أيام قليلة ويحتفل الشعب الموريتاني بالذكرى الخامسة بعد الخمسين لعيد الاستقلال الوطني ،سيحتفل لامحالة ويعمه الفرح والسرور ،رغم الصعوبات الاقتصادية التي يئن تحت وقرها ،سيحتفل وهو يضمد جراحه يشكو آلام وقر سنين الظلم ،القهر ،الحيف والإقصاء ،سيعبر بفرح تطفوا عليه مظاهر البؤس
.،الشقاء ،اليأس ،الإحباط وفقدان الأمل،سيصرخ في صمته ،يبكي ألمه وهو يقلب يديه أسفا على ماضيه السيئ ،حاضره المخيف، مستقبله الغامض ،أمواج المشاكل والأزمات تجاوزت الخطوط الحمراء ،الاحتكاكات الاحتجاجية يومية تقريبا، التوترات والاضطرابات تشعبت وشعبت ثم تعقدت وعقدت منذرة بانفجار اجتماعي خطير .. سيعبر ما في ذلك شك بكلمات خافتة وصوت منكسر ..عدت على أية حال ياعيد..
إن الاستقلال رمز لحرية الشعب وانعتاقه وسيادته على تسيير شؤون بلده ،في كل ذكرى له ،يتفقد الشعب ضحاياه وأبطاله المجاهدين يترحم على أرواحهم يفتخر بجهادهم في سبيل الحرية والانعتاق،سيحتفل في بيوت طينية ،في أكواخ واعرشة خشبية تحيط به مستنقعات راكدة المياه، هي موطن مفضل للمكروبات ،كلهم أوجلهم طريح الفراش يصارع حمى نزيفية وأمراض أخرى استوطنت جسده،سيحتفل ليجدد العهد والعهدة للفقر والفساد وسوء التسيير المالي والإداري.
إن الأزمة التي يعيش البلد ليست أزمة ظرفية بل هي من فصيل الأزمات الهيكلية عضوية المنشئ والتكوين،استفحلت وتجذرت في مفاصل الدولة الأساسية بعد ما أقحم الجيش نفسه في الحياة السياسية إثر انقلابه الأول 1978، تحت ذريعة إنقاذ الوطن ،ليستمر الضباط بعد ذلك في تغيير السلطة بالطرق غير الدستورية حتى نهاية العقد الأول من الألفية الثالثة،وبالتحديد 2008، لكل مجموعة انقلابية تبريرات وتعهدات والتزامات وتسمية تختلف عن سابقتها،إلى أن أصبح الوطن اليوم جسما مريضا طريح أسرة مستشفى السياسة العسكري ،يصارع أمراضا مزمنة أدت به في نهاية المطاف لموت سريري قد يمتد لعقدين زمنيين على أقل تقدير، بعقاقير التهدئة- التزامات تعهدات- أثناء كل عملية تغيير عسكري يتم امتصاص غضب الشعب و حقنه و شحنه ليعيش على أمل ولد ميتا ،إنها وضعية فوق الصعبة وفوق القاسية ،إلا أنها نتيجة حتمية لأحكام شمولية لم تأتي من أجل الديمقراطية وخدمة المجتمع وانتشال الدولة من مستنقعات الفساد والرشوة والقبلية والمحسوبية ،كما تدعي المجموعات الانقلابية في بياناتها الأول دائما، التي غالبا ماتتضمن مشروعات تلامس طموح وتطلع المجتمع وتستجيب لرغباته ،الحرية ،العدالة،الديمقراطية،محاربة الفساد.. لكن سرعان ما يتحلل الأمل ويصطدم مشروع الإصلاح المعلن عنه سلفا في البيان رقم 1 – جديا أو هزليا كان- بجدار أصحاب النفوذ وجماعات الضغط القبلية والأسرية المتشكلة حديثا حول صاحب القرار الجديد – الانقلابي-