بين ولد الشيخ سيديا وولد الطلبه

2021-03-07 09:47:00
يقول الشيخ سيد محمد بن الشيخ سيديّ:
تبوّج لمّاع العقيقة مومضُ ... وإيماض لمع البرق للصب مُمرِضُ
ينوء ولأيا ما ينوء تثاقلا ... تكاليفَ ذي هيض يطوح وينهضُ
فلما جلا سترَ الظلام ضياؤه ... تبدّى رُكامٌ مُثقَل الحمل أبيضُ
وترزم من قُدّامه وتسوقه ... رعودٌ على سقي البلاد تحرِّضُ
تنظّرته وهناً وصحبيَ هُجّد ... وقلبي يعنِّيه الهُيام ويُرمِضُ
 فهاج ليَ الذكرى فبتُّ كأنما ... جفوني على لسع العقارب تُغمضُ
وسهّدني ليلا كأن نجومه ... -وقد طال- في كل المرابض رُبّضُ
تدلّى على "آڭانَ" من نحو أُخته ... يُدحرج قودَ الأُكم أو يتهيّضُ
فأبدى خُشاشَ الأرض من كل جُحرة ... فظل برجليه على الماء يرحضُ
ويظهر أحيانا وحيناً إذا به ... بلا نية مُستنشِق مُتمضمضُ
وأجلى ظِباء الوحش منه وخَنسه ... من اَن لم يسع ظبيا أو اَخنسَ مَربضُ
ولما قضى لأهل آڭانَ حاجهم ... وأحسبهم حتى به من حياً رضوا
دعتهُ من "آوكارَ" الرمالُ فأمّها ... وليس له عن ما تقدم مَعرضُ
فلاح له "جركٌ" فـ"ذو الطيس" فالنّقا ... "نقا الفارِ" فالبيرانِ فـ"الكن الاَبيضُ"
فـ"حقف بني المبروك" أفعم غوطَه ... كإفعام مِكيالٍ لذي القرض مُقرِض
فـ"ميمونةٌ" لا زال يُلقي بعاعَه ... بها وبمغناها البوارق تومِضُ
ومرّ على "ذي المور" يهمي كأنّه ... حوافر خيلٍ بالجداجد تَركُضُ
فقلتُ له خيّم فتلك معاهد ... عليك بها التخييم يا برقُ يُفرَضُ
فبينا على آوكارَ يفري مزادَه ... مُلِثاًّ إذا "فايٌ" له مُتعرِّضُ
فألقت به أثقالَها المُزنُ وانتحت ... فهي إلى أرض "التماشن" نُهّضُ
إلى "الأيمل الأدنى" إلى الأيمُل الذي ... دُوينَ "أمطليشٍ" نحت وهي مُخّضُ
وتاقت على خط النّشير بحالها ... وناءت عن الأبصار والبرق مومِضُ
 
من روائع أدب الصحراء الفصيح في شيم البرق، رسم بها ابن الشيخ سيديّ حدود الفضاء الذي كان يتحرك فيه وأخذ على عاتقه التغني به، فحدّه شرقا بـ"أڭان"، وهو أرض شجراء صخرية تمتد من هضبة تڭانت في الشرق إلى "ارڭيطه" وآدرار في الشمال، ويحدها أمشتيل من الجنوب وآوكار من الغرب والشمال الغربي، فذكر أن السحاب تدلت عليه من "أخته" يعني تڭانت، وبعد أن فعلت فيه ما فعلت تقدمت إلى آوكار، وهو صحراء قليلة الشجر والنبات، وسمّى من مواضعه: "جرك" وهي كثبان علمها "أعلاب جرك"، و"بوتويريڭه" الذي عرّبه بـ"ذي الطيس" وهو بئر بعينها لأولاد أبييري، و"قرد الفار" الذي عرّبه بـ"نقا الفار"، و"آكنيّن لبيظ" الذي عرّبه بـ"الكن الاَبيض" وهو وهد إلى الغرب مما قبله.
ثم ذكر: علب أولاد امبارك الذي عرّبه بـ"حقف بني المبروك"، ثم "ميمونة" التي كان يسمّي بها بئر "تامرزڭيت" وهي بئر حفرها والده الشيخ سيديّ الكبير، ثم ذكر "بازّْعافڭ" الذي عرّبه بـ"ذي المور".
ثم ذكر أن السحاب بعد آوكار واصل طريقه شرقا فحلّ بـ"فاي" وهو رمل تتخلله وهاد يمتد من آوكار إلى جهة الجنوب الغربي، ويفصل فاي بين أرضين تسمّيان "تمشّانت" على نبتة اسمها كذلك، وهي التي يضرب بها المثل فيقال "أمسخ من عيش تمشّانت"، الشرقية منهما تسمى "تمشانت البيظه" والغربية تسمى "تمشانت الحمره"، وهما اللتان سماهما "أرض التماشن"، وما أدري تحديدا ما يعني بـ"الأيمل الأدنى" و"الأيمل الذي دوّين أمطليش"، فلعله يعني آملّ، وهو عرق رمل بين "تارڭه" و"إينشيري"، غير أنني لم أعلم به مثنى، وأما "أمطليش" أو "آمطاليش" فهي رمال متشابهة هي في الحقيقة منتهى آوكار من الشمال الغربي في منخفض إينشيري، ثم ذكر أن السحاب غاب عن البصر على "خط النشير" وعنى به منخفض إينشيري، وهنا تنتهي أرضه.
 
