أنا لا أشاطر النقاد رأيهم في عدم اعتبار الشعر البارد إنتاجا أدبيا و تصنيفهم إياه في ما يرمى في سلة المهملات الأدبية باعتباره زبدا يذهب جفاء و لا ينفع الناس إلى غير ذلك مما يبررون به هذا التمييز القاسي التحكمي.
.
أنا لا أشاطرهم رأيهم – و إن كنت لست منهم – لأن للشعر البارد فوائد لا ينكرها إلا مكابر عن المحسوس، أو جاهل باختلاف نزعات النفوس ، ونحن ذاكرون لك هنا ما سنح لنا من هذه الفوائد، علما بأن الموضوع يستحق بحثا أعمق و تحريا أدق، ولعل الله أن يقيض له من أساتذتنا الأفاضل من هو أولى به و أقدر عليه،أنا لا أشاطر النقاد رأيهم في عدم اعتبار الشعر البارد إنتاجا أدبيا و تصنيفهم إياه في ما يرمى في سلة المهملات الأدبية باعتباره زبدا يذهب جفاء و لا ينفع الناس إلى غير ذلك مما يبررون به هذا التمييز القاسي التحكمي.
أنا لا أشاطرهم رأيهم – و إن كنت لست منهم – لأن للشعر البارد فوائد لا ينكرها إلا مكابر عن المحسوس، أو جاهل باختلاف نزعات النفوس ، ونحن ذاكرون لك هنا ما سنح لنا من هذه الفوائد، علما بأن الموضوع يستحق بحثا أعمق و تحريا أدق، ولعل الله أن يقيض له من أساتذتنا الأفاضل من هو أولى به و أقدر عليه، و لا بد قبل ذكر هذه الفوائد من تعريف ولو مبسط لمفهوم الشعر البارد فنقول: لقد عرفه ابن أحمد يوره بأنه الشعر الذى لم يشو شيا جيدا و لم يطبخ على النار بالقدر الكافي و أنزلت قدره الأثافي وهي ما زالت بحاجة إلى قدر لا بأس به من الملح و الأبزار.
هذا التعريف الأدبي جيد جدا و صحيح جدا لكن كثيرا من المستهلكين قد لا يفهمونه حق فهمه و لا يستوعبون أبعاده بالقدر الكافي فنحن نفضل عليه التعريف الذى يقول إن الشعر البارد هو الشعر السالم الوزن الصحيح المعنى الخالى من الأخطاء النحوية أو الصرفية وهو مع ذلك لا يثير فيك أي إحساس و لا يستثير منك أي استحسان بل انت ساعة استماعك إليه تشعر أنك تحت اختبار صعب تود لو خرجت منه لا لك ولا عليك، هذا ضابط موضوعي يضبط لك هذا النوع من الشعر، وبه تعلم أنه لا شيء من الشعر الحر ببارد لأن شرطه استقامة الوزن كما سمعت.و إذا تمهد لديك هذا فاعلم أن للشعر البارد مع ذلك فوائد جمة
أول هذه الفوائد: أن هذا الشعر هو جزء من الإنتاج القومي الخام لا يجوز بأي حال من الأحوال تجاهله و لا إهماله، و إذا كان علماء الاقتصاد لم يدخلوا حتى الآن المنتوج الفكري و الثقافي في مكونات الناتج الكلي القومي فلعله سيأتى يوم يفعلون ذلك فسيصنفونه في قطاع رابع بعد قطاع الخدمات المسمى بالقطاع الثالث.
الفائدة الثانية: ان الشعر البارد ممتع في نفسه لكن لا من حيث الحيثية التى تكون بها النصوص الأدبية ممتعة، أعنى من حيث الدلالات و الإيحاءات ولكن من حيث الغرابة و الاعتبار، مثاله في ذلك الأجسام الغريبة و الحيوانات النادرة فإن فى النظر إليها والتفرج عليها متعة لا تنكر، فالناظر في الشعر البارد هو في مسرح كبير يقول سبحان الله ؟ كيف اهتدى هؤلاء إلى مثل هذا الشعر؟ كيف وفقوا إلى رص هذه الألفاظ؟ كيف زين لهم ذوقهم الإتيان بمثل هذا؟ أليس في كل هذا متعة؟ أليس الشعر البارد إبداعا من هذه الحيثية؟
الفائدة الثالثة: أنه لولا الشعر البارد لما عرف الشعر الحار أو الشعر الجيد إذ بضدها تتميز الأشياء و قديما قالوا : لا جديد لمن لا خلق له، ومن هذه الحيثية يمكن اعتبار الشعر البارد معيارا لتقييم الشعر على الإطلاق فما كان أقرب إليه أو مشابها له حكم عليه بالتفاهة و الركاكة و ما كان بعيدا عنه حكم له بضد تلك الصفات.
الفائدة الرابعة: إن للشعر البارد قيمة تاريخية لا تنكر حيث إنه يسجل الأحداث و الوقائع بصفة هي أقرب إلى الموضوعية بما يسجله الشعراء المبدعون و بمبالغاتهم و إطنابهم و هيمانهم في كل واد وقولهم ما لا يفعلون و لا تفعل الأمراء. فبإمكانك ان تحكم بأن ما ورد في الشعر البارد واقع بنسبة تسعين في المائة لا ريب في ذلك و أي فرصة أحلى عند المؤرخ من مثل هذه.
الفائدة الخامسة: الإسهام في معرفة التطور الثقافي للبلاد وهذه أم الفوائد إذ ستمكن الباحثين في هذا الميدان من معرفة درجة الإبداع في المنتوج الثقافي فكلما كانت ثروة الشعر البارد كبيرة كانت درجة الإبداع أخفض و لعل الباحثين سيحددون لنا في المستقبل النسبة الأدنى التى لا يجوز لشعب من الشعوب أن ينحط عنها في ميدان الإبداع و إلا وصف بالبلادة ووصم بالرقاعة.
الفائدة السادسة: إن الشعر البارد يساعد أصحابه في تحقيق ذواتهم إذ هم – وهذا من لطف الله تعالى- راضون عنه معجبون به فيتحقق لهم بذلك التوازن النفسي و الطمأنينة و راحة البال و هي أمور لا بد منها لتحقيق ذلك فأصحاب الشعر البارد هم في بحبوحة من لطف الله تعالى إذ زين لهم في أعينهم و أسماعهم ما يعملون من هذا المنتوج فتراهم يعرضونه على كل من مر بهم فإذا جاملهم المجامل حسبوا قوله صدق صادق وهو بادي الكذب و التكلف و خير مستمعيهم من ينصت إلى سردهم بأدب و سكون فإذا أنهوا ما هم ملقون حول الحديث إلى موضوع آخر.
الفائدة السابعة: ان لهذا الشعر لاقطا يعجب به من المستهلكين كما أن لكل ساقط لا قطا ، و لا يجوز لنا حرمانهم منه فلهم خلق و له خلقوا و للناس في ما يعشقون مذاهب.
أليست هذه الفوائد كافية لإعطاء الشعر البارد مكانته في الموروث الثقافي ؟ بلى و أخرى هي أحسن و أملح وهو أن مخزون هذا الشعر البارد ربما لجأ إليه الناس عند تعذر وجود الشعر الجيد كما يتراجع المستهلكون إلى البضاعة الدنيا عند تعذر البضاعة الجيدة وهي قاعدة تزعم العوران في بلاد العميان و في ذلك ما لا يخفى من لطف الله و الحمد لله.
بقلم الأستاذ: محمد فال بن عبد اللطيف