أين العمل العربي المشترك فى زمن كورونا.. محمد بنمبارك

2020-05-06 13:03:00

احتفل وحيدا بالقاهرة، في 22  مارس المنصرم السيد أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، بالذكرى 75 لتأسيس هذه الهيئة سنة1945، موجها نداء إلى ما يقارب 430 مليون من ساكنة العالم العربي حكاما وشعوبا،هنأها بالعيد الماسي لهذه المنظمة مدافعا عن تجربتها ووجودها كبيت حصين للعرب مبشرا بمستقبلها الواعد.

.

هذا النداء الذي جاء متزامنا مع أزمة فيروس "كورونا" وتداعياتها الكارثية على العرب والعالم أجمع، لم يعر صاحبه هذا الموضوع الاهتمام البالغ الذي يستحقه، كما لم يجرأ على تقديم حصيلة 75 سنة من أداء جامعة العرب، لأنه يدرك أنها مخيبة للآمال.

     وفي حومة هذا الجو الملبد بغيوم جائحة " كورونا المستجد كوفيد19" الذي وصل إلى درجة فرض حالة الطوارئ وحجر صحي على مجموع سكان العالم، يدفعنا إلى التساؤل حول كيفية مقاومة الأمة العربية لجائحة "كورونا" سواء على مستوى النظام العربي أو المنظومة الإقليمية أو تفاصيله القطرية؟. وهو تساؤل مشروع يتطلع إليه الرأي العام العربي لمعرفة وقائعه ومحدداته، وفيما إذا كانت آليات العمل المشترك مطبوعة بالتنسيق والانسجام ؟، أم أن حالة الارتباك والتفكك والتشرذم لازالت تطبع مواقف الدول العربية؟. لقد جرت العادة أن تكون الشدائد والمحن اختبارا حقيقيا للعلاقات بين الأفراد والجماعات والدول.        

العالم العربي اليوم منهك متعب، وهو يواجه منذ أكثر من شهر محنة جائحة "كورونا"، ويتساءل الجميع أين دور الجامعة العربية في ظل هذه  الظروف العصيبة التي تتطلب جاهزية هذه المؤسسة القومية للتشاور والتنسيق والدعم والمساعدة فيما بين الأقطار العربية، لم يجرأ السيد أبو الغيط في ندائه حتى الإشارة العابرة لدور جامعة العرب في التعاطي مع هذه الأزمة. بل اكتفى الأمين العام المساعد للشؤون الاجتماعية بإصدار بيان إعلامي يتيم فارغ، يشير إلى انعقاد جلسة حوارية يوم 9 أبريل، عبر تقنية الفيديو، ضمت 14 خبيرا عن وزارات الصحة العربية، وخبراء صينيين للتشاور حول هذا الفيروس وطرق الوقاية منه، انتهى البيان الإعلامي المحبط للأمانة العامة للجامعة.   

   جامعة الدول العربية لا تنقصها أدوات الفعل، فقد كان عليها الانخراط في حرب العرب ضد الوباء، عن طريق الاشتغال على عدة مسارات، قمة عربية، وزراء خارجية، مجلس وزراء الصحة، اتخاذ تدابير استعجالية تضامنية كفيلة بمواجهة الوباء من خندق موحد، ليس أقلها إحداث صندوق عربي لدعم دول وشعوب عربية تمر بأوضاع جد حرجة. فالمآسي الإنسانية لا تنقص العرب: هاهو لبنان المنهك سياسيا واقتصاديا، يعاني من عبء أكثر من مليون لاجئ سوري الذين زادت معاناتهم بسبب أزمة "كورونا"، وقد طالبت الحكومة اللبنانية بتقديم دعم لمواطنيها وإلى اللاجئين. الأردن بدوره يحتضن نحو 1.3 مليون لاجئ سوري في حاجة إلى تمويل ومساعدات إنسانية وصحية. أما معارك العرب العبثية في اليمن وليبيا فلم تشفع فيها المناشدات الناعمة للجامعة العربية والأمم المتحدة لوقف إطلاق النار، ليستمر القتال بين الإخوة دون الالتفات إلى الخطر الوبائي المحدق بالجميع.      

تعمقت، من جهة أخرى، مأساة الشعب الفلسطيني الأعزل في ظل الاحتلال والحصار والعقاب الجماعي من جانب الكيان الصهيوني أمام صمت عربي وإسلامي مريب وتواطؤ دولي فاضح. يضاف إليها صرخات الأسرى الفلسطينيين بسجون الاحتلال في غياب أية حماية أو رعاية صحية من الوباء، أظهرت فيها إسرائيل مرة أخرى أنها كيان بغيض يفتقر إلى أي وازع إنساني ولو زمن المحنة الكونية. وامتدت أزمة الوباء لتشمل ما يقرب من مليون لاجئ فلسطيني بالمخيمات المنتشرة بدول الاستقبال العربية لاسيما  لبنان وسوريا، فمن يتحمل مسؤولية حماية هؤلاء اللاجئين؟ وكيف يمكن التخفيف من معاناتهم؟ لقد ارتفعت صرخات اللاجئين معبرة عن الغضب من أوضاعهم المعيشية المزرية. لتلقى المسؤولية برمتها للإغاثة على السلطة  الفلسطينية ووكالة غوت وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين  "الأونروا"، و"الإسكوا" ومنظمة الصحة العالمية ثم مفوضية شؤون اللاجئين الدولية، في ظل غياب الدعم العربي.        

