ذات كتابة من على اللازوردي علق أحدهم بالقول:
أعجبتني كتاباتك لكن أجلك عن سماع الهول !!
عندها تذكرت گاف اخريريبَ:
.
اتعيبنِ هون البظانْ :: بنّي ما وقّرتْ الشيبَ
ونّي نبغِ هول أژوانْ:: "مغلاكْ إعْليّ يعيبَ"
كان لي صديق نديّ الصوت أنشدني ذات أنس بليلة أضحيان ونحن بالبادية نصطلي نارا باليفاع تحرق أنشدني من قول امرئ القيس فأطربني:
جزعتُ ولم أجزع من البين مجزعاً :: وَعزَّيْتُ قلْباً بالكَوَاعِبِ مُولَعا
وَأصْبَحْتُ وَدَّعْتُ الصِّبا غَيْرَ أنّني :: أراقب خلات من العيش أربعا
أنا بدوري أصبحت ودعتُ الصبا غير أنني أراقب خلات من العيش منهن هول أژوان فما ينفك يطربني.
الليلة لم أجد الهول (ماهُ كرهُو غيرْ اتعسريهْ) وفي غياب الغناء وجدتني أبحر في كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، كنت أقرأ عن الشاعر الأخطل، قال جرير:
أدركت الأخطل وله نابٌ واحد ولو أدركت له نابين لأكلني، لقد أعنت عليه بكفر وكبر سن وما رأيته إلا خشيت أن يبتلعني.
وقال الأصمعي: أدرك جرير الأخطل وهو شيخ قد تحطم، وكان الأخطل أسن من جرير.
ولئن أدرك جرير الأخطل وهو شيخ قد تحطم، فقد أدركنا محمد عبد الرحمن ولد انگذي (حَمَّ) وهو شيخ كبار قد بلغ من الكبر عتيا.
كانت انواكشوط حينها مدينة صغيرة تضم كبتال وبلدة لكصر، كان يسكن في نقطة قصية من لكصر تسمى "ماريگو" جنوب شركة (سوكومتال) الآن، كان شيخا هرما منفوش الشعر ثابت الخطوة وقد ظاهر دراعتين بيضاء وزرقاء (امغربي) وأحيانا يلبس ثلاثا، وهو يسدر في أهل لمروَّ بين مرصت لكصر وبعض الحوانيت المتناثرة في البلدة.
كان الوالد يجله ويكرمه وكان يحل مشاكله مع بعض الدائنين وربما جلس معه وأحيانا يستنشده فينشده على امباله في اكحال كر بعض مخمسات ابن مهيب فيشجي ذلك الإنشاد القوي الشجي النفوس.
كان وقد تقدم به العمر عذب الصوت قويه وكأنما عناه الشيخ ولد مكي بقوله لوالده لعور:
شبنَ واكبرنَ عن ذ اليمْ :: غيرْ الفتى من صنيعُ
يشيبُ كثيرًا واتّمْ :: الطباعُ يَوافِيعُ
نبحر مع أبي الفرج الأصفهاني:
".. وكان أبو عمرو يقول لو أدرك الأخطل يوما واحداً من الجاهلية ما فضلت عليه أحداً، وكان مما يقدم به الأخطل على صاحبيه جرير والفرزدق أنه كان أخبثهم هجاء في عفاف عن الفحش.
وقال الأخطل ما هجوت أحداً قط بما تستحي العذراء أن تنشده أباها.
وقال عبد الملك بن مروان للأخطل: ألا تزور الحجاج فإنه كتب يستزيرك
فقال أطائع أم كاره؟
قال عبد الملك: بل طائع
قال ما كنت لأختار نواله على نوالك ولا قربه على قربك إنني إذا لكما قال الشاعر:
كَمُبْتاعٍ ليركبَه حماراً :: تَخَيَّره من الفرس الكبير
ودخل الأخطل على عبد الملك بن مروان فاستنشده فقال قد يبس حلقي فمر من يسقيني فقال اسقوه ماء فقال شراب الحمار وهو عندنا كثير، قال فاسقوه لبنا قال عن اللبن فطمت، قال فاسقوه عسلا قال شراب المريض، قال فتريد ماذا ؟
قال خمرا يا أمير المؤمنين، قال أوعهدتني اسقي الخمر لا أمّ لك لولا حرمتك بنا لفعلت بك وفعلت..
