ذات تخرج أعد أحد الطلاب رسالة وكان موضوعها تحقيقا لديوان جده. جمع المادة الأولية وأعد خطة البحث واختار أحد أمثل الأساتذة وسلمه الديوان موضوع الرسالة.
.
بعد فترة أرجع إليه الأستاذ المشرف الرسالة "الديوان" مع جملة من الملاحظات.
لاحظ الطالب أن الأستاذ أعمل قلمه الأحمر في مادة الديوان قصيدة قصيدة ، وقطعة قطعة عازيا كل قصيدة أوقطعة لصاحبها الأصلي حتى لم يبق من الرسالة إلا البسملة والإهداء و المقدمة والمراجع والفهرس.
أسقط في يد الطالب الذي أرجع البصر كرتين فانقلب إليه البصر خاسئا وهو حسير. لما رأى الأستاذ طالبه مكسور الوجدان أراد أن يطيب خاطره فاقترح عليه أن يكون الموضوع تحقيقا لـ "كناش" الوالد مع تناول ظاهرة الكناش في الثقافة الشنقيطية.
كان أحد المشايخ الكبار من أئمة التصوف والعلم يعقد درسا للتفسير يقرأ فيه ماشاء الله من حاشية الصاوي على تفسير الجلالين ، وكان تلامذته يسجلون درس التفسير ذلك في أشرطة.
وبعد عقود قام أحد مريدي الشيخ بإفراغ تلك الأشرطة في كتاب وذهب إلى المغرب لطباعته على أنه تفسير شيخه للقرآن.
حين راجع محققو دار النشر الكتاب وجدوه تفسير الصاوي لم ينقص ولم يزد وأطلعوا الرجل على ذلك فصرف النظر عن الموضوع.
يقول الإمام الأكبر بداه ولد البصيري إن أسلافنا في هذا المنتبذ القصي كانوا معذورين لأن "الخَزْنة" يقصد الكتب كانت نادرة.
العلامة الشيخ السالك بن الإمام الحاجي الوداني المتوفى سنة 1245 هـ الموافق 1829 م ، وهو رابع أربعة من بلاد شنقيط أخذوا مباشرة عن الشيخ أحمد التجاني في فاس ، كان عالما جال في البلاد زار في طريق الحج فاس ومصر وناظر العلماء ، وزار أزواد والگبلة وتيرس التي لقي بها الشيخ محمد المامي ، وله استدراكات على (نور الأقاح في البيان) للعلامة سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم في 300 مسألة.
ألف كتابه (قرة العين وإزالة الشك والرين) وهو سفر ضخم جمع فيه بين الحقيقة والشريعة: أوله التوحيد ووسطه الفقه وآخره التصوف، وقد شرحه تلميذه وابن أخته محمد بن حم ختار شرحا وافيا سماه “قلائد اللجين على نحور ألفاظ قرة العين”.
وحين زار الشيخ السالك بن الإمام أرض "الگبلة" أهدى نسخة من كتابه (قرة العين وإزالة الشك والرين) لابن عمه الشمس المختار بن الشمس محمذن أغربظ الحاجي ، فانتشر ذكره وتلقاه الناس بالقبول والنسخ خصوصا العلامة الرباني ذو الفيوض لمرابط محمذن فال بن متالي الذى تعرضت نسخته من الكتاب لتلف شديد حتى غابت حقيقة أكثره فنظر فيهاوفتح الله عليه بتجميع بعضه وإضافته للبعض وسماه "فتح الحق" وأحيانا "فقه النفس"، لكن الذى درج عليه التلامذة هو فتح الحق.
تلقف التلامذة والأعيان نسخة لمرابط محمذن فال المختصرة بقبول فائق ولازمتها بركته فانتشرت في المحاظر حتى لم يخل منها بيت، ونسي الناس خصوصا في منطقة االگبلة وتيرس الكتاب الأصلي (قرة العين وإزالة الشك والرين) للشيخ السالك بن الإمام.
حين بدأ الباحثون في العصر الحديث البحث في تاريخ الثقافة الشنقيطة خاصة تاريخ الشعر والبديات الحقيقية له ، كادوا يجمعون مستشرقون وموريتانيون على أن البداية الحقيقة للشعر بدأت مع ولد رازگه واليدالي.
يرى الدكتور جمال ولد الحسن رحمه الله أن فقهاء الزوايا نظروا إلى الشعر نظرة المتوجس المرتاب تورعا مما ينذر به من فساد الأخلاق خاصة إن فتح منه بابان : الغزل والهجاء وكان ذلك حاجزا حال دون ازدهاره في مراكز متعددة كانت مؤهلة للإسهام فيه بحظ وفير مثل ولاته وشنقيط وتيشيت وودان.
