قصة ولد الكصري مـع دار إبلغان في طلعته المشهورة:

2021-02-11 08:18:00
يامس دارإبلقان احيات === ذاك اللي شكيت انو مات
 
اكبل من تلياعي وامحات === من لخلاك اللي خاطيه .
 
واتلفت اعليه مرات === كيف اللي ناسي شي فيه
 
واعكبت آمنين ابعيد ابكات === وانبيت أتلفت اعليه
 
تلفيت مني ما خلات ==  فظله لاهي نكره بيه
 
والل نبق ذ اللي موجود ===  اتل فالدنيا راعيه
 
ماني فيه موجود انعود == نكرهه والل نبقيه
 
كثيرا ما يقصد بالدار والديار في الشعر الحساني، كما في الشعر الفصيح، منزل أو منازل أهل البادية، كما الغالب في ذلك أن يكون بعد رحيلهم منها فتصبح قفرا من اطلال أو رسوم.
 
أما "إبلقان" فمنهل معروف غربي ابي تلميت من ولاية اترارزه، وأضيفت إليه الدار لنزول حي الشاعر عنده.
وتحكي "الطلعة" قصة الشاعر مع رسم الدار التي سبق أن ملكت عليه قلبه ووجدانه بعد ما طاب له زمنا مقامها وإلفها، ثم توالت الايام، وتبدلت الأحوال في تلك الربوع، وهجرت خيام القوم مضاربهم بها. وانطوى ذكر مقامها وإلفها، فلم يعد للشاعر بعدها محبوب في الدنيا ولا مرغوب حتى تملكه الشعور بأن قد ماتت في  نفسه بواعث اللوعة والحب، ومرت سنوات طويلة وتلك حاله حتى مر يوما ب "إبلقان" فهاله منظر الأطلاول والرسوم المتقادم عهد الأحبة بها، فأشعرته الذكرى  بانبعاث موات اللوعة في نفسه من جديد.
 
لقد كان منظر الدار لابن الكصري كشدو طائر الشاعر المصري علي الجارم الذي يقول عنه في نونيته الرائعة:
* طائر يشدو على فنن == جدد الذكرى لذي شجن*
 
قام والأكوان صامتة ==  ونسيم الصبح في وهن
 
 هاج في نفسي وقد هدأت == لوعة لولاه لم تكن
 
فكل من الشاعرين تحركت لوعته بعد سكون، لكنه عند الجارم سكون هدأة، وعند الكصري سكون موت!
 
الطائر الشادي على فنن في لحظة صمت كوني وفتور في نسيم الصبح جدد الذكرى  للجارم حتى هاج في نفسه لوعة كانت هادئة، لكن رسم الدار أحيى في نفس الكصري لوعة كانت ميتة، ولا يخفى ما هناك من فرق بين إيقاظ النائمين وإحياء الموتى!
 
وفي خطى الكصري، وهو يجتاز موقع الدار، ترى انشداده إلى الخلف بلفتات عديدة كمن يذكر منسيا عزيزا في الوراء، ثم يواصل سيره مغالبا لوعته المنبعثة لتوها، لكن تبقى خطاه متباطئة ولفتاته متعددة حتى ينبو على مرتفع تكون من فوقه نظرة أخرى ولفتة أخيرة شديدة الوقع على نفسه حتى لم يعد يرى لذاته وجودا حقيقيا، ولا ما بعد الدار بحبه حريا!
فقد ذابت نفسه كما ذابت من قبله نفس أبي حية النميري في قوله:
 
نظرت كأني من وراء زجاجة == إلى الدار من ماء الصبابة أنظر
 
فعيناي طورا تغرقان من البكا == فأعشى وطورا تحسران فأبصر
 
وليس الذي يهمي من العين ماؤها == ولكنها نفس تذوب فتقطر
 
 
محفوظ الفتى
المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122