مهرجان المذرذرة الثقافي / النسخة الثانية
.
عرض: بعنوان: العادات والتقاليد المحظرية.. المقاطعة نموذجا..
أعده وقدمه: أبو محمد محمد الحسن أحمدو الخديم
بسم لله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الانبياء والمرسلين، ورضي الله عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعين وتابعيهم والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين..
ثم أما بعد فالسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،
بداية أتقدم بجزيل الشكر إلى الاخوة في مهرجان المذرذرة الثقافي وفي مقدمتهم الاستاذ امربيه رب ولد أحمد الديد ولد اعليّ على الدعوة الكريمة والثقة الكبيرة..
أيها الحضور الكريم:
عنوان العرض الذي أسند إلي، في النسخة الثانية من مهرجان المذرذره الثقافي، هو:
العادات والتقاليد المحظرية.. المقاطعة نموذجا
ولن أطيل كثيرا في تعريف "العادات والتقاليد"، فمثلكم من يعلم أن العادات هي كلُّ ما اعتيد حتى صار يُـفعل من غير جهد، أو بعبارة أخرى هي أعراف تتوارثها الأجيال فتصبح جزءاً من سلوكهم.
أمّا التقالِيد فهي الْعَادَات المتوارثة من سلف لخلف، أو هي عادات اجتماعية استمرت فترات طويلة حتى أصبحت تقليداً لكل الأفراد.
وقبل الدخول في موضوع العرض لا بد من بعض الملاحظات:
1- أن طلاب المحظرة جزء من كل، فبالتالي يشتركون مع محيطهم في عاداته وتقاليده، وينفردون بعادات وتقاليد هي موضوع العرض.
2- أن موضوع المحاظر وثقافتِها لم يدرس بعد بما فيه الكفاية، وأغلب المهتمين به كانوا من خارج الحقل المحظري، وبالتالي فالمراجع المكتوبة -إذا ما استثنينا القليل النزر- تبقى شبه معدومة أو غير موثوق بها.
3- أن ما أستشهد به من النصوص الأدبية سيكون في الغالب غير معزو لأسباب منها كونه مجهول القائل، أو مختلف في قائله، أو معلوم القائل وبه مسحة هزلية تحول دون عزوه لذلك الطالب الذي أصبح شيخا فيما بعد.
4- أن المحظرة -في عرف المنطقة- هي الجامعة التي تدرس فيها "بتمعن وإتقان" جميع العلوم الإسلامية: من علوم القرآن، والحديث، والتوحيد، والسيرة النبوية، وأيام وأنساب العرب، والفقه، والأصول، والقواعد، والنحو، والصرف، والبلاغة، والأدب، والمنطق، والحساب، والطب النبوي. إنها الجامعة المتنقلة التي يرأس جميع كلياتها شيخ من فئة "شيخ مَشـّي" فيدرّس يوميا أكثر من 16 ساعة.. يتنقل خلالها من مادة إلى أخرى دون أن يضطرب إلقاؤه نتيجة اختلاف الفنون التي يدرس.
5- أن أغلب معلومات العرض هي من أرشيف موقع التيسير الثقافي الذي كنت أتولى تحرير مادته في الفترة ما بين 2007-2011 قبل أن تصبح مادته مرعى خصبا للمدونين ومرتادي مواقع التواصل الاجتماعي دون أن يرقبوا إلا ولا ذمة في حقوق النشر والملكية الفكرية.. فسطا عليها هذا وحورها ذاك... إلى غير ذلك.
فما هي إذن طبيعة المناهج والمقررات الدراسية في المحظرة؟، ما ذا عن مخرجاتها الصناعية؟، وما هي أدوات الكتابة وأنواعها؟، ما هي أهم مصادر عيشها؟ ما طبيعة علاقتها بمحيطها؟، وكيف هو سمرها؟..
أسئلة سأحاول الاجابة عليها بحول الله وقوته، أو بالأحرى سأثيرها ضمن المحاور التالية:
المحور الأول القراءة والكتابة:
من المعمول به في العادات والتقاليد المحظرية أن يبدأ الطالب دراسة المتن يوم الأربعاء آخر أيام الدراسة الخمسة التي تبدأ بيوم السبت، لما في بعض الآثار من انه ما بدئ شيء يوم الأربعاء إلا وقد تم.
أما الخميس والجمعة فهما للمراجعة ونسخ الكتب وزيارة الأهل والراحة والترويح عن النفس.
