هاتفني الصديق العزيز شاعر فلسطين الفذ سميح القاسم قائلاً: فريح كيف قلب غزة ؟ أجبته أنه بخير و ينبض عن الأمة فقال اصمدوا أنتم خط الدفاع الأول فأجبته لا نحن خط الدفاع الأخير يا صديقي .
.وبعد إذ أخشى أن تكون صهينة العرب قد تمت فأجاب آآه لو كان هناك عبد الناصر واختفى صوته وقد شرق بالدموع على ما اعتقد. وهنا كان انثيال الذاكرة عن العلاقة الخاصة بين غزة فلسطين وعبد الناصر ، فلقد كانت غزة وفلسطين هي البداية والنهاية لهذا البطل وكأنها تراجيديا شكسبيرية ففي فلسطين ولد عبد الناصر السياسي في معارك بطولية خاسرة وأدرك أن الحل ليس في فلسطين وإنما في القاهرة وبقية العواصم السبعة آن ذاك. وتلك قصة آخرى
وبعد الهزيمة وحتى قيام ثورة يوليو لم يكن حال الفلسطينيين يسر فألحقت الضفة بالمملكة الأردنية وغزة تحت الإدارة المصرية فقامت حملات الإعلام بعد الهزيمة تُحمل الفلسطينيين ظلماً فادحاً أنهم فرطوا وباعوا إلا أن تصدي عبد الناصر لحرب التخوين شارحاً الظروف كما عاشها وأنصف الفلسطينيون حتى أنه سمى ابنه خالد على اسم مختار فلسطيني كان ينقل له المؤن في الحصار واعتقد أنه مختار السوافير وان لم تخنني الذاكرة اسمه خالد الطيطي ومسح تلك الصفحة السوداء التي حاول بعض صحفيي ذلك العهد ألصقها بنا وما أشبه الليلة بالبارحة يا أبا خالد.
لقد نسجت علاقة خاصة بين عبد الناصر وقطاع غزة وكان للقطاع مكانة في قلب عبد الناصر فقد كان يتابع يومياً أحوال القطاع وكان لنا أولوية في كل شيء في مجالات الحياة كالتعليم والصحة والاقتصاد….إلخ.
وكان صارماً حازماً ضد أي ما كان إذا تجاوز على أهالي القطاع من رجال الإدارة. فغزة كانت بطلة التضحيات في تلك الفترة وكان الكتف بالكتف مع الرجل في المعارك التي خاضها أو التي شنت عليه كتاريخ مشترك في حركة التحرر من الاستعمار و النضال ضد إسرائيل والغرب ولعلى مذبحة غزة في 28 /2/1955 هي نقطة التحول في تفكير عبد الناصر الإستراتيجي بكسر احتكار السلاح والاتجاه نحو الكتلة الشرقية وتأميم قناة السويس وما تلاها من عدوان على مصر وغزة حيث حاربت غزة بكل بسالة وشجاعة ، وكانت المذابح التي ارتكبت ضد شعب غزة في كل مكان خاصة مذبحة خانيونس والتي سقط فيها 1550 شهيد بالمعنى أكثر من خمسة عشر ألف بنسبة عدد السكان وقتها وحفظ الرجل ذلك لغزة وأهلها فحين انسحبت اسرائيل من سيناء ورفض بن غريون الإنسحاب من غزة رفض عبد الناصر كل الحلول بعيداً عن غزة وخرج شعب غزة من يوم 7/3/1957حتى 14/3/1957 إلى الشوارع حتى عادت ادارة مصر لغزة ولم يترك عبد الناصر غزة خلفه.
بعد ذلك دخلت غزة في جولة جديدة وأعني حرب يونيو 1967 وحاربت غزة مع الجيش المصري ببطولة شهد بهذا الأعداء ولم تسقط إلا بعد أن سقطت سيناء والجولان والضفة ولكنها امتشقت سيفها سيف المقاومة فور احتلالها وكان عبد الناصر يستشهد بتلك المقاومة وبقي الرجل مسكوناً بفلسطين وبغزة وشعبها خاصةً إلى أن انتقل إلى رحمته تعالى بسبب فلسطين بسبب كلنا نعرفه وهي حرب الأخوة الأشقاء في الأردن وحرك العالم كله وألقى بكل ثقله لحقن الدماء ولم يستحمل قلبه تلك الفاجعة فتوفى في 28/9/1970 ولم يتحمل الشعب العربي والفلسطيني خاصةً فكان النواح و العويل في زنازين الاحتلال وفي معاقل المقاومة في كل مكان وناقش الفلسطينيون شعارهم “عاش ومات من أجلنا ” والسؤال يا ترى هل لو بقى حياً كان سيترك غزة خلفه؟ ويا ترى هل كان سيترك غزة تحاصر وتجوع وتذبح.
وأخيراً يا عبد الناصر لو أطللت علينا لدقيقة من قبرك لوجدت أن هناك عروبة بلا عرب وإسلام بدون مسلمين ولوجدت غزة في خندقها تحارب بدمها ودموعها وأطفالها ونسائها ورجالها ، فنم قرير العين ولا نامت أعين الجبناء.
نحبك ياريس ونفتقدك وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر.
نقلا عن رأي اليوم