ومن الزواجر الصوارف لديهم قوله صلى الله عليه وسلم"لأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ رَجُلٍ قَيْحًا خَيْرٌ له مِن أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا.
ويقول البرتلي الولاتي في فتح الشكور عن أحد أشياخة إنه "لم يقل من الشعر إلا نحو قصيدتين إتباعا للسنة ، ولما قال ابن أبي زيد في الرسالة: ولا ينبغي أن يكثر منه ولا من الشغل به"
وبالتالي فجل الباحثين يرون أن أن الشعر لم يكسب وجوده نشاطا معرفيا وفنيا قائم الذات في بنية الثقافة الشنقيطية إلا مع سيدي عبد الله ولد رازگه ومحمد اليدالي وأترابهما أمثال الذيب الحسني وبوفمين المجلسي وألما بن المصطفى اليدالي.
من المتأخرين من يقفز على ما قاله الباحثون في تاريخ النشأة ويعد أبيات المرأة الصالحة مريم بنت أحمد بزيد
عَلَيْنَا مِنَ الرَّحْمَنِ سُورٌ مُدَوَّرُ :: وَسُورٌ مِنَ الْجَبَّارِ لا يُتسَوَّرُ
من الشعر الساق المؤسس.
وفي كتاب "نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب" لأحمد المقري التلمساني:
"حكى ابن حيان أن الأمير عبد الرحمن عثرت به دابته وهو سائر في بعض أسفاره وتطأطأت فكاد يكبو ولحقه جزع وتمثل أثره بقول الشاعر:
( وما لا ترى مما يقي الله أكثر ... )
وطلب صدر البيت فعزب عنه وأمر بالسؤال عنه فلم يوجد من يحفظه إلا الكاتب محمد بن سعيد الزجالي وكان يلقب بالأصمعي لذكائه وحفظه فأنشد الأمير
( ترى الشيء مما يتقى فتهابه ... وما لا ترى مما يقي الله أكثر.
وهذا بيت من الأبيات المنسوبة لبنت أحمد بزيد.
وينسب بعضهم قصيدة توسلية إلى الإمام محمد غلي (محمد الأبيض) بن إبراهيم البكري الشنقيطي جد قبيلة الأغلال ، وتسمى القصيدة القمحية التوسلية ، ويحاجج بأنها أول نص شعري قيل في المنتبذ القصي:
يا رب هيئ لنا من أمرنا رشداً :: واجعل معونتك الحسنى لنا مددا
ولاتكلنا إلى تدبير أنفسنا :: فالنفس تعجز عن إصلاح ما فسدا
أنت الكريم وقد جهزت يا أملي :: إلى أياديك وجهاً سائلاً ويدا
وللرجاء ثواب أنت تعلمه :: فاجعل ثوابي دوام الستر لي أبدا
ونجد القصيدة في أغلب كتب التاريخ والأدب منسوبة للشاعر اليمني نجم الدين أبو محمد عمارة بن أبي الحسن بن علي بن زيدان بن أحمد الحكمي اليمني (515 هـ/ 1121 م - 2 رمضان 569 هـ/6 أبريل 1174 م) هو كاتب ومؤرخ وشاعر يمني من تهامة عاش في القرن السادس الهجري، واشتهر بارتباطه بالحكام الفاطميين في مصر.
أوفده أمير مكة قاسم بن هاشم رسولاً إلى الفاطميين بالقاهرة، وفي بعثته الثانية قرر البقاء في القاهرة، وبها توفي.
ومن الكتب التي تعزوها لعمارة اليمني كتاب "خريدة القصر وجريدة العصر" لعماد الدين الأصفهاني ، وكتاب "مجربات الديربي الكبير المسمى بفتح الملك المجيد" وغيرهما من دواوين الأدب ، كما أن القصيدة داخلة في الفلوكلور اليمني وأناشيد بحارة زنجبار (أبين) اليمنية.
ومن العجيب قبل سنوات أن بيت محيي الدين الشهرزوري الذي أورده الدميري في حياة الحيوان الكبرى نسبه الناس للعلامة حمدا ول التاه:
مرَّ الجرادُ على حرثي فقلت له :: لا تأكلنَّ ولا تهـمَمْ بإفسادِ.
وفتح ذلك مجالا لسجال عرف بالجراديات.
يقول الأديب الكوري ولد أوداعه لمن نسب اغناه للأديب الشيخ ولد مكي: طَيْتْ أغنايَ دونْ لفتَ :: للشيخْ أشلُو بِيهْ
ماهُ فاصلْ فيه وأنتَ :: ماهُ لك تَِعطِيهْ
كامل الود