يستخدم طلاب المحظرة اللوح للقراءة، وفي كل مرة يغسل الدرسى الأقدم كتابة الأجود حفظا.
وللكتابة في اللوح يستخدمون "السّمغه" ومكوناتها الفحم (وأجود أنواعه فحم تاژنت) والعلك (ويعسمونه بأسغن) والماء، وتصنع في "آدگي": (حجر منحوت الوسط).
ولهم شغف وعلاقة قوية باللوح. يقول ابن حنبل الحسني:
عم صبحا أفلحت كل فلاح
فيك يا لوح لم أطع ألف لاح
أنت يا لوح صاحبي وأنيسي
وشفائي من غلتي ولُوَّاحي
بك لا بالثرا كلفت قديما
ومحياك لا وجوه المِلاَح.
وفي الكتابة في الكاغد (النقل) يستخدمون المداد بألوانه الأسود والأحمر والأخضر والأصفر ويصنعونه بأنفسهم، فلصناعة المداد الأسود يأخذون مرجلا فيجعلون فيه نحو لترين من الماء يضيفون إليه بعض القرظ (الصلاحه وأفضل أنواعها الصلاحة الحمره "ميچاگه") وشيئا من الصمغ (العلك) وبعض ورق شجر السلم (التمات) ثم يعلقونه في شجرة المصلى لتضفي عليه نوعا من الحصانة، ويتعهدونه يوميا بالخض، وعلى مدى ثلاثة أيام.
أما المداد الاحمر فيصنعونه من "المغره" (أي الحميره، خاصة حميرت اطيحه) والماء والصمغ، تحك المغرة على حجر أو مبرد في الماء،
كذلك يصنعون المداد الأصفر من ورق شجر (تالولاكت) أو (تگفيت) أو (يرتمه) وتأتي من السنغال۔
وأما المداد الأخضر فيسخدمون فيه مرارة ذوات الأربع.
ومع بداية الاستقلال أصبح هناك المداد المستورد وهو خاص بالكتابة الورقية ويعرف بـ: "كردشين" أيencre de Chine ويقومون بتحسينات عليه من قبيل إضافة الماء والصمغ والتتسخين، لئلا ينمحي ما كتب به.
ومن عادة طلاب المحظرة حفظ وتوزيع واستخدام المداد عبر الدواة (الدواي) وهي وعاء نحاسي يصنع خصيصا لهذا الغرض، وتنقسم "الدوايه" إلى كبيرة تسمى أم المداد تحفظ في مكان آمن، وصغيرة وهي مركبة من 1 إلى 4 وهي للاستعمال اليومي، فإن زادت الدواة على اثنتين سميت بالمَجْمع.
أما الأقلام: فأفضل أنواعها وأكثرها انتشارا "اجريد" وهو سعف النخل، وأفضل أنواعه "ارعيعيد" وأشهر أماكنه منطقة الخط شرقي المذرذره، في نخلة تعرف بـ"اسويگيَ" توجد في نخيل "ولد الخ" في الغرس.
أما الخط المحظري فهو خط مغربي (أكثر الخطوط العربية تأثرا بالخط اللاتيني لأنه في الأصل أندلسي). هذا الخط تنقط فيه القاف واحدة من فوق والفاء واحدة من تحت والفاء الأخيرة يكتبونها مطلقة مع السطر (ف) والقاف معكوفة (ق) ويردون الياء إلى الوراء في نحو (لي) و(أكرمني)، ولا ينقطون حروف: "ي" "ن" "ف" "ق" إذا كانت في آخر الكلمة.
وفي كتابة المصحف يكتبون الهمزة القطعية نقطة صفراء نحو ﴿قالوا أنؤمن﴾، والمسهلة بنقطة حمراء نحو ﴿أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت﴾، وعلامة الإبتداء بهمز الوصل بنقطة خضراء نحو ﴿ومن اهتدى اقترب﴾، كما يكتبون الصاد والضاد بيضويتي الشكل أو مقوستي الأعلى.
وفي الخط المحظري ينتشر "اتشرقي" القائم على "التشيار" فإن وصل إلى درجة معينة من الحسن سمي بـ"لگريده"، يكتبون الدال والذال فيه على شكل الراء والزاء في حين أن الراء والزاء المتصل بهما ما قبلهما يعيدونهما إلى الوراء ثم إلى الأمام لجهة الفوق.
ومن تقاليدهم استخدام اللون الأحمر لكتابة المتن، والأسود لكتابة الشرح، وفي الجامع بين التسهيل والخلاصه المانع من الحشو والخصاصة (احمرار وطرة ولد بون) يكتبون نص ابن مالك بالأسود وتوشيح ابن بون بالأحمر، ويكتبون الموصول الحرفي لأنه ليس لابن مالك ولا ابن بونا باللون الأخضر، او يكتبون شطر البيت الاول بالأسود، والأخير بالأحمر أو العكس، أما الطرة فيكتبونها بالأسود، والحواشي يكتبونها بالأحمر، وإذا كتبوا الحاشية باللون الأسود يجعلون عليها علامة "ح" أو "ط".، أما الأنظام التي هي من مكونات الطرة فتكتب باللونين الاحمر والاسود وبقلم أرق من نصي ابن مالك وابن بونا.
ويستخدمون لحفظ الطرة الحكامة والتگدريت، أما في غيرها فالمجمع والكناش وربما أضافوا زيادة في الحفظ القمطر "التيلويشت".
المحور الثاني: مصادر العيش:
يعتمد طالب المحظرة غالبا في عيشه على لبن تلك الناقة أو البقرة التي يأتي بها إلى المحظرة ويستبدلها من حين لآخر كلما تناقص حلبها، ويكثر في أشعارهم الحديث عنها، وشكواها وخاصة البقر منها:
ألا قبح الرحمن عادة خلفنا
فليس لعمري الدهر يرجى فلاحها
قليلاتِ ألبان كثيرٍ شرابها
كثيراتِ إرضاع قليلٍ رواحها
وهناك أيضا من مصادر العيش تلك الاكراميات الموسمية المتعارف عليها مثل: "شاة العاده" وهي شاة يعطيها المتزوج أو أهل الزوجة أوهما معا.. يحصلون عليها من حي الشيخ والأحياء التي يمكنهم الوصول إليها.
كذلك أيضا "شاة الاسم" يدفعها والد المولود أو أخواله أو هما معا.
ومنها أيضا "المد" تدفعه القافلة تمر بقرب المحظرة، وربما اختبرت الطلاب قبل دفعه (زرگ):
تلماد جات ادور المد
اتراه ابحال ظريف
تعرب لعادت بعد اتگد
مازن رأسك والسيف.
هناك أيضا رسالة التلاميذ (لبراوه) يخرجون في العطلة الاسبوعية إلى الاحياء التي يمكن الوصول إليها.. يلتمسون العون فييقرؤون رسالتهم المعروفة في الوسط المحظري بـ "ابراوت التلاميد" وهي رسالة محررة من طرف جماعة من نبهاء الطلبة تحتوي آيات وأحاديث وأشعارا تحض على العطاء ثم ختامها بالدعاء.
كذاك من مصادر العيش "تمغره": وهي الحذاقة، مأدبة يصنعها من أكمل متنا من المتون الكبيرة، أو من حفظ القرآن الكريم.
ومنها أيضا "التاژوَّ": خاصة بطلاب المحظرة القرآنية، إناء كبير يجرونه في الغالب يوم الأربعاء الأخير من الشهر وخاصة في حال تأخر المطر، ولديهم نشيد يرددونه.
ومن مصادر العيش كذلك "خيرا منكن" وهي خاصة بالمحظرة القرآنية، وموسمها قدوم رجال الحي من الغيبة، يأتون إلى المستهدفين، ولديهم طقوس معينة فإذا لم يعطوا تلوا الآية "عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن"، وهي خاصة بالجنوب الغربي من مقاطعتنا الحبيبة هذه.
"الختمه": أيضا من مصادر العيش وهي خاصة كذلك بالمحظرة القرآنية في حي المحظرة والأحياء القريبة منه، فإذا أكمل أحد الطلبة ربع القرآن يختار الطلبة أحسنهم خطا وأضبطهم للرسم والضبط فيكتب الدرس الأخير من الربع فيطوفون في حي المحظرة أولا والأحياء القريبة منه، يقفون أمام المنازل فيرتلون الدرس الذي في اللوح، ويختارون للمهمة أجودهم حفظا وأداء وصوتا.
