على ذلك الحق بصفة صريحة لا لبس فيها بل أكثر من ذلك ألزم قاضي التحقيق أن يشعر المتهم به وأن يدرج ذلك الإشعار في محضر الاستنطاق حيث نصت المادة 101 من قانون الإجراءات الجنائية الموريتاني على أن قاضي التحقيق.
"عند مثول المتهم لديه لأول مرة وقبل توجيه أي اتهام يعلمه بحقه في اختيار محام من بين المحامين المسجلين في القائمة. ويشار في المحضر إلى هذا الإعلام.
ثم يتحقق قاضي التحقيق من هويته عن طريق بيان اسمه العائلي والشخصي ونسبه وتاريخ ومكان ولادته وحالته العائلية ومهنته ومكان إقامته وسوابقه القضائية. ويحيطه علما بكل الوقائع المنسوبة إليه ويشعره بأنه حر في أن لا يدلي بأي تصريح ويشار في المحضر إلى هذا الإشعار".