صاحب الخلق الفضيل والانتماء الوطني والقومي النبيل
.لقد فقدت الأمة العربية والإسلامية عامة وموريتانيا خاصة أحد أبنائها البررة، وأدبائها المهرة، وعشاقها القدوة، صاحب السيرة المرضية، والسريرة النقية، ذلك هو الأستاذ الجليل محمد كابر هاشم الرائد والقائد والفتى الشامل، والأديب الفاضل الذى أنطق نخيل البلاد بتاريخها وأنسابها وأمجادها وكتب مسرحيته "غزاة وأباة" عن جهادها ضد الاحتلال الفرنسي، هذه المسرحية التى مثلت وأذيعت فى الإذاعة الموريتانية والمغربية عام 1975 م .. كما خلد عادلة البلد فى قضية "الركن" وأقصوصته "الموت البطيئ ... " و "اتصوفير إيجيب لحنوش".
لقد ظل فقيدنا الغالى الحارس القوي والأمين لهوية هذه البلاد، فقد كان يعتبر اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين باقيا ما بقي العلم والنشيد الوطنيان، وظل ينأى بهذا الاتحاد عن التجاذبات السياسية .. ففى إحدى السنوات الماضية طلب منه الحزب الجمهوري الديمقراطي (الحاكم آنذاك) تعليق لافتة على بوابة الاتحاد تؤيد انتخاب رئيس الجمهورية يومها مقابل أربعة ملايين أوقية فقال محمد كابر هاشم: الاتحاد للجميع لا يؤيد أحدا ولا يعارض أحدا، وأنا تحت التصرف..!
وفى أحد الأعوام الماضية عرضت دولة شقيقة على محمد كابر هاشم بناء قصر فاخر للاتحاد فقال: إن الاتحاد موريتاني ولا يقبل الهبات والعطايا إلا من دولته، حرصا منه على أن يظل الاتحاد مستقلا ووطنيا خالصا، ولذلك رفض أيضا مبلغا ماليا كبيرا مقدما من دولة شقيقة..!
ولذلك كان يعمل على إيجاد مقر لهذا الاتحاد حتى تحقق له ما أراد بعد قرابة ثلاثين عاما بفضل الله ثم بفضل علاقته الوطيدة مع الوزير الأول الأسبق الأديب سيدى محمد ولد بوبكر، الذى أمر بتوفير مقر مؤجر للاتحاد من ميزانية الدولة الموريتانية.
وعندما تولى الدكتور عبد الله ولد ابن احميده أمانة وزارة الثقافة والشباب والرياضة عام 2004م قام بتخصيص ميزانية للاتحاد لأول مرة فى تاريخه وهي آنذاك 30 مليون أوقية، كما زود الاتحاد بسكرتيرة وعامل حراسة وفر له سكنا، كما أثث مقر الاتحاد أيضا.
ولقد كان كابر هاشم حريصا على أن يؤدي الاتحاد وظيفته، فقرر أن يقيم المهرجان السنوي للأدب الموريتاني بانتظام وأن ينشر مجلته "الأديب" بانتظام، وأن ينشر دواوين ودراسات وبحوثا كل سنة، وأن يشارك بانتظام وفعالية فى نشاطات وزارة الثقافة الموريتانية والاتحاد العام للأدباء العرب، وكان حريصا على دعم كل الشعراء والكتاب، فقد كان يعرف أسماءهم ويحفظ أرقام هواتفهم عن ظهر قلب، وكان يكن لهم كامل الحب فمن أساء إليه منهم قربه أحسن إليه حتى يكسبه والأمثلة معروفة لدى الجميع...
*** الجود والكرم ***
لقد كان محمد كابر هاشم يعرف كل الأشخاص الذين خدموا لغة الضاد فى هذه البلاد ويحرص على تكريمهم كل عام فى المهرجان السنوي للأدب الموريتاني بشهادة تقدير ومبلغ مالى محترم، وكان لا يرد طلبا يود صاحبه دعما لمؤلف أو غيره. وعندما كرمته إذاعة موريتانيا قام بتوزيع المبلغ الذى كرم به على معارفه فى الإذاعة فورا...!
*** إعطاء كل ذى حق حقه ***
وكان محمد كابر هاشم يقول: لا نود أن نقوم بأي مهرجان للاتحاد إلا بعد تأكدنا من دخول الميزانية السنوية لحسابنا لأننا نود أن نصرف لكل ذى حق حقه قبل أن يجف عرقهسواء كان عاملا أو شاعرا أو باحثا أو صحفيا. ومن المعروف أن علاقاته الواسعة كانت تسهل عملية الحصول على ميزانية الاتحاد كل عام وكان يتابعها بنفسه وينتزعها بجاهه.
** التواضع والظرف **
كان محمد كابر هاشم متواضعا طريفا فعندما يقوم المكتب التنفيذي للاتحاد بتوزيع مهمات إقامة المهرجان السنوي للأدب يكون هو أول من ينفذ هذه المهمات مثل تعليق اللافتات فى أماكنها المحددة، وتوزيع الدعوات والمداومة فى مقر الاتحاد أو مقر المهرجان حرصا منه على إنجاز المهرجان فى موعده ودقة تنظيمه، ولا يقول لأحد لماذا لم تضع كذا ولا يلومه على تخلفه إلا فى ظرف وطرافة مع ابتسامة دائمة..!
** الوفاء بالتزماات الاتحاد **
قبل حصول الاتحاد على مقر وميزانية كان محمد كابر هاشم حريصا على تسديد الاشتراك السنوي للاتحاد فى اتحاد العرب والأفارقة، وذلك بالرغم من صعوبة تحويل العملة الصعبة عن طريق البنك المركزي الموريتاني، كما كان حريصا على تسديد إيجار المقر كل شهر، وإصدار الدواوين والكتب التى يقرر المكتب التنفيذي طباعتها كل عام حتى آخر يوم من انتهاء مأموريته فقد قال يجب أن نصدر جميع أعداد مجلة "الأيب" حتى لا نبقى مطالبين بأي عدد منها.
** العمل بروح الفريق الواحد**
كان محمد كابر هاشم يحرص على أن يعمل المكتب التنفيذي للاتحاد بروح الفريق الواحد فلا خلاف ولا خلافات بين الأعضاء، فالقرار يتخذ بالإجماع دون نزاع ولا ترافع...!!
** قيمة وقامة **
ولقد أحسن الأستاذ محمد عبد الله ولد عمرُ عندما ألف كتابه القيم "محمد كابر هاشم قيمة وقامة"، فهذا الكتاب شهادة وشواهد على مكانة الرجل التى يعرفها القاصى قبل الدانى والأجنبي قبل الموريتاني، والدليل مئات المقالات والقصائد التى رثت الرجل وبكته وما مثل مقالة وزيرالثقافة الجزائري ، وقاصد سيدى ولد أمجاد ورحيل النخيل للمسرحي والصحفي بونا ولد اميده، والبرامج التى أعدت عنه فى وسائل الإعلام الموريتانية الخاصة والعامة، وحديث وزير الثقافي الموريتاني الناطق الرسمي عنه فى مؤتمره الصحفي الإسبوعي .
رحم الله الأستاذ محمد كابر هاشم وجزاه الله خير الجزاء عن أمته ووطنه، وتغمده بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته إنه سميع الدعاء.
وعزاؤنا فى ذريته وأسرته الكريمة ألهمهم الله الصبر والسلوان. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
د. أحمد ولد حبيب الله
- أستاذ الأدب الموريتاني بجامعة نواكشوط العصرية
- الأمين العام السابق لاتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين