الحسانية هي هذه اللهجة العربية الفصيحة المنسوبة إلي قبائل بني حسان من عرب المعقل ، وقد انتشرت بشكل سريع مذهل بين القبائل العربية والبربرية الأخرى مما يصعب تفسيره بالأدوات التحليلية المتعارف عليها.
.
ويهمنا هنا أن هذه اللهجة التي أصبحت اللغة الأم في المنطقة الممتدة من (أزواك ) غربي النيجر شرقا إلي المحيط الأطلسي غربا ، ومن منطقة (كرته وكوش) جنوبا إلي بلاد السوس وأحواز مراكش شمالا، أن نؤكد أنها أقرب اللهجات العربية على الإطلاق ، إلى اللغة الفصحي نطقا (مخارج حروف باستثناء "الفاء" عند الوسط المسمى موريتانيا) وصيغا و تراكيب و معاني ودلالات، وحتى لا نلقي الكلام على عواهنه ،، سنضرب بعض الأمثلة من الأسر اللهجية العربية الكبرى: 1الشامية /2لهجة أهل الجزيرة العربية/ 3 سواد العراق وباديته/ 4وادي النيل/ 5 إفريقية من غرب مصر إلي تونس / 6المغرب العربي/ 7 الحسانية .وسنكتفي بإيراد مثال واحد:
النطق: الضاد، مثلاً: لا ينطقه خارج الجزيرة العربية والشام بشكله الصحيح إلا البيضان (دوي حسان). بينما ينطقه اهل إفريقية و المغرب ظاء، وأهل وادي النيل زايا .
الصيغ: الإضافة صيغة التملك ، مثلاً :الفصيح: لي
اللهجات:
1) تبعي
2) حقي أو حقتي
3) مالي أو مالتي
4:بتاعي
5) نتاعي أو متاعي
6) متاعي أو ديالي ....
بينما الحسانية لا تزيد ولا تنقص عن الفصيح : هذا لي.
ويؤخذ على الحسانيين نطق بعضهم الهمزة عينا أو العكس عند البعض الآخر، والأصل أن العرب ما نطقت همزا إلا أبدلته عينا ، وهو بالتالي، فصيح كمؤتمر و معتمر.. و العكس لم يؤثر في كلام العرب ، أما المأخذ الصحيح على بعضهم فهو التبادل بين الغين والقاف قلقلة وغلغلة...و هو مرض شائع غلغلة عند إخواننا السودانيين، و قلقلة عند إخوتنا في الخليج...
و تبقى اليمن حالة لهجية خاصة وإن صنفناها جزيرية فلأنها الأصل وكل لغات العرب فروع ،إلا أن لها خصوصية في مخارج الحروف بالنظر لتعايش اللغات العربية الأولى مع الأخيرة، فما زالت لغات عاد وثمود مستخدمة هناك كالشحرية والعبرية(بفتح العين) والمهرية وهي تشظيات حميرية .
لطيفة: وهنا تحضرني قصة رواها لنا ذات ليلة الأخ أبو عمار /ياسر عرفات في منزل أبي عصام سفير فلسطين الأقدم في نواكشوط ، أوائل التسعينيات، قال : إنه كان يحضر عرضا عسكريا في الجزائر وكان قادة عرب إلى جانبه على المنصة، منهم رئيس اليمن الجنوبي آنذاك ولم أعُد أتذكر هل كان علي سالم أم علي ناصر محمد، وجلس وراء الرؤساء، كالعادة، كبار الضباط ولدى استعراض تشكلة طيران قال الرئيس اليمني لعرفات :إنني أفهم حديثا يدور بين الضابطين الجزائريين ألواقفين وراءنا إنهما يتكلمان لهجة يمنية!
ولأن الرئيس الشاذلي بن جديد كان إلى يميني فقد نقلت له ما قاله الرئيس اليمني فلم ينقض عجبه ،ولما انتهى العرض طلب من الضابطين أن يفسرا ماكانا يقولان فإذا هو تماما ماسمعه رئيس اليمن ...
تذكرت القصة وفي ذهني حميرية صنهاجة ..
.....للحديث شجن لا حِقٌ...