فخرج فلقي فراشا لعبد الملك فقال ويلك إن أمير المؤمنين استنشدني وقد صحل صوتي فاسقني شربة خمر فسقاه فقال اعدلها بأخرى فسقاه أخرى فقال تركتهما يعتركان في بطني اسقني ثالثة فسقاه ثالثة فقال تركتني أمشي على واحدة اعدل ميلي برابعة فسقاه رابعة فدخل على عبد الملك فأنشده:
خَفّ القطينُ فراحوا منك وابتكَروا :: وأزعجتْهم نَوًى في صرفها غِيَرُ
إلى امرئٍ لا تعدّينا نوافلهُ :: أظفرهُ اللهُ، فليهنا لهُ الظفرُ
ألخائضِ الغَمْرَ، والمَيْمونِ طائِرُهُ :: خَليفَةِ اللَّهِ يُسْتَسْقى بهِ المطَرُ
والهمُّ بعدَ نجي النفسِ يبعثه :: بالحزْمِ، والأصمعانِ القَلْبُ والحذرُ
وما الفراتُ إذا جاشتْ حوالبهُ :: في حافتيهِ وفي أوساطهِ العشرُ
وذَعْذعَتْهُ رياحُ الصَّيْفِ، واضطرَبتْ :: فوقَ الجآجئ من آذيهِ غدرُ
يوماً، بأجْودَ مِنْهُ، حينَ تَسْألُهُ:: ولا بأجهرَ منهُ، حين يجتهرُ
وكان الحاج اكويمل ولد گوتَلْ وهو حرطاني من تندغه (أهل بوحبيني) في دكار موئل الأدباء والشعراء والقادمين من كل طيف.
كان يضع في صالون بيته دفترا كبيرا وكلما تضلع شاعر من "مارو والحوت" وشرب بعده كارا من بيصام ، قدم له الدفتر ، فتسيل أودية بقدرها.
وذات مقيل قدم دفتره للشاعر محمد ولد ابنو ولد احميدن مستفزا بأن في الدفتر من هو أشعر منه، فكتب له:
أهاجت لك الأشجان لمحة بارق :: وزورة طيف من أمامة طارق
وإن خنت عهدي دون ذنب جنيته :: وقطعت مني محكمات الوثائق
نهضت لدار السيد الكامل الذي :: أياديه تنهل انهلال الودائق
(أكاملُ) أنت المستلَذُ الخلائق :: وأنت الفتى الْمَرضيُّ بين الخلائق
وأنت الذي جُرِّبت في كل مشهد:: فأُلفيتَ مفتاحا لقُفل المضائق
فلا تحْسبن الكعْك كلَ مدَوّرٍ:: ولا كلَ طِرْفٍ لاحقاً شأو لاحق
وتحسب لي في الشعر شبها ألم تكن :: نظرت إلى مرويه في المهارق
فكيف أجارى فيه وهو سجيتي ::وآخذه من بين جيبي وعاتقي
كنت أحسب الشعراء من عالم آخر وذات مرة زارنا لكويري ولد عبد الله وأنشد بعض مدائحه للوالد وكانت أول مرة أراه وكنت أقارن بين ما أسمع منه وما كنت أسمعه عبر الراديو وأتعجب، وكذلك الأمر مع محمد عبد الرحمن ولد الرباني.
وفي المدرسة رقم 1 رأيت ذلك الرجل المهيب يلبس دراعة من ابّلمانْ وبيده صافرة إنه محمد ولد باگا، كان التلاميذ يخافون منه وأقام مزرعة في المدرسة فأنبتت من كل زوج بهيج من أنواع الخضروات وكان ثمة معلم يسمى الشيباني وكان مستخلطا فقال ذات مساء مخاطبا ولد باگا: احريثتنا أينتَ لاهي نگطعوها؟
فأجابه ولد باگا: احريثتنا!
صفّر ولد باگا فاجتمع التلاميذ فأمرهم بمحو آثار تلك المزرعة فأصبحت كالصريم.
وفي إعدادية لكصر رأيت عابدين ولد التقي وفي ذات المدرسة التي كان بها ولد باگا جاء بعد سنين الطيب ولد ديدي معلما أعني المدرسة رقم 1.
أدركت أن الشعراء أناس عاديون مثلنا تماماً، يولدون ويموتون وفي الرحلة من المهد إلى اللحد يحلمون أحلاماً بعضها يصدق وبعضها يخيب، يخافون من المجهول، وينشدون الحب، ويبحثون عن الطمأنينة في الزوج والولد، بعضهم أعطته الحياة أكثر مما يستحق وبعضهم حرمته الحياة.
طرحت الأغاني
وطويتُ الدجى أسائل نفسي :: أبسيفٍ أم وردةٍ قد رماني ؟!
كامل الود