من الثابت ، الذي أعجز المصلحين ـ منذ أن وجد هذا الكائن الغريب ذو الملامح والمحامل والملاحم و المحالم الفريدة ،وأهمها "العقل" ـ تشبُّثُه بفطرته وعودته إليها كلما دهمه خطرٌ يَعجزُ عن مُغالبته، وهي فطرة ذاتُ بُعد (ما ورائي) غيبي عَصيّ علي التكييف و التلييف، رغم ما كُتب عنها وما كُتب ونُسب إليها ..
.ولكنها بقيتْ ثابتة غير متحولة ولا مُنتهية و لا ومُنتَهَي منها أو عنها.. ومن بينهاــ وذلكم المقصد ــ "حالتا: التشاؤم و التفاؤل" و أشنع هذين الانطباعين (الطيــرة) ...فهل استطاعت الملل والنحل والأفكار والمصلحون والمصلحات بالرضى أو بالإكراه ، بالإقناع أو بالإيقاع ،أن توقف الناس عن الإيمان بها أو الاعتقاد فيها ،أو "التأثر بها" في الحَدِّ الأدنى؟؟
الغرب و التطير:
إن البشرية كلها، علي هذا الكوكب تعيش(الزمن الغربي) في أدق تفاصيله مَأْكَلًا ومشرباً و مركباً و طرائقَ تحليل و ثمرات بحث و وسائل إقناع حتى درجة التماهي، وأكثرُنا تماهيا معه أصخبُنا رَفْضًا لَهُ. وفي هذا الزمن وأهله، يعتبر الغربيون أكثر خلق الله عملية وعقلانية ،لدرجة أننا معاشر العرب نقيس في لغتنا (العالمة) العقلانية بنسبتها إلي(ديكارت) كما يقال عندهم :فلان "كارتيزياني" (و ديكارت تلميذ للغزالي مذهبا، وإن جحدوا) ...
فهل خلصتهم عقلانيتهم من "وثنية" أو "فطرية" الطيرة؟ وهل جعلهم وُصولهم إلي "المريخ"، ونحن لمَّا نكتشف "البطيخ"، يتنازلون عن "توابل" التفاؤل و "أملاح" التشاؤم و "طمي" الطيرة "؟.. وهل هذا يؤثر علي الإنتاج أو يؤخر مواسم الحصاد التي لا تنتظر " الغيث "؟ و مادام الأمر مجرد "فولكلور" ذهني يحفز عقول العلماء علي البحث، ويُسَلّي ربات البيوت المتقاعدات ويؤثث أمسياتهن حول "المدفأة" ...فما الغاية من إنكاره أو استنكاره ؟هنا يكمن الفرق بيننا و بينهم ،فما جدوى الاهتمام بلون القط طالما أنه يأكل الفئران ؟ كما يقول الصينيون.
لهذا تركوا لأصحاب الفنادق أن يسحبوا الرقم13 من تعداد الغرف لأن عددها الإجمالي، وبالتالي مردوديتها الربحية ،لن تتأثر لأن الغرفة12+ تحل محلها في جردة الحساب.. كما سمحوا للمتطير من المداومة يوم 13 من الشهر أن يتغيب مقابل خصم مقابله من الشهر ال13 الذي هو علاوة تمنحها المؤسسات الرابحة لعمالها.. ويتفاءلون بها رغم الرقم 13!
نحن والطيرة:
لا أعرف شعبا، (وقد عرفت أغلب الشعوب، حتى المايا في فيافيهم وأدغالهم)أكثر طيرة ولا تشاؤما منا ، لدرجة أن منا من هم مبرزون وراثيا في اختصاص فريد وراثي هو الآخر: إنه الطيرة...
فترى الكثيرين يتهافتون لأخذ انطباعاتهم، و يتوارى آخرون خوفا منها وتسمع في الحديث البريء العادي أن أولئك " غضف" و هؤلاء " مشؤومون" لأن "الفُلانيين" حكموا بذاك ...
أما عن أيام الأسبوع فحدث و لا حرج ،لدى أغلبنا، فمنها يوم (مقام) و يوم (سفر) ويوم (قضاء حوائج) و يوم (حرمان) ..ونحن ندعي من نقاء العقيدة ما ندعيه..
و قد بلغ الغيُّ "وضع" الأحاديث ... التي تفرق بين المرء و زوجه ... وتراثنا مشحون بتلك الفظائع التي تشتت الأسر و تزرع الأحقاد جيلا و راء جيل.
و من أوجعها و أفجعها التطير من رؤية بعض المؤمنين المواطنين أبناء جلدتنا و ملتنا ــ ومنهم الحفاظ والعلماء والكتاب و أغلبهم الكادُّون باليمين علي عيالهم ــ و حتى الكلام معهم بعض أوقات من نهار أو ليل.. فأيُّ ظلم وأي امتهان لإنسانية الإنسان أبشع من هذا؟
فبالله عليكم هل سمعتم خطبة إمام أو مقالة كاتب أو موضوع نقاش يتناول هذا المنكر بالتنديد وتشديد النكير على مدار السنين برمضاناتها المتعاقبة و جمعها المتتالية ؟
ونعيب على الغرب التطير من رقم في الحساب ونواصل لعبتنا المفضلة في الفخر بديننا وما أمر به وما نهى عنه وما حرر من عقل و ذم من منكر... ولكن : تلك عظمـــة الرسالة و الرســول فأين نحن منها.... رحم الله الطهطاوي العظيم عندما بهرته منجزات الثورة الفرنسية في شعارها(العدل والأخوة والمساواة) فقال: جئت من بلاد مسلمين بدون إسلام.. وقدمت إلي بلاد إسلام بدون مسلمين...
وجُمــاع القول إن موروثات الشعوب عصية علي الاندثار بسلبيها وإيجابيها، إلا بالثورات الفكرية التي تساءل التاريخ و تمارس ــ بناءً على ردوده ــ عملية تغيير المنكر باليد و اللسان والقلب ...
وإن أحطَّ الموروثات و أولاها بالمحاربة ما أوقف طموح الإنسان وحدَّ من قدراته علي صنع الانعتاق ...وكما قال الإمام سيدنا علي كرم الله وجهه : الناس اثنان :أخٌ لك في الدين أو أخٌ لك في الخَلق.... وتلك إنسانية الرسالة المحمدية الباقية بقاء الحق.
________________________________________
**تفاءَلوا بالخير تجدوه**
__________________________________
(كتبتها يوم 29 ديسمبر2012 عن الرقم 13)