مدير بيت الشعر يكتب: متى نخرج من دوامة المسألة اللغوية؟؟

2020-11-11 07:27:00
ليس خطأ أن يتشبث المرء باللغة التي يجيد التعبير بها؛ لأنها بصيرته التي يدرك من خلالها الأشياء، ووسيلته في التواصل مع الإنسان، وحافظ سجلاته التي يسطرها لتخرج للآخرين. .
ومع أن كل قوم رأوا لغتهم أفضل اللغات في فترات من تاريخهم إلا أن العرب أدركوا مبكرا، في القرن 5 هـ/13م، أن اللغات متساوية في الفضل، وفي القدرة على التعبير عن أحاسيس متكلميها، ومشاعرهم وأفكارهم.
 
ومعلوم أنه في كل بلدان العالم ينظر إلى اللغة أو اللغات الوطنية والرسمية كمكون رئيس من مكونات الدولة، مثلها مثل العلم والنشيد والحوزة الترابية؛ لذلك تحرص الدساتير على تحديدها في موادها الأساسية، وحين تحددها تصبح لغة الجميع، وتنتفي عنها صفة لسان مكون دون آخر، تماما كما يصبح الرئيس المنتخب رئيس الجميع مع أنه ترشح أصلا من حزب سياسي محدد.
 
وحين نفتح المجال للكلام باللغات غير الدستورية معناه أنه علينا أن نوفر وسائل لا طاقة لنا بتوفيرها كي نتفاهم؛ ذلك أن نخبتنا تكونت في كل بقاع الدنيا: فليس الذين تخرجوا من جامعات ما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي، أو ألمانيا، أو إسبانيا، أو الولايات المتحدة بأقل من الذين تخرجوا من الجامعات الفرنسية... بل وأقرب من ذلك فإن خريجي جامعة نواكشوط من قسم اللغة الفرنسية، خلال العشر سنوات الماضية، لا يبلغون عشُر خريجيها من قسم اللغة الإنجليزية، وهناك لغات أخرى كالإسبانية والصينية تكاد تنافس الفرنسية في هذه الجامعة....فهل نتيح لكل من تكون بلغة أن يتحدث بها في الأماكن العمومية فيستغرق مجلس الوزراء أياما بسبب الترجمة، وتتواصل الجلسة البرلمانية قرونا حتى نترجم كل ما قيل أم نكتفي باللغات التي حددناها في دستورنا؟
 
حين فرض الرئيس معاوية سيدي أحمد الطايع التعريب بناء على النص الدستوري وجد أنه هو وغالبية طاقمه الحكومي لا يعرفون العربية المعرفة الكافية؛ لذلك بادروا إلى تعلمها جهارا نهارا، وانتظموا، حسب مستوياتهم، في دورات تكوينية، ويومها ما أحسسنا للمتشبثين بالفرنسة من أحد ولم نسمع لهم ركزا.
 
وبعد الانقلاب على الرئيس جمدت المادة السادسة من الدستور واقعيا؛ بفتح المجال للفرنسية وحدها من اللغات الحية التي تكونت بها نخبتنا، ومنع الحديث باللغات الأخرى كالإنجليزية أو الروسية، أو الإسبانية، والإيطالية، أو الصينية، أو التركية... والقائمة تطول.
 
أما السياق الآن فمختلف تماما فغالبية المسلمين، ونحن دولة مسلمة، مقاطعة لفرنسا لتصريحات رئيسها المعادية للإسلام والمحرضة على الكراهية؛ لذلك لا يكون من الحكمة مخاطبة الناس بلغتها تحت قبة البرلمان؛ خاصة أن معالي الوزير يمكنه أن يتكلم بلغته الدستورية (البولارية).
 
ينبغي أن لا ننسى أن البرلمان شهد نقاشات حادة خلال الأشهر الماضية بسبب الترجمة من الفرنسية؛ حيث كان مقررا أن تكون الترجمة بين اللغات الدستورية فقط، كذلك ما زالت ازدواجية إصدار النصوص باللغتين العربية والفرنسية، وإصدار الجريدة الرسمية بهما تمثل عبئا كبيرا على موارد البلد وطاقته؛ خاصة إذا علمنا أن القانون ينص على أنه في حال تعارض النصين الفرنسي والعربي فإن النص العربي هو الأصل...
 
علينا الآن بموضوعية أن نطبق النصوص القانونية دون تمييز، وإذا اقتضى الأمر إضافة لغة أخرى للدستور فلنطرح الأمر للاستفتاء وأن نتجاوز دوامة الإشكال: بأية لغة ينبغي لنا أن نتكلم رسميا؟...
 
الدكتور: عبد الله السيد
المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122