--------------------
وأخيرتْ... وأخواتها
بالرغم من فصاحتها فإن الحسانية خلوٌ جرداء من العبارات الّليِّنة المُرهفة ؛ حتي في غزلها ؛ حيث تجد من العبارات الخشنة ما لا يخطر علي البال:
صلَّاحْ "أدنش" و"انتورفين" ** زايركم صيـــد أغلانا
لا عمرتْ مِنُّو كـــــون عـين**سْـــــبــع وقــــفات لي أنا
وباستثناء أسماء المحبوبة التي تجمع بين (الخوانة) الخؤون، و(سبة القتيل) أي القتول أو المؤدية للهلاك وبين أسماء الظباء:العراد و الريم ، فإنه لا يوجد ما يعين علي اصطياد الغزال بلطف حتي كأن الريم(الخؤون) والعراد(القتول) تَحَوَّلَ من مخلوق مُرْهَفٍ بَهِيّ ملائكي إلي سفاح مرهوب الجانب ذي أنياب و مخالب، وسطوة... و من غرائبهم أن الملاحة و القبول و الجاذبية يُعَبَّرُ عنها في عرف بني حسان : ب"الشيطان" لتصبح العلاقة الغزلية الرقيقة حربا ضروسا تطأ فيها المحبوبة رقاب عشاقها المتيمين، فأين (القاف) التالي من الرقة والعذوبة:
كانِكْ عَسْرايِكْ يا العَــرَّادْ * * ترك الناثي لا تتعسرايْ
وإلا توطاي عـــــليّ زاد * * اللَّ لا تتعسرايْ أوطايْ
وليس هذا في الشعر الحساني بل في الفصيح إذ أن (الحالة) الغزلية استنبات غير موَّفق لعشق مستورد حتي في أسمائه وصفاته من شعرالغَـزِلين المشارقة في عصور الجاهلية وقليل من صدر الإسلام،ولا يكون الغزِل البيضاني خنذيذا يتقاصر عنه فحول الشعراء إلا إذا استحضر (دعدا) وأنجد معها أو أنجد هو فأتهمت هي و سيشم الخزامي من صبا نجد ويسائلها، ويرعي الهعخع و يتراشق بالسهام مع ابن ود، ولن تجد التمات و لا الخروب ولا تيدشمة و لا أزهار التيلوم الندية ....لأن الفكرة المسيطرةهي استبطان ما فعله(العرب) منذ آلاف السنين، لا ما نفعله نحو الآن، وإنك لواجد الفقيه العالم يتغزل بحبيب لا وجود حتي لإسمه في المفردات اليومية،و يتساكر بخمرة لا يعرف من لونها ولا طعمها إلا استبطان و استصحاب ما كان يفعله المعربدون الأوائل في دير مارموث و تيماء و دومة الجندل و نجران ودير سمعان، وهذا يجعلني أمْيَلُ إلي الغزل الحساني العنيف أكثر من هذا الإستبطان الكاذب، و يجدر التنبيه إلي صدق غزليات محمد ولد أحمد يوره و ولد ابنو ولد احميدا الذي (عَنَّف الفصيح كحال مُشاكِلِه العامي لتصدق عاطفته فعلا)...
أول الحب نظرة عذبـــــــــــــــــة والعذب من مَدَّهُ استحال عذابا
أما في الملا طفات الإجتماعية فإن ألفاظا مدنية من قبيل (شكرا) مثلا.و عفوا.. جاءت بعد المذياع من الشرق، لأن تقاليد القوم لا تتقبل الإطراء والتحبب ..فالمحبة والإعجاب أمورٌ يعمل بمقتضاها دون حاجة إلي قولها...علي الأقل في حضور صاحبها..لأنه نفاق أو تزلف ... وكان قاموس المجاملات محصورا في ما أسميه: وأخيرتْ وأخواتها [,قبل أن تصبح كلمات مبتذلة تكرر ببلاهة وبلادة كما يفعل المغاربيون بكلمة(سافا) الفرنسية السافلة، أو كما تسمع عند المشارقة (أوكي) مفتوحة الوكاء تقطر تفاهة... ] 1)
وأخيرت،وهي صيغة أفعل للمخاطب : أنت أفعل للخير، وكانت من الألفاظ المحتكرة علي ذوي المقام الرفيع حصريا فإذا قيلتْ في ملإٍ :وَأخيرتْ عني ذاك أن علما متفقاً علي مكانته قد ذُكر.....2) مرحبه 3)وأهله 4) وسهله: والشائع قول : مرحبه للعامة وللخاصة:مرحبه وسهله، وللأخص تضاف الأخيرة: واهله.. وهي ترحيب بالضيف القادم...و ترداد الكلمات الثلاث، والسؤال المتكرر عن الأحوال ينبئ عن مكانة القادم ضيفا كان أو زائرا...ثم 5)وأطيبتْ: واطيباه ! كم هو طيب ... 6) وارحمتْ: وا رحمتا عليه... وأخيرا في الإستلطاف هناك كلمة واحدة ...7) وَانِّي(وَنِّي) وأصلها... و إني به لسعيد أو إني به لمغتبط... وكانت تستعمل للأطفال والمشائخ و من في موقع الحب البريئ والعاطفة الأبوية...ولا أعلم شعبا عربيا آخر يستعملها غير أهلنا في اليمن... في معني يقترب من هذا.. وني بزين يلبس الطاق والحله (كلمات الفنان المرشدي)
................../........................ يتبع في شجن آخر