احتضنت قاعة المحاضرات بالمركز الثقافي المغربي فى نواكشوط مساء أمس ندوة ثقافية تضمنت إلقاء محاضرة تحت عنوان: " الهجرة و تأثيرها على القيم الاجتماعية و الثقافية فى دول المغرب العربي"، ألقاها الدكتور إزيد بيه ولد محمد البشير ، أستاذ الأدب العربي بجامعة انواكشوط .
.
الأمسية افتتحها الأستاذ: جواد الرحمونى مدير المركز، بكلمة قيمة رحب فى مستهلها بالحضور قبل أن يقدم عرضا موجزا عن أهم المحاور التى ستتناولها المحاضرة.
وهذا ملخص لأهم ما تناولته المحاضرة بقلم المحاضر:
الهجرة وتأثيرها على القيم الثقافية والاجتماعية في دول المغرب العربي
تركز اهتمام هذا البحث على مختلف أوجه التأثير التي تحدثها الهجرة بمختلف أنواعها على القيم الثقافية والاجتماعية في دول المغرب العربي. ولأن الهجرة مفهوم مكثف ومتعدد الأبعاد فإنه أصبح من الموضوعات التي تبوأت صدارة البحث في مختلف مجالات الدراسات الإنسانية يعالجه جميع الاختصاصيين كل من الزاوية المعرفية التي ينظر إلى العالم منها فتشعبت بذلك مجالات البحث فيه وتعددت نتائج هذا البحث بتعدد تأثيرات هذا المفهوم وانعكاساته.
لهذا جاءت معالجتنا لهذا الموضوع من باب يتجنب الفصل التعسفي، في التأثير، بين ما هو ناتج عن الأبعاد الاقتصادية والإجتماعية والديمغرافية و السياسية، فالتبس فيه ما هو ثقافي بما هو اجتماعي ولم ينفصل عنهما ما هو اقتصادي،وذلك لأن التأثيرات الخاصة بكل مقوم والناتجة عنه ، في نظرنا ، هي نفس التأثيرات التي يخلفها المقومان الآخران أو أحدهما .
- أما الدول المغاربية التى هي موضوع تتبع انعكاسات هذه الظاهرة فلأن الآثار المترتبة عليها متقاربة رغم التنوع الحاصل في دواعي الهجرة ووجهاتها ومنطلقاتها.
وذلك بتنوع الموقع الجغرافي (البحر الأبيض المتوسط) وأنظمة الحكم (مستقرة أو متأثرة بنتائج الربيع العربي وارتداداته) والتركيبة السكانية (متجانسة او متعددة) والمطامح الناجمة عن المستوى التعليمي
كما تتبع البحث تجليات التأثير الثقافي للهجرة على مناطق الإرسال ومناطق الوصول ووقف عند جملة العوامل المحركة لها ولخصها في الأزمات الاقتصادية والبطالة وتدني الأجور وعدم الاستقرار السياسي والحروب والصراعات وغياب الديمقراطية وتردي الخدمات وعدم الاهتمام بتطوير البحث العلمي، وغياب الحريات الأكاديمية إلى غير ذلك من العوامل الطاردة للكفاءات العلمية والفنية وما ينجر عن كل ذلك من تدمير للثروة البشرية لبعض الدول المغاربية وحرمانها من الاستفادة من ريع استثمارات ضخمة كانت قد أنفقتها لتكوين متخصصين ينهضون بها ويغطون حاجتها من الكوادر الكفؤة المشبعة بتجارب وخبرات الغير .
وتوقف البحث أيضا عند جملة من الآثار الثقافية الناتجة عن الهجرة في بعديها الخارجي والداخلي والتي يمكن أن نذكر منها :
- تضخيمها للمدن وإحاطتها بأحزمة بشرية من الفقراء والمهمشين الذين يعمرون بيوت صفيح لا تتقيد بالمواصفات العمرانية اللائقة، ولا تنسجم مع المخططات الهندسية، وتنعدم فيها المرافق الاجتماعية والخدمية، وتصبح مع مرور الأيام بؤرا فاسدة اجتماعيا، يقل فيها الأمن وترتخي قبضة الرقيب فتصبح وكرا للممنوعات وملاذا للهاربين من العدالة ومنطلقا لجرائم السطو والسرقة ومكانا لتكدس العاطلين والمنحرفين
- تأثير ها على الريف باستنزاف القادرين منه على العمل والإنتاج فلا يبقى فيه سوى النساء والشيوخ والأطفال الذين لم يبلغوا الحلم وما يترتب على ذلك من انعكاسات.
