المحظرة هي الجامعة التي تدرس فيها "بتمعن وإتقان" جميع العلوم الإسلامية التقليدية من علوم القرآن والحديث والتوحيد والسيرة النبوية وأيام العرب وأنسابها والفقه وأصوله وقواعده وعلوم اللغة من نحو وصرف وبلاغة وأدب ومنطق وحساب وطب نبوي.
.يقوم عالم واحد بتدريس هذه المواد على أكثر من 16 ساعة يوميا.. يتعاقب الطلاب على شيخ المحظرة أفرادا وجماعات (دولة) لتلقي دروسه الشفوية.. متنقلا من مادة إلى أخرى دون أن يضطرب إلقائه نتيجة اختلاف الفنون التي يقرئها، وقد يقدم الشيخ أزيد من 100 درس يوميا.
يبدأ التدريس في الصباح الباكر ويمتد طول النهار وأول الليل بدون تقسيم الأوقات على المواد المدرسة وقد كان بعضهم يبدأ في الصباح بتدريس النحو والفقه، فإذا تقلص الظل إلى سبعة أقدام بدأ تدريس خليل من البيع وما بعده إلى صلاة الظهر، وما بين الظهر والعصر للفنون الأخرى، وبين العصر والمغرب للنصف الأول من خليل، وما بين المغرب والعشاء للنساء، وما بعد العشاء لمن فاتته الدراسة في النهار.
وقد شكا إليه أحد الطلبة عدم ملائمة الوقت المخصص لأهل البيع وما بعده قائلا:
الوقت ضيقه على الأواح ألواح أهل الباب ذو التضاح
مع أنه قيل يكل الفهم فطلب التشريك فيه ظلم
والرأي أن يزاد قدر قدمين من سابق شفاء تين العلتين
فرفض الشيخ تغيير نظام الوقت وأجابه قائلا:
تغير العهود غير ممكن صار الصواب ترك ما لم يكن.
وغالبا ما يتبع الشيخ في التدريس طريقة "الأول فالأول" من غير تقسيم الزمن على المواد المدرسة وتارة يتبع الشيخ طريقة "الدولة" (الجماعة المشتركة في وحدة النص)، وتارة يحرص الشيخ على أن يراجع للطلبة دروسهم من خلال تقديم المبتدئين على غيرهم.
والأصل أن يقرأ الطالب كل نص من بدايته، وقد يبدأ النص من أي موضع منه إذا اقتضت ظروف "الدولة" ذلك، كما وقع لعبد الودود بن عبد الله حين قدم على بلا بن مكبد الشقروي حيث بدأ قراءة الألفية من قول ابن مالك في النواصب:
وبعد فا جواب نفي أو طلب محضين أن وسترها حتم نصب.
وعن هذه المنهجية يتحدث العلامة عبد الحي بن اتاب (ببيه) الانتابي
تعليمنا الأصلي في البوادي أعني الذي يعتاد في النوادي
يأتي التلاميذ إلى المعلم تحت الخبا ناحين للتعلم
أو تحت خيمة له من شجر أو لهم أو تحت ظل الشجر
يقول "مش" يا فلان فيقول "يقول" أو "يرفع" و"الوقت" مقول
بعضٍ كذا "يجب" ثم "يثبت" و"فرض الحج وسن العمرة"
وبعضهم يجاوز الأخيرا للعجز إذ ذاك وقس كثيرا
من ثم حتى ينتهي لـ"يُخرَج" الأبواب [كيل 60] والفصول [صهج 68]
وفي الرسالة رجال ورجال في تحفة ابن عاصم لهم مجال
وبعضهم إضاءة الدجنه إذ هي دون الملحدين جنه
وبعضهم يقول عند ذلك (قال محمد هو ابن مالك)
ثم يقول بعضهم حين أتى (الفاعل الذي كمرفوعي أتى)
ثم يقول دولة بلا دخل (يتبع في الإعراب الاسماء الأول)
ثم يقول دولة ممن ألف (علامة التأنيث تاء وألف)
يقول من هو على الصرف جري (حرف وشبهه من الصرف بري)
وبعضهم بالحمد لله نطق من رأسها إلى انتهاء المنتطق
ودولة في قرة الأبصار في سيرة المشفع المختار
كذا ابن عاشرْ وابن بري والمثال لا يقتضي الحصر كما قدما يقال
هذا كثير ما عهدناه يؤم له المحاظر بقطرنا العلم
أما عبيد ربه والأخضري وملحة الإعراب والشعر حري
بالسبق بعد الحفظ دهر الصغر فإن ذا قبل المحاظر دري
يقول ذو اللوح للاستاذ غفر الله لي ولك ثم إن صدر
ثمت يمضون إلى تكرار دروسهم بالليل والنهار.
وفي الليل تتعالى أصوات الطلبة بتكرار الدروس اليومية بإعادتها والتذاكر فيما غمض منها أو نسي وتعميقا للبحث وتوسعا فيه.
من أرشيف موقع التيسير الثقافي