ومن مصادر العيش عائدات الرسائل التي يرسلونها من المحظرة يلتمسون فيها العون من أهليهم وأحبابهم؛
يقول أحمد بن كداه الكمليلي:
فمن مبلغٌ أهلي بأني هاهنا
أقاسي أمورا لست فيها بِمُنْجدِ
يساورني جُنْدَا أبي وابن مالكٍ
ومن ساور الجندين لا بد يَجْهد
أدافع جُنْدَ الابن إن جاء صائلاً
ومالي بجند الجد إن جاء من يَد
ويقول لكبيد ولد جبه التندغي:
خليلي بلغ إذا ما تلم
بأهلي سلامي كفيت المهم
بأني غريب ولا ثوب لي
وعهدي بالزاد عهدي بهم.
وربما كانت الرسائل مشفرة كرسالة العلامة أبي مدين ولد الشيخ أحمدو ولد اسليمان التي يلتمس فيها إرسال شيء من اللباس:
سلام مما يندر نقصه (أب) عند النحاة مضافا إلى ما أضيفت إليه "ماء" في القرآن (مدين) موجبه أن تبعثوا إلينا بشيء مما أنزل الله على بني آدم (اللباس) والسلام.
وربما وقف الطالب أمام التهل ينادي بأعلى صوته يا ازريگ يا اتاي يا لغد.. وفي الغالب يلقى نداؤه تجاوبا كبيرا.
تلميد عيط يا زريگ
ما نلل ماه شين
غير ال شين الا افريگ
ما يرسل باط اشنين
ومن عادتهم في الرخاء أن يكون العشاء بالعيش ويؤاجرون من يعده، وربما دونوا ملاحظات حول إعداده:
ما كان أبطأ عيشنا وأقله
عيشا و"أمسخ" طعمه و"أبله"
عيشا نقضي في انتظار مجيئه
ليلَ البلابل كلَّه أو جُله.
أما الغداء فالأرز والهبيد (مار والشركاش)، ويلقبونه بالدرنيف، "فعلل" من ديرن فيه:
إن يبونف قوما ندرنف كذا نــشـ
ــرب "ماء" إن يشربوا "ليمناطا".
المحور الثالث السكن وأماكن التدريس:
يسكن طلاب المحظرة غالبا في الأعرشة (التهاله) ويقومون بصناعتها بأنفسهم، ويتكون "التهلي" (العريش) من: جذوع واغصان الشجر (ادواريك واجلاتن)، والثمام (أم ركبه) يكون دائري الشكل، وسطه سارية تسمى "السلطانه" و"الأصطوانه" وتغطي مساحة في المتوسط أربع متر مربع، ويكثر ذكره في أدب المحظرة، يقول العلامة محمد الامين بن ممي المجلسي:
لبيتُ ثمام منحنِ متخرقِ
وفضلُ حصيرٍ دارسٍ متمزقِ
نظل به والقوم ما بين زائر
وقارئ درس منهم ومورق
ونمسي به ما إن يحُل بسوحنا
عَريبٌ سوى طيف لسلمى مؤرق
أحب إلى قلبي، وإن حصيره
أحب إلينا من حصير منمق.
الخيمه: وتختلف باختلاف مسمياتها فالصغيرة تسمى ما تفازه، والأكبر منها "خوبه" على أن ما تفاز المحظرة ليست ما تفازه ألتي هي "خيمت الحلالات" عند المجتمع.
ويكثر ذكر الخيمة في انتاجهم الأدبي.
يقول في ذلك العلامة أحمد محمود بن عبد الحميد المشهور بممو:
لبيت خباء قد تلاشت حباله
وأوصاله بالي الجوانب طامسُ
به فتيةٌ شم الأنوف أماجدٌ
لهم همم قصوى كرام أشاوسُ
يناضل بعض القوم بعضا فيمترى
فتفتح من بعد الجدال القوامسُ
أقيم به عاما وعاما وثالثا
وعاما له عام الترحل خامسُ
أحب إلينا من خباء لطفلة
كعوب لعوب ما لها فيه حارسُ
والجماعة المشتركة في الخدمة تسمى "الراحله" ويسمى رئيسها "الحاكم"، ولهم نص يحاكون به مختصر خليل ينظم علاقاتهم وعلاقاتهم بمحيطهم.
في وجوب تحكيم الحاكم لغير تارك التعلم وإن بأهله ولو مع واحد بالمطاوعة وسنيتهما خلاف، وندب أكملهم وإن تشاح متساوون لا لكبر اقترعوا وعليه جلب مصلحة ودفع مضرة كإناء وإحضار حطب وإيقاد نار لتدريس ومناوبة وأخذ عادة وهي لهم ولو عقيقة كمد من رفقة ولو منفردا.
وندب إكرام ضيف بعد زجره إن لم يتب وإلا فقال يستحسن تركه وله أخذ ما أعطى.. وللمعروض إن لم يكن خلا ثلاث وهل تكره الرابعة أو تمنع خلاف..
وجاز بمنهل كمراح بدء بأي بقرة والمعيِّن مبتدع ولتبيع صغر وحضر ربه "بزول".
المحور الرابع: التدريس والمقررات والاعتزاز:
عادة ما يدرس شيخ المحظرة تلامذته في عريش مخصص لذلك أو في خيمته او هو يتجول بهم، أو تحت شجرة، يقول المصطفى بن عبد الرحمن بن بو يعدل التندغي في"ايروارت اباه" التي كان يدرس تحتها وهي على بعد 2 كلومتر شرق بدغوغه:
قتادة الشيخ قد حياك مولاك
واليمن والأمن والخيرات أولاك
أليس يكفيك أن اباه مذ زمن
ياوي ضحى وأصيلالا بمغناك
وما نبالي إذا ما كنت جارتنا
أن لا يجاورنا إذ ذاك الاك.
ويبدأ التدريس في المحظرة قرب صلاة الصبح ويمتد إلى ما بعد صلاة العشاء، وتكون بداية الطالب من بداية الكتاب الا للدولة ونحوها، وغالبا ما يتبع الشيخ في التدريس طريقة "الأول فالأول"، وتقدم الدولة (الجماعة المشتركة في وحدة النص) على غيرها، وفي المتن الواحد يرتبهم حسب المبتدئ فمن يليه كنوع من المراجعة.
وينطلق المنهج المحظري من مسلمات ثلاث: لا يحبس ذكي على غبي، ومقدار الدرس حسب الفهم والاستيعاب، ولا لترادف الفنون والمواد.
وللعلامة عبد الحي بن اتاب (ببيه) الانتابي في المناهج المحظرية:
تعليمنا الأصلي في البوادي
أعني الذي يعتاد في النوادي
يأتي التلاميذ إلى المعلم
تحت الخبا ناحين للتعلم
أو تحت خيمة له من وبر
أو لهم أو تحت ظل الشجر
يقول "مشي" يا فلان فيقول
"يقول" أو "يرفع" و"الوقت" مقول
بعضٍ كذا "يجب" ثم "يثبت"
و"فرض الحج وسن العمرة"
وبعضهم يجاوز الأخيرا
للعجز إذ ذاك وقس كثيرا
من ثم حتى ينتهي لـ"يُخرَج"
الأبواب [كيل 60] والفصول [صهج 68]
وفي الرسالة رجال ورجال
في تحفة ابنِ عاصم لهم مجال
وبعضهم إضاءة الدجنه
(لكونها اعتقاد أهل السنه)
وبعضهم يقول عند ذلك
(قال محمد هو ابن مالك)
ثم يقول بعضهم حين أتى
(الفاعل الذي كمرفوعي أتى)
ثم تقول دولة بلا دخل
(يتبع في الإعراب الاسماء الأول)
كذا تقول دولة ممن ألف
(علامة التأنيث تاء وألف)
يقول من هو على الصرف جري
(حرف وشبهه من الصرف بري)
وبعضهم بالحمد لله نطق
من رأسها إلى انتهاء المنتطق
ودولة في قرة الأبصار
في سيرة المشفع المختار
كذا ابن عاشرْ وابن بري والمثال
لا يقتضي الحصر كما قدما يقال
هذا كثير ما عهدناه تؤم
له المحاظر بقطرنا العلم
أما عبيدُ ربه والأخضري
وملحةُ الإعراب والشعرُ حري
بالسبق بعد الحفظ دهر الصغر
فإن ذا قبل المحاظر دري
يقول ذو اللوح للاستاذ غفر
الله لي ولك ثَمَّ إن صدر
ثمت يمضون إلى تكرار
دروسهم بالليل والنهار.
وفي الليل يأتي طلاب المحظرة إلى الشيخ أو أحد الطلاب المهتمين بالنحو فيلقي عليهم البيت والبيتين للتدريب على التمييز أولا ثم يتدرج بهم إلى معرفة المبتدإ والخبر والفاعل والمفعول والجار والمجرور..إلخ، فللإعراب واللغة والأدب أهميتها ومكانتها الخاصة، يقول العلامة امحمد ولد أحمد يوره في قوله:
عجبت من ضحك من لم يعربن به
ولم يكن عنده للضحك غير "هِه"ِ
لا هو يستطرد الأشعار في ملأٍ
ولا تراه لذي الآداب ذا وَلَهِ.
ويذهب ابن حنبل أبعد من ذلك حين يقول:
حليُ الفتى إعرابه لا ماله
ولا نجاره ولا جماله
كل فتى شب بلا إعراب
فهو عندي مثل الغراب
وإن رأيته لخود عاشقا
فقل لها اتق الغراب الناعقا
لا انتفعت بالأكل والشراب
من آثرت مالا على الإعراب
ومن عادة طلاب المحظرة الاعتداد والاعتزاز بالمحظرة وزملاء الدراسة، يقول أحمدو ولد احبيب اليدمسي:
قف بالديار معاهدِ الأصحاب
زمن الصبا ومنازلِ الأحباب
دور بها قد "كُرِّرَتْ" ألواحنا
"وتَزَارگَ" الأقوام بالإعراب
فـ"يطيح" ذا و"يطيح" ذا ولربما
نزل "الطياح" بأشمط عراب
كانوا إذا جاء الشتاء وأوقدوا
بعريشهم حطب الغضا بالباب
و"تغابدوا" ألواحهم وتذاكروا
سحرا معاني "سفرها" و"الباب"
وغدوا على غسل الدروس وكتبها
كتابها تهوي لكل كتاب
حتى إذا طلعت براح "وشگرت"
بعد التمام كتابة الأنجاب
يأتون حبرا فاهما ومعبرا
رأدَ الضحى وهم ألوا الألباب
فيظل في تحريرها بثا لهم -- كل الفنون نوادرٍ وصعاب
تگلى "الشراكش" بالعريش وربما -- يأتي بها آت مع "التحطاب"
وإذا بهم مر الرفاق تشمروا -- كيما يكيلوا آلة "التحلاب"
وإذا العقيقة أخرجت ليعقها -- عن نجله ندب من الأنداب
هذا وكم من جفنة شماء قد -- تأتيهم فضلا من الوهاب
والكل فضل الله جـل جلاله -- ربِّ العباد ومالِك الأرباب.
ويقول الشيخ سيدى محمد بن الشيخ سيدي:
وكم سَامرت سُمَّارًا فُتُوًّا -- إلى المجد انتموا من مَحتِدَينِ
حووا أدبا على حسب فداسوا -- أديم الفرقدين بأخمصين
أذاكر جمعهم ويذاكروني -- بكل تخالفٍ في مذهبين
كخلف الليث والنعمان طورا -- وخلف الأشعريِّ مع الجويني
وأقوال الخليل وسيبويه -- وأهلي كوفة ٍ والأخفشين
نُوَّضح حيث تلتبس المعاني -- دقيق الفرق بين المعنيين
ونحو الستة الشعراء ننحوا -- ونحو مهلهلٍ ومُرَقِّشَين
ونذهب تارة لأبي نؤاسٍ -- ونذهب تارة لابن الحسين.
ويقول الشيخ أحمدو بن اسليمان الديماني:
فمن لي بفتيانٍ كرام ٍأعزة ٍ -- يكونون أصحابي وأصحبهم دهرا
فمن كاتب قفا طويلا وكاتب -- لعلم أصول الدين يجعله ذخرا
ومن كاتب قف بالديار وكاتب -- ألا عم صباحا أو قفا نبك من ذكرى
ومن قارئ بان الخليط وقارئ -- خليلي مرا أو سما لك إذ يقرى
ومن منشد إن الخليط ومنشد -- خليلي مرا أو تذكرت والذكرى
ومن منشد يشدو بأحسن صوته -- دعا باسم ليلى أو إذا مضر الحمرا
ومن معرب يُرْمَى فيعرب كِلمةً من البيت إذ يرمى ويسقط في الأخرى.
ويقول الشيخ محمد عالي ولد عدود:
ترى ابن يوسف محتثا نجائبه -- ينحو بها الأشعريَ الكاملَ الشرفا
ترى الجويني، والشيخ اللإمامَ بها -- بين التعادل والترجيح قد وقفا
فيها عليٌّ وعمرو لا يروعهما -- زنبورُ واش إذا ما دبّ وازدلفا
لا يختش ابنُ يزيد يوم نائبةٍ ... فيها ابنَ يحيى ولا يحيى بها خَلفا.
يتو?