كما تتبع البحث أيضا تأثير الهجرة على أنماط التفكير والسلوك والبناء الاجتماعي فكشف خلخلتها للقيم التقليدية وزلزلتها للتراتبية الطبقية وتخفيفها من انتشار أمراض اجتماعية مقيتة كالقبلية والجهوية والاسترقاق
واستعرض البحث إلى ذلك طائفة من الآثار والتداعيات والتفاعلات الاجتماعية والثقافية التي عرفتها المجتمعات المغاربية والناجمة عن هجرة أبنائها إلى الخارج فذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر:
1 - صعوبة التعايش بين مكونات الهوية الخاصة للمهاجر ، ومتطلبات التكيف مع مجتمعات الهجر ة
2 – اختفاء ثقافة العيب في المهن
3- إهدار الاستثمار في المصادر البشرية
4- تكريس التخلف في البلدان النامية بسبب هجرة الكفاءات
وتوقف البحث في الأخير عند ظاهرة خطيرة ومؤثرة رغم تفاوت تأثيرها بين الدول المغاربية والمتمثلة في ما يمكن تسميته بظاهرة اختلال التوازن الإتني والاندماج الصامت للمهاجرين التي تنجم عن الهجرة الوافدة أو العابرة
حيث يخلف هذا النوع من الهجرة على البلدان التي تستقر فيها أو التي تعبر منها، آثارا ثقافية واجتماعية مؤثرة ومتنوعة خاصة إذا كانت هذه البلدان من ثقافات شتى وأعراق مختلفة وقوميات متعددة. وتتضاعف هذه التأثيرات إذا كان للمهاجرين امتدادات اتنية أو عرقية تسهل لهم إجراءات الوصول أو العبور أو الاندماج وتذهب عنهم دهشة دخول البلد لأول مرة .
ومع مرور الأيام يزداد عدد الوافدين للإقامة بأعداد الذين لم ينجحوا في العبور إلى وجهاتهم المبرمجة ويكثر بالفئتين سواد من يشترك معهم من المواطنين في الانتماء العرقي أو الخلفية الثقافية وتتعزز بتضافر كل تلك العوامل مطالب الأقليات وتتسع الدائرة المطلبية للاتنيات وتقوى مؤهلاتهم للضغط والانتزاع
هذا إضافة إلى أن الأقليات التي يتواجد أفرادها في أماكن معينة تجمعهم ثقافتهم الخاصة، يتجهون تدريجيا نحو محاولة إثبات ذواتهم بالضغط على المجتمع للاعتراف بهم بالطرق المشروعة وغير المشروعة التي قد تصل أحيانا إلى درجة العنف والتدمير فينتشر في خضم هذا الضغط، عداء بين المهاجرين والسكان الأصليين لا تذكيه هذه المرة العوامل الاقتصادية والتزاحم على فرص العمل بل الإحساس المتبادل بتهديد الوجود وزعزعة الهوية .
جدير بالذكر، أن المحاضرة التى نالت إعجاب الحضور، أشفعت بنقاش علمي من طرف الجهمور شارك فيه عدد من الشخصيات العلمية والثقافية التى حضرت الندوة .
وفى ختام الندوة وزعت على الحضور دعوة من طرف المركز لحضور ندوته القادمة والتى ستنظم مساء الثلاثاء القادم الموافق: 04 دجنبر 2017 بالمركز وموضوعها : قراءة فى كتاب "الوحي والواقع والعقل حول طبيعة النظر وصناعة الفقه فى الخطاب الإسلامي المعاصر" بحضور مؤلفه د. يحيى ولد البراء، يناقشه كل من:
د. عبد الوهاب ولد محفوظ رئيس قسم علم الاجتماع .. جامعة نواكشوط
ذ. حسين بديدى أستاذ علم الاجتماع ، جامعة نواكشوط
ذ. محمد ولد بو عليبه أستاذ النقد والأدب المقارن ..جامعة نواكشوط