وسمعتُ أشيبَ من اديقب يُحدث أن امحمد بن الطلبه لما ألقيت عليه قصيدة ابن الشيخ سيديّ هذه طرب لها، ثم لما وصل المُنشد إلى البيت الأخير وقوله: وتاقت على خط النشير بحالها وناءت عن الأبصار والبرق مومض، قال ول الطلبه يخاطب ول الشيخ سيديّ: "ذيك نزلت عنك" مشيرا إلى أنها دخلت الأرض التي عرف هو أيضا بالتغني بها، ثم إنه تتبعها من حيث توقف ابن الشيخ سيديّ في قصيدته -أي ابن الطلبه- التي مطلعها:
هاج المنازلُ من نعاف عقنقل ... "تنواكُديلَ" عُقامَ شوق مُخبِل
التي يقول فيها:
ولقد قعدتُ إلى الصباح لناعج ... متخمِّطٍ هزم الهدير مجلجِل
صعبٍ يمانٍ بات يخبط مشئِما ... وهناً غياطلَ جوفَ ليل أليل
يحدو بأبكارٍ هجائنَ دُلّح ... كومٍ خراعبَ كالبواذخ حُفّل
شمِّ الغوارب والذُّرى ممحوضةٍ ... أنسابُها من كل جون أسول
ما زال ينهدها فلما أن علا ... "ترقى" إلى بطن "النشير" فـ"أيمُل"
ألقى بوانيَّه بهن معرِّسا ... ثم انتحى بجِرانه والكلكل
يسقى "الذراع" فـ"تيجريت" مُدوِّما ... من خبت "عيشه" إلى مدافع "تنضل"
فـ"النصر" فـ"المرين" لا يلوي على ... سهل ولا حَزن بودق أهول
يحدو ويُلقح كل رمل عاقر ... ويحوز بالحُزان صُمَّ الجَندل
فتعطّفت أبكاره وتحلّبت ... أخلافُها بتفجر وتبزُّل
وغدا بها نحو "الزفال" فـ"تيرس" ... يقضي من التسحاح ما لم يفعل
 
فهو كما قصد بدأ من حيث انتهى ابن الشيخ سيديّ، من سهل "ترقى" وهو "تارڭه" وهو "آفطوطه" ممتدة من آوكار شمالا إلى لبيرات وآمليل جنوبا، وهي التي يفترض البعض أنها بقايا واد قديم كانت تسيل به هضاب آدرار مباشرة إلى نهر السنغال، و"أيمل" عنى به ول الطلبه "أملِّ" المتقدم ذكره وهو ما جعلني أفترض أن ول الشيخ سيديّ عناه أيضا بـ"الأيمل" غير أنني لم أهتد لأيمل آخر.. و"الذراع" عنى به "آكشار" وهو عرق رمل عظيم يفصل بين سهليْ إينشيري وتيجريت، ويمتد من الشمال الشرقي من نواحي آدرار إلى أن ينتهي في الجنوب الغربي في سهل "تارد" ويرق في نهايته فيسمى "آڭنيتير".. وتيجريت سهل واسع ممتد بمحاذاة آكشار بينه و"آزفّال" حتى ينطبقا عليه قبل أن يصل إلى البحر غربا.. و"عيشه" عنى بها الجبل المعروف بـ"عيشه اذخيره" قرين "ابن اعميره" وهما جبلان في شمال تيجريت قريبان من آزّفال ومتقاربان في المسافة، وأسطورتهما مشهورة.. و"تنضل" عنى بها "تنضلّين" وهي أكمة إلى الغرب من جبل النيش في تيجريت، وهي من معالم الأرض لوجودها في محل مستو.. و"النصر" بئر بعينها في جنوب تيجريت.. و"المران" ماآن إلى الجنوب من النصر ثنّاهما بالتغليب، فاسم أحدهما "المر" واسم الآخر "انڭم".. ثم يواصل ول الطلبه مع السحاب متجها شمالا فيقطع "آزفّال" وهو عرق رمل عظيم ممتد من تيرس في الشمال الشرقي إلى أن يلتقي بـ"آكشار" قبل أن يصل البحر، فتبقى جنوبه "تيجريت" وإلى شماله "آدرار سطّف" و"تازيازت".. وأما تيرس فأرض واسعة منخفضة مع دهس في أديمها، وكثيرة الجبال وقليلة الشجر، تمتد من "إيڭيدي التلي" شمالا ويحفها "الحنك" من الشمال الشرقي ثم "لحماده" و"مقطير" من الشرق والجنوب الشرقي، وتفصلها "لعصايب" عن آدرار جنوبا، ثم "آزفّال" من الجنوب الغربي، وتمتد غربا حتى "آدرار سطّف"، وفي الشمال الغربي يحفها سهل "الساڭيه الحمره"، وهي قسمان: تيرس الزمور مسماة على "ڭلتت زمور": أضاة شهيرة في مبتدا تيرس من الشمال الغربي، وهي جزء تيرس الشرقي، و"واد الذهب" وهو جزؤها الغربي..
المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122