من مأثور الحكايات الأدبية أن الوالي الأموي الحجاج بن يوسف الثقفي، فَرَضَ مرة حظرا ليليا على التجول، وأمر كبير حرسه بتنفيذه، وذات ليلة كان كبير الحرس يتجول في شوارع المدينة، فإذا بفتية ثلاثة ينتهكون الحظر، فأحاط بهم هو وجنوده، وسألهم من أنتم حتى خالفتم أمر الأمير، وخرجتم في مثل هذا الوقت؟!
.
فقال أحدهم:
أنا ابنُ من دانتِ الرقاب له -- ما بين مخزومها وهاشمها
تأتيه بالرغم وهي صاغرة -- يأخذ من مالها ومن دمها
فأمسك عنه وقال: لعله من أقارب الأمير.
ثم قال للآخر من أنت؟ فقال:
أنا ابن الذي لا ينزل الدهر قدره -- وإن نزلت يوما فسوف تعود
ترى الناس أفواجا إلى ضوء ناره --فمنهم قيام حوله وقعود
فأمسك عنه هو الآخر وقال لعله من أشراف العرب.
ثم قال للثالث ومنْ أنت؟ فقال:
أنا ابن الذي خاض الصفوف بعزمه -- وقومها بالسيف حتى استقلتِ
رِكَاباه لا تــــنفك رجلاه منهما -- إذا الخــــيل في يوم الكريـــهة ولّتِ.
فأمسكَ عنه وقال لعله من فرسان العرب.
احتفظ كبير الحرس بالفتية حتى كان الصباح، فرفع أمرهم إلى الأمير، فأحضرهم الحجاج وكشف عن حالهم
فإذا الأول ابن حجام، والثاني ابن فوال، والثالث ابن حائك؛ فتعجب من فصاحتهم وقال لجلسائه: علموا أولادكم الأدب، فوالله لولا فصاحتهم لضربت أعناقهم وأنشد يقول:
كن ابن من شئت واكتسب أدبا -- يغنيك محموده عن النسب
إن الفـــتى من يــــقول هأنذا --- ليس الفتى من يقول كان أبي.
وفي هذه البلاد؛ عرف الناس الدولة والنظام في فترة متأخرة، وعرفوا حظر التجول خلال فترات محددة من تاريخ دولتهم الوطنية، ونتيجة لأحداث أمنية معينة مرُّوا بها، بدءًا من أحداث 1966 حيث فُرض حظرٌ للتجول في العاصمة نواكشوط، وبعد انقلاب العاشر يوليو 1978 فُرض أيضا على عموم التراب الوطني، و فرض بعد ذلك مرات نتيجة أحداث أمنية متفرقة.
و يحفل تاريخ حظر التجول في هذه الربوع بالكثير من الحكايات الطريفة، يتركز معظمها حول طرق معاملة قوى الأمن لمنتهكي الحظر، فغالبا ما كان أهل الأمن في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات - وقد تلاحقت يومها أحداث استدعت فرض حظر التجوال - يتسلون بمن يحتجزون، ويتسامرون معهم سمرا خفيفا، فيأمرونهم أحيانا بالغناء وتقليد بعض الفنانين، وقد يلتمسون منهم إعداد شاي على نار هادئة للدورية.
وذات ليلة احتجزوا في من احتجزوا صحفيا من الإذاعة الوطنية، وعندما قدم لهم نفسه، طلبوا منه تقديم نشرة مفصلة لأهم وآخر الأنباء، وربما عمد أهل الدورية إلى تنظيم سباق للموقوفين لديهم، يطلق فيه سراح المصلين والمجلين.
وقد خلد الأدباء بعضا من هذا شعرا، و وظفوا الموضوع في سياقات أدبية أخرى، من ذلك مثلا قول الأديب أفلواط ولد الداهي:
ألّ بيه التخمامْ --- إبـــان افــذو ليـام
ملكاه اصعاب أُدام -- ذاك، ؤكيف الْمَنْوِ
غــير آن يالكسام --- ذ الخالكـــل يــشو
كل ليله ذَ أركاج --- نمشي شورو منو
وانبات افذ ألجلاج -- انـــهول بـــاترو.
الزموا منازلكم إلا لضرورة ملحة، والتزموا بتوجيهات وإجراءات السلطات العمومية في هذا الظرف.
سلّم الله وطننا من كل شر وضر.