أما على الصعيد الإقليمي العربي، فيبرز أمامنا مجلس التعاون الخليجي واتحاد المغرب العربي، فالأول، انغلق على نفسه، بعد أن أبدى حركية تضامنية، ولو محدودة، فيما بين أعضائه  الستة، أما اتحاد المغرب العربي فقد خيب مرة أخرى آمال شعوبه، بعدما سجل غيابه المطلق عن هذه الأزمة، فلم يوقظه من سباته لا الخطر المحدق بالمنطقة المغاربية، ولا وحدة الجغرافيا والشعوب والمصالح، ليكرس من جديد  نمطه في التفرقة والانعزال وسقوط شعار التضامن والتآخي المغاربي ولو زمن المحنة.

     إذا كان سوء الطالع ظل سيد الموقف، بعد أن تأكد للشعوب العربية أن منظماتهم قد خذلتهم وتخلفت عن أداء رسالتها في التعاون والتنسيق والمساعدة، فماذا يمكن القول عن العلاقات الثنائية بين دولة عربية وأخرى؟. إن أول ما يسترعي الانتباه هو تلك الخطب الموجهة من قادة عدد من الدول العربية إلى شعوبهم حول التدابير المتخذة لمكافحة فيروس " كورونا" فمعظم تلك الخطابات عالجت هذه الأزمة قطريا وانشغلت بتدبير شأنها المحلي، بعيدا عن أي إطلاق أية مبادرة تعاون عربي جماعي أو إقليمي أو حتى في نطاق الجوار.      واقع العالم العربي يسجل أن هناك بونا شاسعا في الثروات بين الدول العربية، وتحت تأثير الوفرة المالية للدول الخليجية، كان المفترض في هذه اللحظة الفارقة من الأزمة ومن باب التضامن والتآزر، أن تبادر إلى تمويل ومساعدة دول عربية في أمس الحاجة إلى التفاتة إنسانية، يكون لها الأثر البالغ في إعطاء دفعة للعلاقات العربية في سياقها الثنائي بعد فشلها الجماعي، لكن مبادرات من هذا القبيل انعدمت، ليأتي الدعم المالي الأجنبي، الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية ومنظمات دولية.

     لكن ما يسترعى الانتباه خلال هذه الأزمة الإنسانية أن الدعم الخليجي للأشقاء العرب، يرى فيه البعض بأنه بات رهينا بمبدأ التبعية والوصاية للاستفادة من الكرم الخليجي وهو موقف قد يزيد الوضع تعقيدا. قد يكون الوقت لازال سانحا لكي تتدارك دول الخليج  مواقفها فرادى أو جماعة، لتتقدم بمبادرات إنسانية تضامنية تجاه أشقائها العرب في هذه الظرفية الحرجة، فدول الخليج بإمكانياتها المالية والاقتصادية قادرة على أن تلعب دوريا تعبويا بمختلف أشكال الدعم المالي واللوجستي وغيره للتخفيف من المحنة الصحية والآثار الاقتصادية الوخيمة التي تجتازها الشعوب العربية، تكون مدخلا للتصالح مع الشارع العربي وكسب تعاطفه المفقود، في مراحل قادمة بالانخراط الفعال والصادق في الدفاع عن قضايا الأمة العربية.

     لقد أبانت أزمة فيروس "كورونا" بما أفرزته من تداعيات سلبية للأداء العربي في إطاره المتعددة الأطراف أو الثنائي، أن الموقف بات يتطلب الكثير من تغييرا جذريا قبل فوات الأوان، فإذا لم يوحد خطر "كورونا" العرب، فمتى ستتوحد جهودهم. أما الجامعة العربية فحسب نداء أمينها العام، فإنه يسعى إلى تكريس أبديتها رغم عدم فعاليتها، دون أن يدرك أن موقف الرأي العام العربي انتقل من مساندة مطلقة لمؤسساته العربية إلى موقف التساؤل عن جدواها وما تستنزفه من موارد مالية في المقابل.  

         مكنت جائحة "كورونا" من رسم صورة حقيقية قاتمة عن العلاقات فيما بين الأقطار العربية، وكشفت أنه بحلول الذكرى الماسية لجامعة الدول العربية، يسجل النظام العربي عثرة أخرى تضاف إلى سلسلة العثرات على مدى 75 سنة، لنخلص إلى ما ذهب إليه المفكر كارل ماركس: "إن التاريخ لا يعيد نفسه إلا في شكل مأساة أو مهزلة".

[email protected]  

دبلوماسي مغربي  سابق

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122